عندما وصل الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى الحكم في قطر بعد انقلاب غير دموي على والده، تسلم بلدا مغمورا شبه مفلس، أما الآن، فهو يغادر بلدا ثريا حوله إلى أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم وإلى لاعب أساسي على الخارطة العالمية. ويتوقع أن يسلم الشيخ حمد (61 عاما) الحكم لنجله ولي العهد الشيخ تميم في خطاب للشعب القطري صباح الثلاثاء مسطرا سابقة في منطقة يتمسك بها الحكام عموما بالسلطة حتى الرمق الأخير. وباتت قطر في عهد الشيخ حمد أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال وصاحبة أعلى دخل للفرد في العالم، فيما يبلغ عدد مواطنيها ربع مليون نسمة بالكاد ومساحتها 11437 كيلومترا مربعا. وأوجد الشيخ حمد ماكينة اقتصادية ضخمة تحول الاحتياطي الغازي في الرمال ومياه البحر (ثالث احتياطي بعد روسيا وايران)، إلى مال، الكثير من المال. وفي 27 يونيو 1995 انقلب الشيخ حمد على والده بدون إراقة قطرة دم، وتسلم خزينة شبه فارغة، وذلك في وقت كانت العائدات النفطية منخفضة. وعزز الشيخ حمد التحالف مع الولاياتالمتحدة التي لديها في قطر إحدى أكبر قواعدها الجوية في العالم، ومقر القيادة الوسطى لجيشها. وحمد الأسمر ذو النظرة الجدية والذي كان مكتنزا قبل أن يخسر الكثير من وزنه الزائد في السنوات الأخيرة، شخص مثير للجدل. فمن انفتاحه على إسرائيل في بداية الألفية الى دعمه لحزب الله وحماس وعدائه للسعودية، ثم إلى المصالحة معها ودعمه الكبير لانتفاضات الربيع العربي وللإخوان المسلمين وابتعاده عن إيران في الملف السوري، أدار الشيخ حمد حراكا لا يهدأ وحول الدوحة الى العاصمة السياسية للخليج، وربما للعالم العربي، في ظل ضمور دور القوى الإقليمية التقليدية مثل مصر وسوريا وحتى السعودية. وغالبا ما يقدم حمد بن خليفة على أنه "بطل الربيع العربي" الذي دعمه شتى أنواع الدعم، بما في ذلك عسكريا في ليبيا، وبالسلاح في سوريا. أما الدعم القطري الأبرز فقد يكون الدعم الإعلامي من خلال قناة الجزيرة التي أطلقها الشيخ حمد بعيد وصوله إلى الحكم مؤسسا لمرحلة جديدة من الإعلام الإخباري العابر للدول العربية. وقال الكاتب أوليفييه دالاج صاحب كتاب "قطر، سادة اللعبة الجدد"، إن "الشيخ حمد عندما تسلم السلطة في 1995، كان لديه هدف وحيد هو وضع قطر على الخارطة، ولذلك استخدم موارد الغاز الذي كان والده يرفض تطويرها خوفا من تغيير طبيعة المجتمع القطري". وبعد 18 سنة، قال دالاج إن الشيخ حمد حقق هدفه. وقال إن "قطر تملك ترسانة مالية ضخمة تجبر دول الجوار والعالم على احترامها، وبات دورها الدبلوماسي المدعوم بالثروة معترفا به، كما ان الحس الاستراتيجي الذي يتمتع به الشيخ حمد سمح له بالا تباغته أحداث الربيع العربي، وقام بدعم الاحتجاجات في تونس ومصر وليبيا وسوريا". ولطالما اعتمد الشيخ حمد على دعم شخصين محوريين: زوجته الشيخ موزا بنت ناصر المسند البالغة التأثير والأناقة في آن واحد، ووزير خارجيته ورئيس وزرائه المحنك الشيخ حمد بن جاسم الذي يتوقع أن يغادر منصبه مع تسلم الشيخ تميم الحكم. ولد الشيخ حمد في 1952، وتابع دروسه في مدرسة ساندهيرست العسكرية البريطانية الشهيرة التي تخرج منها في 1977 وعين في 1977 وليا للعهد ووزيرا للدفاع. وكان يصعب على كثيرين فهم التوجهات المتعددة والتي تبدو احيانا متناقضة في السياسة القطرية تحت قيادة حمد. فهو كان حليفا قويا للغرب، ومنفتحا على إيران، وفتح مكتبا تجاريا لاسرائيل (اغلق في 2008) ودعم حزب الله بعد حربه مع اسرائيل في 2006 وخاض مواجهة محتدمة مع السعودية ثم صالحها، ثم مارس دورا قياديا في الربيع العربي ودعم خصوصا الاسلاميين السنة، ولاسيما الاخوان المسلمين، رغم حساسية شركائه الخليجيين وبالتحديد السعوديون والاماراتيون. في المقابل، أدخل الشيخ حمد إصلاحات محدودة على النظام السياسي، ورغم وعود متكررة بتنظيم انتخابات برلمانية، ما زالت قطر لا تحظى بمجلس تمثيلي منتخب مع صلاحيات حقيقية. وتقتصر التجربة الانتخابية في قطر حتى الآن على الانتخابات البلدية. وقال مصدر دبلوماسي غربي لوكالة فرانس برس "لم يكن الشيخ حمد ابدا مرتاحا إلى فكرة كونه انقلب على والده. ربما اراد ان يذكره التاريخ بانه الحاكم الذي سلم الحكم طوعا وليس الذي انقلب على والده".