وصلت حالة العداء السياسي بالمشهد المصرى لمستوى غير مسبوق من رفض الآخر ومحاولة نفيه واستبعاده من المشهد تمامًا، وقد كان ما حدث بالمقطم كاشفًا لتلك الحالة التي تعكس ما بلغه الاحتقان داخل الشارع من تداعيات، فالكل تحركه دوافع الموقف الحالي، من دون رؤية لما يريده تحديدًا على المستوى العام. كانت إطلالة الرئيس محمد مرسي على المشهد السياسي بعد أحداث المقطم خير شاهد على ما نتحدث عنه، فقد وجهت اتهامات مباشرة له بعد أحداث بور سعيد قبل شهرين، بالغياب عن الحدث، وعدم الخروج لمخاطبة للناس، وترك الأمور تتفاقم للحد الذي قال معه القيادي بحزب الدستور جورج إسحاق إن الرئيس يتعامل مع الشأن العام كأن ما يجري يحدث في بلد آخر غير البلد الذي يحكمه. وما قاله إسحاق عبر عنه آخرون بلغة أكثر حدة بلغت اتهام الرئيس باللامسئولية، وافتقاد قدرة السيطرة على الأمور، بل العجز السياسي، وطالبوا برحيله. وحينما تدارك مستشارو الرئيس السياسيون هذا الموقف -على حد قول أحدهم- طالبوه بسرعة الخروج لمخاطبة الرأي العام مباشرة، بلغة أكثر حزمًا لإظهار هيبة الدولة، فكانت كلمته أمام مؤتمر مبادرة المرأة، التي أكد فيها أنه لن يسمح بإراقة المزيد من دماء أبناء الوطن وأنه حال أثبتت التحقيقات إدانة بعض الساسة فسيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة ضدهم مهما كان مستواهم، وقد لقيت كلمة الرئيس رد فعل غاضب من قوى المعارضة، وتحديدًا جبهة الإنقاذ الوطنى. فمضمون الإطلالة الأخيرة، لم يرتق لمستوى التحديات، حسب توصيف القيادي بالجماعة الإسلامية صفوت عبد الغني، الذي قال: على الرئيس أن ينتقل من القول للفعل الجاد لعودة الاستقرار من خلال إنفاذ القانون، وأكد عليها خالد الشريف المتحدث الإعلامي باسم حزب البناء والتنمية: "ننتظر من الرئيس الأفعال.. فقد سئمنا الكلام وننتظر عقوبات رادعة للخارجين على القانون والعابثين بالأمن، مؤكدًا أن الشعب يريد قرارات حازمة تضبط الوضع الراهن وتقضى على الانفلات الأمني وتُعيد لمصر أمنها واستقرارها وتنهى حالة الفوضى، التي تتصدر المشهد السياسي والإعلامي، إلا أنه نفى مشاركة الحزب في تظاهرة مدينة الإنتاج الإعلامي، ووصف وجود القيادي بالجماعة عاصم عبد الماجد، بالمشاركة الفردية التي يتحمل هو مسئوليتها. فيما كان رد فعل المعارضة على الخطاب كان مختلفًا، فتأخر الرئيس في إطلالته الأخيرة دفع مجدي حمدان القيادي بحزب الجبهة الديمقراطية، للقول إن عدم خروج الدكتور محمد مرسى بأية تصريحات في ظل حالة العنف وقيام قيادات جماعة الإخوان بالمهمة عوضًا عنه، مؤشر حقيقى لمن يدير الأمور داخل مصر، مكتب الإرشاد وجماعة الإخوان المسلمين. بل اعتبر أن هذا الغياب لا يعفيه من المسئولية أمام الشعب، لكونه يتغاضى عن تصرفات أنصاره وعشيرته فيما يدين تصرفات بقية قوى المعارضة. حينماأطل على المشهد، ووصفها محمد سامي، رئيس حزب الكرامة، بالتحريض على العنف، حيث قال إن تصريحات الدكتور مرسى رئيس الجمهورية، التي تحمل توعده وتهديده للإعلاميين والرموز الوطنية، ما هي إلا تحريض على العنف الذي مارسه من قبل أمام قصر الاتحادية بين جماعته وعشيرته، وأنه يوما بعد يوم يثبت لنا أنه أصبح لا شرعية له. بل وجه الحزب في بيان له أمس عدة أسئلة للرئيس: إذا كان الدم المصري عزيز وغالى عليك يا دكتور مرسي، فماذا فعلت تجاه من استشهدوا قتل وتعذيب على يد أبناء عشيرتك هل سمعت عن طريقة موت الحسيني أبو ضيف؟، وكيف قتل وعلى يد من؟، هل تنام مرتاح الضمير ودم محمد الجندي في رقبتك؟.. هل تعرف من هم أصحاب الخطوات الإجرامية الذين اغتالوا جنودنا على الحدود؟. فيما وصفه الدكتور إبراهيم درويش، رئيس حزب الكتلة الوطنية، بكونه رسالة مقلقة للمجتمع الدولي عن غياب مناخ الاستقرار بمصر، بل اعتبر أن سياسات الرئيس وفرت الإطار اللازم للعنف بعدما نكص عن وعوده، التي تعهد بها منذ وصوله للحكم، موضحًا الفرق بين سلمية التظاهر أمام مقر مكتب الإرشاد، والشعارات المسيئة، التي ترفع أمام مدينة الإنتاج الإعلامي. كانت جبهة الإنقاذ قد أصدرت بيانًا أمس أيضًا حذرت فيه من الهجوم الشرس الذي يشنه كبار المسئولين بمؤسسة الرئاسة والحكومة وجماعة الإخوان على وسائل الإعلام، والتلميح بقرب اتخاذ إجراءات ضد بعض الصحف ومحطات التلفزيون بزعم الدور الذي تلعبه في "التحريض على العنف"، إن هذا السلوك يتجاهل الأسباب الحقيقية للعنف، وعلى رأسها إصرار الرئيس محمد مرسي وجماعة اٌلإخوان المسلمين على الانفراد بالحكم، والسيطرة على مفاصل الدولة، والتخلي عن الشراكة الوطنية، التي وعد بأن يتبناها كأسلوب للحكم في برنامجه الانتخابي. فيما وصفت المستشارة تهانى الجبالى، لغة التهديد والوعيد التي حملها خطاب الرئيس، بكونها لغة العجز والضعف وتراجع للشرعية، بعد انسداد شرايين الوطن السياسية، الاجتماعية، والاقتصادية، قائلة إنه لا بديل عن انتخابات رئاسة مبكرة. أما حركة كفاية فقد قال متحدثها الإعلامي عبد الرحمن الجوهري أن الحركة نظرت للخطاب بوصفه، دعوة للتحريض على العنف المستمر ضد جميع القوى الوطنية والسياسية، وتأكيدا لمنهج الجماعة الانفراد بمستقبل هذا الوطن وإقصاء جميع القوى الوطنية من المشهد السياسي بكل الطرق ومنها التهديد الفج بالحبس، ووصف بيان الحركة مضامين الخطاب بكونها رسخت لنهج الاستبداد الديني كمنهج وحيد للنظام الإخواني الحاكم بإدارة شئون البلاد، والتي قد تصل بالبلاد لمرحلة الحرب الأهلية بفعل تلك الدعاوى التحريضية والسياسة الفاشية. والسؤال هنا ماذا يجب أن يفعل الرئيس ليرضي السياسيين؟.