أكد علماء الجمعية الشرعية أهمية تفعيل فقه الأولويات والموازنات في حياتنا اليومية، لافتين إلى أن الفهم الصحيح للدين يستلزم معرفة تامة لفقه الأولويات، الذي يقوم بالموازنة بين الصالح والأصلح، فإذا فعلت الصالح، وتركت الأصلح فهذا من الشقاء. جاء ذلك خلال الندوة الشهرية التي نظمتها مجلة التبيان لسان حال الجمعية الشرعية مساء أمس تحت عنوان فقه الأولويات ودوره في حل مشكلاتنا المعاصرة بمسجد الاستقامة بالجيزة، وأشاروا إلى أن من الجهل -كما قال الإمام الغزالي- أن أفضل أبواب العلم ما يتعلق بترتيب الخيرات، وأن من جملة الشرور ترك ترتيب الخيرات. وأوضح العلماء أن المصلحين في الأمة هم من يقومون بترتيب الخيرات للأمة في الوقت والمكان المناسب، وبالدرجة والحجم المناسب، فمن اهتم بالشكل دون المضمون ارتكب خطأ كبيرًا. وشدد العلماء على ضرورة التوازن بين حجم المصلحة، وحجم المفسدة قبل البحث عن الحرام والحلال. وأكد الدكتور محمد المختار المهدي الرئيس العام للجمعية الشرعية للعاملين علي الكتاب والسنة، أن الواقع الذي نعيشه اليوم تتم فيه الموازنة بين الحلال والحرام، على عكس فقه الأولويات الذي يقوم بالموازنة بين الصالح والأصلح. وأضاف "نضرب مثالًا على ذلك، فما ينفقه المسلم في حفل الزفاف فهو حلال، لكن المغالاة حرام، كذلك الإنفاق على الطعام فهو حلال، ولكن الإسراف فيه حرام، فقد يكون هناك فقراء ومرضي لا يجدون ما يسد حاجتهم، فالإنفاق عليهم أولى من الإنفاق علي الكماليات، أو المبالغة في حفلات الزفاف". ومضى الدكتور محمد المختار يقول "كذلك العناية بالجسد مطلوب شرعًا، والرسول صلي الله عليه وسلم، كان قدوة في ذلك فكان يشجع الشباب علي رياضة الرماية فهي مفيدة للجسد إلى جانب دورها في حماية الأمة، لكن عندما نطبق ذلك نتناسي أن هناك روحًا تحتاج إلي لياقة فينصب الاهتمام علي اللياقة البدنية علي حساب رياضة الروح والدين وهذا غير مقبول شرعًا. واستطرد الدكتور محمد المختار قائلًا: "كذلك يتنافس الناس علي القيام بالعمرة سنويًا أو بناء المساجد دون التوازن بين الأولويات بين الحاجة إلي بناء المسجد وحاجة العديد من المرضي والفقراء، التي قد تكون أولى من القيام بالعمرة أو بناء مسجد فى أماكن تكثر به دور العبادة". وأشار الدكتور محمد المختار إلي أن فقه الموازنات والأولويات ضائعة في حياتنا فإذا راعيناها سيكون بها فائدة كبيرة لمجتمعاتنا وأمتنا الإسلامية، مضيفًا أن الأولوية في زمن الفتن تكون بكثرة العمل والإخلاص فيه، كما أن الخروج إلي الدعوة إلي الله والوقوف علي حاجة الناس مقدم على الاعتكاف في المساجد. من جانبه أوضح الدكتور محمود عبدالرحمن أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر أن الفقه الغائب في أمتنا هو فقه سنن الله في الآفاق، وفقه الموازنات وفقه الأولويات، وكذلك ما يتعلق بالأمة والمجتمع، فالنبي صلي الله عليه وسلم بأحاديثه وسيرته وأفعاله، وكذلك السلف الصالح بفتاويهم كانوا يراعون فقه الأولويات وفقه الموازنات. وأشار الدكتور محمود إلى أن مسألة الأولويات هي مسألة نسبية في الأحكام، فما يكون خيرًا لي قد لا يكون فيه الخير لآخر، وما هو مقبول في مكان معين قد لا يكون مقبولًا في مكان آخر، ففي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يقع المرء فى مكروه إذ لم يختر الوقت والشخص والمكان المناسب. وأكد الدكتور محمود مراعاة أمر الاولويات في حياتنا وفي أنفسنا، قائلًا "مساعدة أصحاب الحاجة في بلادنا مقدمة على الاعتكاف بالمسجد، ومساعدة المرضى والفقراء مقدمة علي بناء المساجد، والاكثار من أداء العمرة كل عام"، كما شدد على ضرورة ترتيب الحقوق حسب الأولويات وهي حق الله، وحق الأسرة، وحق العمل، كما يجب تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، والمصلحة القطعية على المصلحة الظنية.