قال الشيخ حمد بن خليفة آل ثان، أمير دولة قطر: إن شيوع الفقر والبطالة وغياب العيش الكريم، وانتهاك حقوق الإنسان، في ظل أنظمة الحكم التي تتميز بالتسلط والقمع والفساد، كانت القوة الدافعة للثورات العربية التي تستهدف -ولا تزال- المشاركة الشعبية في صنع القرارات السياسية والاقتصادية. وأضاف الأمير، في كلمة خلال افتتاح منتدى الدوحة الثالث عشر ومؤتمر إثراء المستقبل في الشرق الأوسط، أن النظام العالمي شهد تغيرات متلاحقة، ليس في المجالات السياسية فحسب، بل أيضًا بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والإنسانية عمومًا. وأوضح أن العالم العربي كان من أبرز الساحات الإقليمية التي تأثرت بتلك التغيرات، مما يجعل المرحلة الحالية التي يمر بها من أهم مراحل تاريخه، موضحًا أن من أبرز ما نراه اليوم بالعالم العربي مناداة الشعوب بالإصلاح الشامل والسعي لتحقيقه بطرق ووسائل شتى، وفي مقدمتها تحقيق المشاركة السياسية في إدارة الشأن العام. وشدد على أن تحقيق هذا الهدف يقتضي البدء بتطوير المؤسسات الضامنة لسعة تلك المشاركة، والتي لا يمكن أن تنجح إذا لم تصاحبها خطط لنشر الوعي الديمقراطي، وجهد فاعل في التنمية المستدامة، باعتبارها وجهًا ملازمًا لها في عملية الإصلاح الشامل المستند إلى نظام تعليم متطور، مما يكفل ممارسة الرأي والرأي الآخر ليتحقق التفاعل الاجتماعي القائم على الحوار بدلًا من العنف. وتابع: "عندئذ يصبح ممكنًا ترسيخ السلم والاستقرار على الصعيد الوطني، فتسود القناعة العامة بأن المصلحة المجتمعية مشتركة، مما ينعكس بدوره على ازدهار العملية الديمقراطية؛ لأنها سوف لن تكون مجرد إدلاء الأصوات في صناديق الاقتراع في فترات محددة، مشيرًا إلى أن ديننا الإسلامي الحنيف فيه نهج مواز للديمقراطية، وهو النهج الذي يعتمد مبدأ الشورى والعدل. وأعرب أمير قطر عن اعتقاده بأن الشعوب العربية لن تتوقف عن بلوغ أهدافها المشروعة نحو الإصلاح والمشاركة الشعبية والتنمية وتعزيز وحماية كرامة الإنسان، على الرغم من العقبات التي تواجهها، ومن الأجدى والأسلم تحقيق التغيير تدريجيًا بالإصلاح والحوار، فطريق التغيير السلمي المتدرّج الواضح الهدف هو طريق أقل مجازفةً، وأكثر وثوقًا، لا سيما في الدول ذات المجتمعات المركبة. وشدد على أن من يرفض الإصلاح والتغيير ولا يستوعب حقائق العصر ومتطلبات المجتمعات الحديثة ستغيره ضرورات التاريخ ومسيرة الزمن، فالشعوب لا تقتات بالشعارات ولا تكتفي بالأيديولوجيات معربًا عن الأسف والأسى من أن نرى ثورة الشعب السوري الشقيق قد دخلت عامها الثالث، دون أفق واضح لوقف الصراع الدامي الذي خلف وراءه عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء، وملايين النازحين واللاجئين، فضلا ًعن التدمير المادي الواسع النطاق، نتيجة تمسك النظام السوري بالحل العسكري. وتابع: "لم يعد مقبولًا من الدول الفاعلة في المجتمع الدولي عدم التحرك لوضع حد لهذه المأساة المروعة والكارثة الإنسانية المتفاقمة، ومن المحزن أن يحدث هذا بعد أن فشلت جميع المبادرات الدولية والعربية في دفع النظام السوري للإصغاء لصوت العقل". وبالنسبة للقضية الفلسطينية والصراع في الشرق الأوسط، قال: "كنا نسمع في الماضي بأن الإصلاح ليس أمامه إلا الانتظار حتى تتحقق التسوية السلمية للصراع مع إسرائيل ، ولكن ينبغي أن يدرك الجميع بأن مثل هذا التفكير أصبح فاقدًا للأساس بعد ثورات الربيع العربي التي أملاها النزوع نحو الإصلاح والسعي لتنفيذ النتائج المترتبة عليه وهو ما لا يمكن إدراكه ما لم يتم ذلك بالتزامن مع السعي إلى إيجاد تسوية سلمية للقضية الفلسطينية والصراع في الشرق الأوسط . وأوضح أن ثورات الربيع العربي جعلت إسرائيل اليوم في مواجهة مباشرة مع الشعوب العربية وليس مع حكامها فقط، فهذه الشعوب لن تقبل بعد اليوم بأن تكون المفاوضات أو العملية السياسية غايات في حد ذاتها، وبالتالي لابد من العمل الجاد لتحقيق السلام العادل باعتباره الهدف والغاية الرئيسية لعملية السلام. وشدد على أن منطقتنا لن تعرف الاستقرار والأمن إلا بعد إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية والانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بالاستناد إلى مقررات الشرعية الدولية والعربية وإلى حق الشعب الفلسطيني في ممارسة جميع حقوقه الوطنية الثابتة عبر إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وشدد على أن ممارسات الاستيطان وتهويد القدس الشريف، بالإضافة لكونها خرقًا للقانون الدولي تقوّض أسس حل الدولتين، وإن على إسرائيل ألا تضيع الفرصة المتمثلة بمبادرة السلام العربية.