أسقف السويس يهنئ قيادات المحافظة بعيد الأضحى المبارك    تراجع أسعار الذهب في مصر وسط تباطؤ الطلب بالأسواق    وفاة 15 شخصا على الأقل في حادث تصادم قطارين بشمال غرب الهند    حقق حلمه.. إشبيلية يعلن رحيل سيرجيو راموس رسميًا    الخميس.. انطلاق رحلات الجسر الجوي لعودة حجاج بيت الله الحرام لأرض الوطن    تفاصيل جديدة حول الطيار المصري المتوفى خلال رحلة من القاهرة إلى الطائف    في اول تعليق له على شائعة وفاته .. الفنان حمدي حافظ : أنا بخير    تعرف على معلق ومحللي مباراة الزمالك والمصري في الدوري    انتظام العمل بموانئ البحر الأحمر وتداول 3 آلاف طن و357 شاحنة    وزيرة التضامن تتابع موقف تسليم وحدات سكنية    تفاصيل إنقاذ طفل اُحتجز بمصعد في عقار بالقاهرة    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    في ذكري وفاته.. الشيخ الشعراوي إمام الدعاة ومجدد الفكر الإسلامي    حماس: إقدام الاحتلال على إحراق مبنى المغادرة بمعبر رفح عمل إجرامى فى إطار حرب الإبادة    سميرة عبد العزيز تكشف مفاجأة عن سبب تسميتها «فاطمة رشدي الجديدة»    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    ارتفاع حالات البكتيريا آكلة اللحم في اليابان    حصول مركز تنمية قدرات جامعة أسيوط على رخصة تدريب معتمد من الأعلى للجامعات    إصابة 16 عسكريًا إسرائيليًا خلال ال24 ساعة الماضية    تركي آل الشيخ ينعى الموزع الموسيقي عمرو عبدالعزيز    هيئة نظافة القاهرة ترفع 12 ألف طن مخلفات في أول أيام عيد الأضحى    بالترددات وطرق الاستقبال .. 3 قنوات مفتوحة تنقل مباراة فرنسا والنمسا في يورو 2024    رئيس وزراء الهند يهنئ السيسي بعيد الأضحى    إيقاف عمرو السيسي لاعب فيوتشر مباراتين وتغريمه 20 ألف جنيه    عاجل.. تطورات مفاوضات الأهلي لحسم بديل علي معلول    بعد إعلان رغبته في الرحيل.. نابولي يحسم مصير كفاراتسخيليا    فتح جميع الحدائق والمنتزهات أمام المواطنين في ثانى أيام عيد الأضحى بالقليوبية    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الفيزياء الحيوية الطبية بعلوم القاهرة    محمود الليثي ينهار من البكاء في أول تعليق له بعد وفاة والدته    الكرملين: تصريحات الناتو بشأن نشر أسلحة نووية تصعيد خطير    حمامات السباحة مقصد الأطفال هرباً من درجات الحرارة في كفر الشيخ    بالصور.. شواطئ بورسعيد كاملة العدد ثاني أيام العيد    مدير صحة شمال سيناء يتابع الخدمات الطبية المجانية المقدمة للمواطنين    الإسكان: تنفيذ 1384 مشروعاً بمبادرة «حياة كريمة» في 3 محافظات بالصعيد    إسرائيل تقرر زيادة عدد المستوطنات بالضفة الغربية بعد اعتراف بلدان بدولة فلسطين    26 عامًا على رحيل إمام الدعاة.. محطات فى حياة الشيخ الشعراوي    التحقيق مع حلاق لاتهامه بالتحرش بطفلة داخل عقار في الوراق    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    أسعار الفاكهة اليوم الاثنين 17-6-2024 في قنا    الصين تتهم الفلبين بتعمد انتهاك مياهها الإقليمية    كيفية تنظيف الممبار في المنزل بسرعة وبطريقة فعالة؟    