قد يكون من السهل أن تتقمص شخصية "العبيط" أو "البلطجى" لكن الأصعب أن تقنع من يشاهدك بنفسك، تلك هى الحالة التى أحدثها كل من النجمين خالد الصاوى وخالد صالح من خلال دوريهما في فيلم "الحرامى والعبيط" الذى طرح مؤخراً بدور العرض السينمائية. فإذا أردت أن ترى مباراة تمثيلية بين نجمين بحجم وقامة كل منهما، يمكنك مشاهدة هذا الفيلم الذى اجتهد فيه الاثنان للوصول لشكل أفضل للشخصيات التى يقدمونها في الفيلم، بالرغم من تراجع مستوى القصة التى يتناولها العمل والتى كتبها السيناريست أحمد عبد الله مقارنة بما قدمه من أعمال هامة من قبل، حيث لم يحالفه الحظ كثيراً هذه المرة في استكمال الملحمة الدرامية التى قدمها في جميع أفلامه، وعبرت عن واقع المجتمع المصري بفئاته الإجتماعية البسيطة بل أنها غيرت المفهوم عند الكثيرين عن "سينما السبكية" وأقنعتهم بها، فبعد أن حصرت نفسها سنوات في تقديم أعمال وصفها البعض بالسذاجة أصبحت تقدم أعمالاً مهمة تحوى رسائل كثيرة بين طياتها مثل أفلام "كباريه" و"الفرح" و"ساعة ونص" وكل هذا بفضل المؤلف أحمد عبد الله الذى يعتبر الوحيد بين كتاب جيله الذى حرص على الاهتمام بهذه الطبقات وتقديم رسائل غير تقليدية عن واقعهم. لكن هذه المرة في "الحرامى والعبيط" الأمر يختلف، فرغم أهمية الموضوع الذى يناقشه العمل وهو تجارة الأعضاء البشرية، فإن القضية كان من الممكن الاستشراق بها بشكل أكبر من ذلك الإطار الذى حصرت فيه، من حيث طمع شخصية البلطجى "صلاح روسي" الذى يجسد دوره خالد الصاوى، والذى يريد الحصول على قرنية "العبيط فتحى" الذى يلعب دوره خالد صالح بعد أن يصاب الأول بخبطة في عينه تفقده بصره، وتكون الوسيط في هذه العملية الممرضة التى يحبها "روسي" والتى تعمل في مثل هذا النوع من العمليات. فمثلاً الأحداث التى جعلت "فتحى" يتحول لعبيط جاءت نتيجة لضربه من قبل مجموعة من الشباب وسط الحارة الشعبية التى كان يقطن بها، وكان من بين هؤلاء الشاب الذى كانت تقوم زوجة "فتحى" بخيانتها معه، حيث قرر هذا الشاب الانتقام منه بعد أن قام خالد صالح بضربه بعد أن شاهده مع زوجته في وضع مخل. والغريب هنا في الأمر أن مشهد خيانة زوجته ووجودها في أحضان رجل أخر لم يصبه بالجنون أو العبط وكان واقع الضرب عليه أقوى من هذا الأمر. اختزلت قضية تجارة الأعضاء البشرية في العمل في قصة البلطجى الذى يريد الحصول على قرنية العبيط، ليطمع بعد ذلك الطبيب الذى أجرى العملية في الحصول على أعضاء أخرى من "العبيط" مثل الكبد والخلايا الجذعية والأنسجة وغيرها فيوافق "البلطجى روسي" لكن "ناهد الممرضة" التى لعبت شخصيتها روبي تقنعه بأن هناك من يقوم بالدفع بالعملة الصعبة في أعضاء العبيط فيوافق "روسي" على بيعه للآخر، ولاشك أن هذه النقطة ترصد نقطة هامة في عملية تجارة الأعضاء البشرية اجتهد السيناريست أحمد عبد الله وكان موفقا في إبرازها، ولكن في النهاية يكون التساؤل هو لماذا لم يستطرد المؤلف في سرد تفاصيل أكثر عن هذه التجارة وما يحدث بها خصوصاً أن "القماشة" التى تدور بها أحداث الفيلم تسمح له بذلك حيث إنها تدور في إطار شعبي، وأغلب هذه التجارة تدور في هذه الطبقة سواء في أسرة تبيع أحد أعضاء مقابل أموال بسيطة تعينها على المعيشة أو اختطاف الأطفال أثناء لعبهم في الحارة لصالح العصابات التى تعمل في هذه التجارة وغيرها، وكل هذا ليس كنوع من الحكر على خيال المؤلف ولكن من باب التساؤل خصوصاً أن أحداث الفيلم مرت سريعاً وكان بها تركيز على مشاهد الذاكرة لخالد صالح قبل إصابته بالعبط أثناء خيانة زوجته له، وحزنه على ابنته التى أصبح لا يعرف عنها شيئاً. وعلى الجانب الآخر، اجتهد كل من خالد الصاوى وخالد صالح في تقديم دوريهما، فرغم أن الصاوى سبق له وقدم "الشخصية الشريرة" في أكثر من عمل سابقاً لكن هذه المرة تراه مختلفاً سواء في الأداء أو نبرة الصوت أو طريقة المشى وإن كانت الشخصية سمحت له بوضع بعض القفشات الكوميدية عليها. أما خالد صالح فلابد أن تشعر معه وكأنك تعيش مع "عبيط رسمي" وليس فناناً يؤدى دوره، فقد تقمص حياة هؤلاء الأشخاص سواء في طريقة حديثهم أو فرحتهم بالأشياء البسيطة التى يتحصلون عليها من غيرهم حتى حركة يديه التى بدت وكأنه يعانى من عجز جسدي حقيقي.