حذّر المشاركون المتحدّثون في الجلسة الأولى من منتدى الدوحة الثالث عشر، في العاصمة القطرية، من تداعيات السماح باستمرار سفك الدماء بسوريا، داعين إلى مزيد من النشاط الإقليمي لتعزيز الاقتصاد في الشرق الأوسط وإلى تحرّك عالمي لمواجهة المشاكل الاقتصادية والمناخية التي يواجهها عالمنا الذي يزداد ترابطاً. وقال فرانسوا فيلون، رئيس وزراء فرنسا بين عامي 2007-2012: "علينا أن نضع حداً لكارثة النزاع السوري ووقفها من التوسّع خارج حدودها"، مضيفًا: "إنها تهدد استقرار المنطقة ككل، فالأسلحة تأتي من كل مكان لسوريا والأسد يريد أن يصدّر الازمة إلى خارج حدوده". وعبّر وولفجانج أيشنجر، رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن والمفاوض الألماني الرئيسي في مفاوضات دايتون التي سعت إلى وقف سفك الدماء في الحرب البوسنية في 1995، عن مخاوف مشابهة، قائلاً: "إذا ما استمررنا في فعل ما نقوم به الآن جميعاً، فسينتهي بنا الأمر بأسوأ الأسوأ: مئات الآلاف من القتلى، ودولة مدمّرة، ومنطقة غير مستقرة، وخسارة أسلحة دمار شامل، وتطرّف. سوريا تقع خلال جلوسنا وحديثنا هنا. الحقد والنزاع مزّقا النسيج المجتمعي". وأضاف: "هذا يذكّرني بالبوسنة.. وهذا ما أريد أن أقوله: إن عدم فعل أي شيء لأن فعل ذلك سيكون صعباً سيؤدي أيضاً إلى المسئولية والذنب. إن عدم التحرّك هو ليس استراتيجية. ثم ماذا؟ كلما طال ذلك أكثر، كلّما أصبح الأمر أسوأ". واعتبر كلاهما أن هناك بعض الأمل في عقد مؤتمر لكافة أطراف النزاع السوري – الذي بدأ في 2011 مع بدء الاحتجاجات الشعبية العربية ضدّ الحكّام المحتكرين للسلطة عبر مختلف أنحاء المنطقة – والذي تأمل الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا أن يتمّ ترتيبه، ربما في غضون أسابيع. وأكّد أيشنجر ما كان عبّر عنه أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، في كلمته الافتتاحية عن ضرورة تحقيق مزيد من التقدّم في إنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. ورأى أنّ الاتحاد الأوروبي لم يقم بفعل ما هو كافٍ لدفع الطرفين تجاه حل النزاع، وأن عليه أن يفعل المزيد بخلاف مجرد تركيز جهوده على تمويل السلطة الفلسطينية. وقال: "بالرغم من جميع التصريحات الجيدة للاتحاد الأوروبي بخصوص هذه القضية على مدار السنوات، فإن عدم تحرّكه في مواجهة هذا الركود الخطير في عملية السلام هو أمر غير حكيم وغير مبرّر"، مشيرًا إلى أن الأجيال القادمة لن تغفر للأوروبيين أنهم لم يقوموا فقط بالسماح للوضع بأن يتطور إلى هذا الحدّ الحرج، بل أيضاً انهم لم يتصرفوا لمعالجة التدمير المستمر لحياة الفلسطينيين وحقهم في تقرير المصير". أمّا رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون فعبّر عن قلقه لغياب أي قرار عالمي لحلّ القضايا جماعياً، كما في حال التغيّر المناخي ومحادثات التجارة العالمية، مضيفاً أن نقص التعاون على المستوى الإقليمي والدولي –في جزء منه ناتج عن الركود الاقتصادي العالمي- يضرّ بالجميع. وقال براون: "إن نسبة النمو العالمي تقدّر بحوالي 3% في حين يجب أن تكون 6%، والاقتصادات الغربية لا تحقق أي نمو، مضيفًا: "إننا على نقطة تحوّل فريدة حيث إنّه للمرة الأولى يكون الإنتاج بمعظمه متركّز في الشرق في حين يكون الاستهلاك بمعظمه متركّز في الغرب". وأضاف أن العقدين القادمين سيشهدان طبقة وسطى عالمية، ربما قد يكون حجمها مليار شخص، ولكن ستصبح بحلول عام 2025 بضعة مليارات، وسنرى التمدّن يغزو مزيداً من السكان، من 50% إلى 60% ثم 70%، وسنرى عدد من يملكون السيارات والمنازل يصل إلى ملياري شخص في توسّع لازدهار الطبقة الوسطى لم يشهد له التاريخ مثيلاً. وهذا سيشكّل نقطة تحوّل تاريخية في الاقتصاد العالمي ... وبالتالي، لا بد لنا من التعاون الدولي لضمان النموّ". وبالانتقال إلى الشرق الأوسط، قال براون إن النمو أيضاً لم يكن بالمعدلات المتوقعة، ولكن دول الخليج الغنية بالثروات الطبيعية قادرة على تغييره. وأوضح: "حققت مصر نمواً بنسبة 2.2%، والأردن 2.6%، والمغرب 2.4%، وتونس 3.6%، ولكن النموّ هذا في جميع هذه الدول يجب أن يكون ما بين 5-10% سنوياً"؛ واقترح براون تأسيس بنك تنموي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفق خطوط البنك الإسلامي للتنمية، بحيث يتمّ تمويله من دول النفط ليقوم بتدريب الشباب وتأمين وظائف لهم. وأضاف براون، الذي عارض بقوة إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة البريطانية منذ مغادرته الحكومة: "هذه المنطقة غنية بالشباب، أعدا كبيرة منهم ممن يرغبون بإنشاء أعمال لهم، ولكن نسب البطالة مرتفعة". وقال نائب الرئيس الأرجنتيني بودو، وهو أيضًا وزير اقتصاد سابق، أن إجراءات التقشّف تضرّ بالدول النامية وأنه هناك ضرورة لتحرّك عالمي لإيجاد مخارج وحلول أخرى للأزمة المالية ". واقترح بودو: "علينا أن نهندس نظاماً مالياً جديداً بحيث يمكننا الخروج بسلام من هذه الازمة. علينا أن نضع حداً لإجراءات التقشّف. عندما نخفّض من ميزانيات دول بأكملها، فإن هذا يؤثر مباشرة على الأفراد حول العالم". وأشار بودو إلى قطر كمثال جيد على دولة توظّف الموارد المتوفّرة في تحسين مستويات رفاهية وجودة حياة شعبها، أما بالمقابل، "فإن سياسات التقشّف تترك آثار وتداعيات سلبية على الفقراء في الدول النامية وتؤثر على نسب العمالة".