ب 400 جنيه إسترليني.. علماء يطورون سماعة رأس لعلاج أعراض متلازمة «صدمة الحب»    30 مليون مستفيد من خدمات التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    روسيا: لن نسمح بإعادة آلية فرض قيود على كوريا الشمالية في مجلس الأمن    وزيرة الهجرة تطلق «بودكاست» لتعريف المصريين بالخارج تاريخ حضارتهم    شاهد| أول أيام التشريق.. صحن الطواف يمتلئ بحجاج بيت الله الحرام    "الميكروباص اتعجن".. 9 مصابين في حادث مروع بأسيوط- صور    أسعار العملات العربية في بداية تعاملات ثاني أيام عيد الأضحى    «لست محايدًا».. حسام فياض يكشف صعوبات مسرحية النقطة العميا    وفاة خامس حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    محافظ أسوان يتفقد المطعم السياحي متعدد الأغراض بعد التطوير    جندي إسرائيلي يتخلص من حياته بعد عودته من الحرب في غزة    «المالية»: تخفيف الأعباء الضريبية عن محدودي ومتوسطي الدخل    الخشت يتلقى تقريرًا حول أقسام الطوارئ بمستشفيات قصر العيني خلال العيد    مانشستر سيتي يحدد سعر بيع كانسيلو إلى برشلونة في الميركاتو الصيفي    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باسم يوسف.. ظاهرة عابرة خطفت الأضواء.. أم إضافة جديدة للحياة الثقافية المصرية؟
نشر في بوابة الأهرام يوم 13 - 04 - 2013

بينما تحول مقدم البرامج التليفزيونية الساخرة باسم يوسف إلى ظاهرة مثيرة للجدل، وحتى للدعاوى القضائية، فإن ثمة تساؤلات حول هذه الظاهرة، ومدى أصالتها وإمكان استمراريتها ورسوخها في الحياة الثقافية المصرية.
تساؤلات من قبيل هل هي ظاهرة عابرة في زمن عابر، وقلق من أزمنة العولمة ومجرد محاكاة لبرامج أمريكية ساخرة، بخاصة البرنامج الذي يقدمه "جون ستيوارت" أم أن الظاهرة تعبر عن أصالة احتجاجية يمكن أن تشكل إضافة للحياة الثقافية المصرية؟! وهل ينتمي أداء باسم يوسف لما يعرف تاريخيا في أوروبا "بالكباريه السياسي" أم أنه ينتمى للمسرح أو التليفزيون والإنترنت؟!.
وتأتي "ظاهرة باسم يوسف" في سياق عالمي مأزوم، ويبحث بسبل جديدة عن إجابات جديدة لأسئلة الديمقراطية، فيما تظهر حركات جديدة تجسد هذا القلق المعولم، مثل حركة "احتلوا وول ستريت" في قلب الرأسمالية الأمريكية التي تقود العولمة.
وبإيقاع سريع، لكنه يخاصم الخفة والاستسهال والتسطيح تواكب الثقافة الغربية هذه المتغيرات، وتظهر كتب تسعى وتجتهد للإجابة عن بعض التساؤلات المؤرقة، مثل الكتاب الجديد ل"دافيد جريبر" عن الاحتجاج الذي يعكس ثقافته الغزيرة كعالم أنثربولوجي، وحركيته كناشط سياسي مناهض للعولمة بوجهها الرأسمالي الفظ.
وفيما ينتمي الأنثربولوجي دافيد جريبر لتيار جديد في الغرب، يرى أن الكثير من الثوابت بحاجة لتغيير جذري، ويذهب مثلا إلى حد القول: إن الديمقراطية القائمة على صناديق الانتخابات غير صادقة، وتخنق أوجه التعبير في الحياة اليومية للجماهير، فإن الطبيب المصري باسم يوسف الذي ولد عام 1974 يعبر عن آرائه بلغة الجسد أفضل بكثير من التعبير بالكلمة سواء كتبها أو قالها.
