يواجه التوافق السياسي التي تم بين الرئاسة وشيوخ القضاء حول مشروع قانون السلطة القضائية بثلاث عقبات يمكن أن تهدد هذا الوفاق.. إلا أن تلك العقبات بدأت تهدد تماسك وحدة التيار الإسلامي بعد التباين في مواقف أحزابه من مشروع القانون. المثير للجدل من ناحية، وتأكيد استقلالية السلطة القضائية وعدم المس بها من ناحية أخرى. ما تلي ذلك من تأجيل المظاهرة التي دعت إليها 16 حركة وحزبًا سياسيًا لدعم القضاء واستقلاليته اليوم أمام دار القضاء العالي. إلا أن هذا التوافق الجديد يصطدم بثلاث عقبات رئيسة: أولها، استقلالية سلطة التشريع في مناقشة مشاريع القوانين دون ضغوط خارجية. وثانيها، إصرار الأحزاب التي قدمت مشروع القانون بمجلس الشورى الوسط والحرية والعدالة والبناء والتنمية على المضي قدمًا بمناقشاتها حتى الصياغة النهائية للقانون وعرضه على الرئاسة. وثالثها، الفجوة التي أحدثها مشروع القانون داخل التيار الإسلامي المساند للرئيس بعد تباين مواقف حزب النور مع هذه الأحزاب الثلاثة والمشادة الكلامية التي حدثت بين الطرفين يوم الأربعاء الماضي داخل مجلس الشورى. وبشأن العقبة الأولى، فإنه في الوقت الذي أكد المستشار ماهر البحيري رئيس المحكمة الدستورية العليا مضامين هذا التوافق بقوله: أن اللقاء الذي جمع الرئيس مع رؤساء الهيئات القضائية أمس كان لقاء إيجابيا ونأمل أن تكون نتائجه إيجابية أيضا، حيث تم التوافق على عقد بدء الإعداد لمؤتمر للعدالة المنوط به مناقشة مشروعات القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية على أن ينتهي المؤتمر بعد الإعداد له بإعداد قانون يحظى بتوافق القضاة على أن يتقدم الرئيس شخصيا بهذا القانون للمجلس التشريعي. إلا أنه في ذات الوقت أكد على استقلالية مجلس الشورى في مناقشة القوانين، وعدم قدرة الرئيس التدخل في أعماله التشريعية، كما لا يحق للقضاة أنفسهم هذا التدخل أيضًا، فالطرفان ليس لهما سلطة سحب مشروع قانون السلطة القضائية. ومن جانب مجلس الشورى نفسه. وقد صدرت تأكيدات من جانب القوى الثلاث عن نيتها عدم سحب مشروع القانون، فقد أكد الدكتور أمير بسام، عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة أن نواب الحزب بالمجلس ماضون في إقرار قانون السلطة القضائية، ولن يتراجع عن موقفه تجاه هذا القانون، مشددا على ضرورة ممارسة مجلس الشورى لحقه القانوني الذي كفله له الشعب في التشريع دون توغل لسلطة على أخرى. كما دعا الدكتور مراد علي المستشار الإعلامي للحزب، القضاة أن يطهروا أنفسهم من الداخل بسبب ما أسماه عبر حسبه الشخصي على فيسبوك بالقلة التي تحوم حولهم الشبهات وإصدار أحكام مسيسة لصالح الثورة المضادة. وأضاف: نتطلع إلي مشروع قانون السلطة القضائية الذي سيعده القضاة في مؤتمر العدالة وليعلموا أن الشعب المصري كله يعاني من خلل منظومة القضاء فهذه فرصتهم ليشاركوا الشعب طموحاته؛ وليحققوا له أحد الأهداف الرئيسية لثورة 25 يناير. إصرار دعمه حزب الوسط نفسه مُقدم المشروع، حيث أصدر الحزب بيان صباح اليوم نفي فيه نيته سحب مشروع القانون المثير للجدل، وأكد أنه مستمر في اقتراح وتقديم مشاريع القوانين التي تحقق مطالب الثورة، ورحب في نفس السياق بعزم الهيئات القضائية على إعداد مشاريع قوانين تنظم عملها وتقديمها لرئيس الجمهورية تمهيدًا لاقتراحها على مجلس الشورى. كما عبر عن تلك النية أيضًا نائب رئيس الحزب عصام سلطانقائلا: إن مطالبة البعض للرئيس بسحب مشروع السلطة القضائية فيه عدوان على استقلالية المجلس وحقه في التشريع. وأضاف سلطان بحسابه الشخصي على موقع فيسبوك: يبدو أن البعض لا أمل فيه، وأنه لن يتغير، وأن الطبع غلاب، وأنه حتى لو قامت عشر ثورات، أو عشر حروب، فإن نظرته الكامنة في نفسه للرئيس الإله، وتعامله معه، وخوفه ورجائه منه، سيظل أبد الآبدين، هو هو لن يتغير أبداً. واختتم قائلا: يا سيدي المحترم حزب الوسط لن يسحب مشروعه، ولن يسمح لك ولا لرئيس الجمهورية بالتعدي على السلطة التشريعية، ولا بتوجيه الحزب، فهذا عيب.. إذا كنت تربيت على العبودية، فنحن لسنا كذلك، نحن أحرار. أما حزب البناء والتنمية، فقد أكد تلك النية بطريق غير مباشر، من خلال التعديلات التي تقدم بها الدكتور صفوت عبد الغني رئيس الهيئة البرلمانية للحزب، سعيًا للتوصل لتسوية وسط مع القضاة، وتضمنت خفض سن التقاعد إلى 65 عامًا بدلا من 60 عامًا، كما ينص مشروع التعديلات المقدمة من حزب الوسط؛ والمساواة في الأجور بين أعضاء جميع الهيئات القضائية، سواء المحكمة الدستورية العليا أو محكمة النقض ومحكمة الاستئناف ومجلس القضاء الأعلى ومجلس الدولة، وإنهاء كل أشكال التمييز بين أعضاء الهيئات القضائية. كما طالبت التعديلات بضرورة نقل تبعية التفتيش القضائي لمجلس القضاء الأعلى، بالإضافة لضرورة قيام مجلس القضاء الأعلى بتقديم ثلاثة مرشحين لرئيس الجمهورية لاختيار النائب العام من بينهم وليس مرشحًا واحد كما هو جار حاليًا. إلا أن أمين عام الحزب علاء أبو النصر، ألمح لإمكانية الانتهاء من المشروع وانتظار انتخابات مجلس النواب لتقديمه إليه ضمن سياق تطوير المنظومة القضائية بشكل عام بوصفها مسألة تحظي بإجماع القوى الوطنية. ما يعني إمكانية المساهمة في التهدئة الحادثة الآن. أما العقبة الثالثة، فتكمن داخل التيار الإسلامي نفسها بسبب التباين بين قواه الرئيسة حول مشروع القانون، فالقضية هنا لم تعد خلاف سياسي بين تلك القوى وإنما داخلها أيضًا بعد استقالة عاصم عبدالماجد من مجلس شورى الجماعة الإسلامية بسبب إصرار حزب البناء والتنمية على القانون.