ثورة عارمة اجتاحت الوسط الثقافى المصرى بعد انتشار تكهنات وشائعات بصدور قرار قريب من هيئة المصنفات الفنية بمصادرة ومنع تداول كتاب "بدائع الزهور فى وقائع الدهور" للمؤرخ المصرى محمد ابن إياس الحنفى القاهرى، تحت زعم أنه يحض على الفتنة الطائفية، أو منع الكتب التى لا تحمل رقم إيداع من دار الكتب المصرية. وساعد على انتشار تلك التكهنات قيام شرطة المصنفات الفنية بالتشديد على المكتبات الإسلامية المنتشرة بمنطقة الأزهر بعدم عرض كتاب "بدائع الزهور فى وقائع الدهور لابن إياس"، وتهديدهم بأن من "يعرض الكتاب سيتعرض للمساءلة القانونية". وصف الروائي جمال الغيطاني تلك الخطوة من هيئة المصنفات الفنية ب"قلة الأدب والصفاقة"، وقال لبوابة الأهرام: "هذه كارثة ثقافية بكل معنى الكلمة، يجب أن يهب لها الوسط الثقافي بأكمله، فمصادرة هذا الكتاب العظيم ناتجة عن جهل بمحتواه، وإذا كانت هيئة المصنفات هي المسئولة عن ذلك فلابد من حلها". فيما نفى بشدة الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ بجامعة حلوان، أن يكون الكتاب محرضًا على الفتنة الطائفية، قائلا: "ابن إياس عندما كان يترجم في كتابه عن شخصيات عصره، ويصف أحدها بسوء الحظ كان يورد هذا البيت الشعري ( قليل الحظ ليس له دواء/ ولو كان المسيح له طبيبًا) مما يعني أن ذلك الرجل كان يؤمن بكرامات المسيح ومعجزاته، وبالتالي كتابه لا يحمل أي تعصب أو أي تحريض على الفتنة". يذهب الدسوقي إلى أن مصادرة مثل ذلك الكتاب يأتي كنوع من ترضية الدولة التركية، لأن: "الكتاب يهاجم بشدة العثمانيين، فابن إياس قد عاصر الاحتلال العثماني لمصر، وكتب عن فظائع الجنود الأتراك في التعامل مع المقاومة، حتى الذين احتموا بمآذن المساجد، لم يسلموا منهم، بل صعدوا إليهم وذبحوهم. كما سرقوا السجاجيد والبيارق من مشاهد السيدة زينب والسيدة نفيسة". أضاف: "أظن أن هناك موجة تتولاها تركيا لإعادة كتابة تاريخ الدولة العثمانية بمظهر حسن، ولكن هذا افتراء على التاريخ". وهو الأمر ذاته الذي رجحه الغيطاني، قائلا: "أنا لا أستبعد هذا الكلام خاصة وأن تركيا، تحاول الرجوع للمنطقة مرة أخرى". مضيفا "طبعت الكتاب في سلسلة الذخائر التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، كما طبعت فهارسه النادرة، ومن المستحيل أن يحوي هذا الكتاب تحريضًا على الفتنة الطائفية، لكن ما يحويه حقًا، هو تسجيل لوقائع الغزو الهمجي الذي قام به (السفاح) سليم الأول، ويصوّر أولى مشاعر الوطنية الخالصة، فلما دخل سليم مصر ونهب حضارتها ونقلها إلى إسطنبول، وكتب ابن إياس قصيدة طويلة عنوانها (نوّحوا على مصر)." وعن فرضية ما إذا كانت النسخ التي تصادر لا تحمل رقم إيداع بدار الكتب المصرية، يقول الروائي يوسف القعيد: "حتى لو أن الكتاب لا يحمل رقمًا للإيداع، في حالة أن ناشره ناشرًا صغيرًا مثلا، فلا يمكن مصادرته أيضًا، لأن تاريخ ابن إياس كتاب قديم مهمتنا أن نحافظ عليه، كذلك لا يمكن أن يكون هذا الكتاب محرضًا على الفتنة." وأضاف "إن ما تقوم به هيئة المصنفات الفنية تهريج. وبجهلهم ذلك، يصنعون لمصر مشاكل من الهواء". فيما يري أستاذ الأدب والنقد بجامعة عين شمس الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي، أن مصادرة الكتاب إذا جاءت بدعوى خلوه من رقم الإيداع: "فهذا حق لأن ذلك جريمة، لكنه من المستحيل أن يحرض الكتاب على الفتنة الطائفية. وفي ظني أن مصادرة ذلك الكتاب "ضيق أفق" من مصادريه". يشار إلى كتاب بدائع الزهور كتاب تاريخي في ستة مجلدات، كتبه المؤرخ المصري محمد ابن إياس الحنفي القاهري، ويتناول الكتاب تاريخ مصر حتى عام 1522 إبان الحكم العثماني للبلاد، ويصف حال البلاد العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويعد مرجعًا هامًا للفترة من الحكم الفاطمي في مصر حتى الحكم العثماني، ويمكن إيجاد مجلداته عند باعة التراث بسور الأزبكية، كما صدر ضمن سلسلة الذخائر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وصدر مختصره ضمن مطبوعات الهيئة العامة للكتاب، وتباع مجلدات الكتاب في طبعة فاخرة بالعديد من المكتبات.