وعرف باسم يوسف طريقه مبكرًا لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي واستخدم موقع يوتيوب لطرح آرائه الساخرة قبل أن يتجه لشاشة التليفزيون ويصفه البعض بأنه "الوجه الساخر للربيع العربي"، لكنه في الواقع ابن عصر القلق الجديد في الشرق، كما في الغرب حيث مفهوم الديمقراطية المتعارف عليه تاريخيًا هناك بات مرفوضًا أو موضع شك عميق من الأجيال الشابة، وهو مايتجلى بوضوح في الكتاب الجديد لدافيد جريبر.
وشأنها شأن غيرها من الظواهر، فإن "ظاهرة باسم يوسف" أثارت انقسامات بين مؤيد ومعارض، أو بين محبذ ومندد فيما تقتضي دواعي الإنصاف والموضوعية القول إنه لولا مساحة رحبة من الحرية اتيحت بدماء شهداء ثورة 25 يناير، لما ولدت هذه الظاهرة ولكانت قد وئدت توا.
وإذا كانت "ظاهرة باسم يوسف" تكشف عن سطوة ثقافة الفرجة التليفزيونية، فإنها بحاجة لنقاد يحددون على وجه الدقة موقعها وموضعها مما عرف في سياقات ثقافية - تاريخية أوروبية بظاهرة "الكباريه السياسي" وهي بالحقيقة الموضوعية سياقات مغايرة ومختلفة عن السياق المصري الراهن، ففي خضم الاحتقانات الاجتماعية السياسية-الاقتصادية التي ضربت ألمانيا في بداية ثلاثينيات القرن العشرين ازدهر ماعرف "بكباريه القنافذ" وبات أحد أهم "الكباريهات السياسية" التي عرفتها أوروبا، وازدهرت "الكباريهات السياسية" في أوروبا الوسطى على وجه الخصوص منذ بواكير القرن العشرين، وعلى مدى عدة عقود وتحولت إلى علامات في التاريخ الثقافي لمدن مثل فيينا وبرلين.
وكان هذا النوع من النشاط الثقافي واضحًا بصفة خاصة في إمبراطورية النمسا والمجر، حيث درج العديد من الساسة حينئذ على قطع العهود بأن يشفوا الشعب من كل علله وأمراضه إذا ما تولوا الحكم، فيما تبين أن مثل هذه العهود ساذجة إلى حد كبير. وتكشف القراءة الثقافية-التاريخية لأيام "الكباريهات السياسية" في أوروبا الوسطى، وفي مدن مثل فيينا وبرلين عن أن تلك الظاهرة مرجعها زيادة الاهتمام بالسياسة والتشوق لممارسة الأنشطة السياسية؛ نتيجة لانتشار التعليم العام كما أن العمال حينئذ تعلموا الكثير عن طريق تطور احتكاكهم بالتقدم المعقد في الصناعة.
وهذا السياق من "التشوق السياسي" اقترن ثقافيًا بالتقاليد القديمة لفن المضحكين والمهرجين الشعبيين الذين يعرضون فنهم في شوارع المدن الكبرى وفي المسارح الصغيرة في الريف والضواحي.
كما تركزت هذه "الأشواق الشعبية السياسية" حول الأغاني الشعبية فيما عرف "بحدائق النبيذ" حيث يجلس الناس للموائد الصغيرة يشربون ويدخنون ويشاركون المغنين الشعبيين أغانيهم ويصفقون لخفة روح المغني وتجديده لنكاته يومًا بعد يوم.
وبلغت "الكباريهات السياسية" ذروة عالية في عهد الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني عندما خفت الرقابة، وفي تلك الأيام لم يكن على المغني الشعبي أو الممثل الكوميدي إلا أن يضع "مونوكولا" على عينه ويتحرك على المسرح بخطوات عسكرية حتى يجعل المتفرجين يضجون بالضحك حتى قبل أن ينطق بكلمة واحدة!.
وعندما هزمت ألمانيا في الحرب العالمية الأولى زادت السخرية وتصاعدت ظاهرة "الكباريهات السياسية" حتى اصبحت "كباريهات برلين السياسية" ذات شهرة عالمية وكان الزوار الأجانب يحرصون على مشاهدة عروضها الساخرة، فيما بدأ نجم الكاتب والشاعر والمخرج المسرحي الألماني برتولت بريخت يسطع في هاتيك الأيام.
