حين يختفى الأمن من البلاد وتحترق أقسام الشرطة، ثم تُقتحم السجون ليخرج منها المجرمون والمحكوم عليهم بالإعدام، من الطبيعى أن تجد فى أنحاء الوطن ، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. وعندما يتدخل أشخاص يحملون أسلحة بيضاء تنوعت بين سيوف تلمع وسنج تخيف كل من يقترب منها ، تيقن أنهم رجال الأمن الجدد أو ما يعرف باللجان الشعبية الآن فى مصر. سرعان ما يطلبون إظهار بطاقتك الشخصية أو الكشف عن هويتك المهنية، يليه سلسلة من المطالب الأخرى. رخصة قيادة السيارة ورخصة شخصية. ثم تجد آذانك تسمع عبارة "افتحلى شنطة العربية" وعندما لاتعجبهم ملامح وجهك يقول لك "انزلى تحت" ثم يقوم بتفتيش ملابسك. أملا فى العثور على ما يشفى غليله ويثير بهجته، سكينة مكسورة، أو مطواه منسية أو حتى قطعة خشبية تثبت أنك خطر على الأمن العام. حين اختفى رجال الأمن فجأة من الشارع المصرى ووقفت اللجان الشعبية لتشارك فى حماية المواطنين من اللصوص والمجرمين، رفع لهم الجميع القبعة، وأشادوا بما فعلوه فى الليل قبل النهار، لكن ان تصل من بعضهم الأمور إلى التعدى على خصوصيات المواطنين والتعدى على حرماتهم وامتهان كرامة الأبرياء وتفتيش المواطنين بشكل يمثل نوعا من الإذلال فإن الأمر الآن أقل بكثير مما أطلق عليه الجميع منذ أيام انها "شهامة الشباب المصرى". ليس من الأمر الغريب إذا قال مواطنون أنهم يسرعون فى العودة إلى منازلهم قبل حلول ساعات المساء بسبب ما يتعرضون له من إهانة فى بعض نقاط اللجان الشعبية، وليس خوفاً من تعرضهم لمضايقات من الأمن بسبب اختراقهم لحظر التجوال. حقاً..إذا زاد الأمر عن حده، انقلب إلى ضده، فلا يرضى أى مواطن مصرى له كرامته أن يكون مصطحبا زوجته وأولاده فى سيارته ويجد من يوقفه ويرفع السيف فى وجهه طالباً بطاقته ، وبطاقة زوجته، الأمر الذى ينذر بمخاطر جمة قد تحدث فى أى لحظة بين الراضخين لمطالب التفتيش ، وبين من يزعمون أنهم يحاولون السيطرة على الأمن. على طريق الكورنيش المؤدى إلى منطقة شبرا، وتحديداً فى الحادية عشرة مساء ، كنا نستقل سيارة مؤسسة الأهرام، فى طريقنا إلى منازلنا، استوقنا شباب يزعمون أنهم تابعون للجان الشعبية ، جميعهم يحمل أسلحة بيضاء "عينى عينك" .. والغريب فى الأمر وما يدعو للدهشة والإستفزاز أن كل لجنة لاتبعد عن اللجنة الأخرى أكثر من 100 متر أو 500 متر على أكثر تقدير. أول لجنة استوقفتنا طلبت تحقيق الشخصية فأخرجنا لمن يقف بها الكارنيهات الدالة على أننا نعمل "صحفيين" لكنهم رفضوها وطلبوا البطاقات الشخصية ، لكننا لم نجد أمامنا إلا إطاعة الأوامر التى يصدرها "زعيم الشلة"، آسف قائد اللجنة الشعبية فى هذه النقطة، لمن يقف فى اللجنة ، وبعد تحققهم من البطاقات ، طلبوا رخصة القيادة ،وتقمص أحدهم دور رجل المرور ، بل بطريقة أدهى وأمر من "أرخم" عسكرى مرور تقابله فى حياتك. عندما أخذ الرخصة وذهب ليقف أمام " نمرة السيارة" فى الأمام والخلف ، وبعد كل ذلك ، طلب فتح شنطة السيارة ، والتى تجمع حولها كل الواقفين دون أدنى مبرر. وقتها ينتابك شعوران، إما أنك أمام شخصية أمنية كبيرة، أو رجل كان يتمنى أن يكون ضابطا كبيرا. "احنا آسفين يارجالة"..بهذه العبارة انتهت عمليات التفتيش بالنسبة له، فما كان منا إلا قبول الأسف والمضى إلى طريقنا باعتبار أن هذا "الكمين" هو رقم 1 فى سلسلة الأكمنة التى ستعترض طريقنا. وبعد ما يقرب من 200 متر فقط من اللجنة التى استوقفتنا منذ نصف دقيقة فقط ، استوقفتنا جماعة أخرى كل من يقف فيها شباب لاتتعدى أعمارهم 12 سنة ، وطلبوا البطاقات الشخصية ، إلا أن أحدهم قال لهم بعدما رأى "بادج" الأهرام على زجاج السيارة :" خلاص ياكامبو إنت وسوسته، دول صحفيين". كامبو وسوسته يقفان لحماية المواطنين، بعد أن وضعا المتاريس والحواجز التى لاتتحرك على جانبى الطريق قبل فتح شنطة السيارة، والتحقق من البطاقة الشخصية، وكل منهما يحمل فى يده سيفاً، فأي أمن يحقق كل من كامبو وسوسته؟. تحركنا من هذا الكمين، وفوجئنا بآخر على بعد حوالى 500 متر ، يطلب نفس المطالب السابقة، وعندما سألناهم عن كلمة السر رفضوا الإفصاح عنها قبل فتح شنة السيارة ومشاهدة البطاقات الشخصية ، وبعد أن حققوا مرادهم قالوا لنا إن كلمة السر:"اللى منك منك". استوقفتنا لجنة أخرى على بعد مترات ، وقلنا لهم "اللى منك منك" فردوا بقولهم " ألف سلامة" ، إلى ان ابتعدنا عن المنطقة ودخلنا فى شارع جديد ، لكننا فوجئنا بنفس المطالب ، فرضخنا لها وسط تجمع من الشباب يحملون أسلحة بيضاء وشوم وسنج وخلافه. وعندما قلنا لهم إن اللجنة السابقة قالوا إن كلمة السر "اللى منك منك" ردوا بقولهم :" كلمة السر تتغير كل 4 أو 5 لجان". استمر وقوفنا فى اللجان أكثر من 15 مرة فى أقل من 10 دقائق ، فهل هذا حفاظ على الأمن ، أم محاولة للسيطرة على مجريات الأمور فى ظل اختفاء رجال الشرطة، وقيام هؤلاء الشباب بتقمص دور الضباط ؟. الأسئلة كثيرة، والأكمنة أكثر وأكثر حول مستقبل أصحاب هذه اللجان ، خاصة مع عودة الشرطة ، لكن الكل يتخوف من أن يتحول بعضهم إلى بلطجية ، وخارجون على القانون ، وعدم احترامهم لرجال الأمن فيما بعد ، والخوف أيضا يحيط بالكثير من أن يأتى اليوم الذى يطلب فيه ضابط الشرطة بطاقة تحقيق الشخصية من أحد أعضاء هذه اللجان الشعبية فيما بعد فيكون الرد على هذا الضابط بعبارة :" أنا كنت قايم بدورك وأنت نائم فى بيتك، ومفيش بطاقة"..ووقتها لن يفيد الندم.