ومع مجيء النازيين إلى السلطة بدأت أزمة الكباريهات السياسية في برلين حتى كادت أن تموت فيما استقبل المغني المشهور كورت فايل الحكم النازي بأغنية تهكمية أثارت ضجة بالغة.
وبرغم أن هذه الأغنية كانت عن "يوليوس قيصر" فإن النازيين لم يكونوا على قدر من الغباء بحيث لايفهمون مغزى الأغنية، ومن هنا فقد أمروا بوقفها على الفور، فيما راح نجوم الكباريهات السياسية يبحثون عن سبل ووسائل أخرى للتعبير عن سخطهم على النظام النازي، لتظهر النكت "ذات الطابع المزدوج" التي طورها بريخت حتى بلغت ذروة عالية في فن السخرية.
فقد كتب بريخت عددًا كبيرًا من "النكت المزدوجة" أو التي تفهم على وجهين أحدهما بسيط والآخر خفي ودقيق، كما اشتهر في هذا المجال الفنان الألماني فيرنر فينك الذي كان برنامجه لايزيد عن مونولوجات يلقيها بأسلوب بارد ومهذب في الظاهر ولكنه في الباطن أشبه بالسهم الخارق الحارق، ومن ثم فقد كان مصير كباريه فينك السياسي الإغلاق للأبد!.
وحتى ستينيات القرن العشرين استمرت ظاهرة الكباريه السياسي في ألمانيا بتنويعات يتجلى فيها الخوف من إحياء النازية وعودة الحكم النازي جنبا إلى جنب مع السخرية من أي ممارسات تدخل في باب الفساد متعدد المصاريع.
فالكباريهات السياسية كظاهرة ثقافية وليدة الحاجة للضحك والرغبة في السخرية من السلطة أو التهكم عليها، وكلما زادت ضغوط السلطة وممثليها في الأجهزة البيروقراطية، ازدادت حدة التهكم بصور خفية وأشكال غير مباشرة، وعبر المعاني المزدوجة وأساليب التورية.
وكأن الكباريه السياسي بذلك كله يتحول إلى متنفس للتوترات والاحتقانات بقدر مايسعى للتعبير عن رد فعل رجل الشارع أو المواطن العادي حيال من يملكون السلطة .
ولكن "ظاهرة باسم يوسف" وإن حملت بعض سمات "ظاهرة الكباريه السياسي المعولم"، فإنها تأتي في سياق ثقافي-تاريخي مصري يختلف كثيرًا عن السياق الثقافي-التاريخي الذي أفرز ماعرف بثقافة الكباريه السياسي ولعلها بما تثيره الآن من جدل مصري - عربي تختلف أيضا عن المسرح الكوميدي - السياسي وإن جمعتهما لافتة معالجة الشأن السياسي بأساليب انتقادية.
فباسم يوسف ظاهرة إنترنتية-تليفزيونية، ولم تولد على خشبة المسرح، والأداء المتلفز بمقارباته ومعالجاته الانتقادية يختلف بلا ريب عن أداء نجم كوميدي مثل عادل إمام أو نجوم سطعت في سماء المسرح الكوميدي، مثل فؤاد المهندس وسمير غانم وعبد المنعم مدبولي ونجيب الريحاني، كما أن برنامجه التليفزيوني يختلف عن المسرح الانتقادي السياسي للمصري فايز حلاوة والسوري محمد الماغوط والرحابنة في لبنان.
ومع ذلك فإن الكاتب والسياسي الفلسطيني نبيل عمرو اعتبر أن مايقدمه باسم يوسف أقرب لمسرحية مختصرة ومتقنة تعالج اليومي، وتتحرك معه، دون انفصام عن تفاعلاته وتفاصيله، مشيرًا إلى أن الظاهرة استفادت بشدة من إمكانات التليفزيون التي ولجت بها للبيوت؛ لأن المعالجات المسرحية مهما بدت شجاعة وعميقة تظل مقصورة عن مواكبة الأحداث والتطورات اليومية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.