قاربت مرحلة الخصوصيات السياسية داخل المشهد المصري على الانتهاء، وبدأ الجميع يدرك مخاطر التشتت والانقسام التنظيمي حتى داخل التيار الواحد، لتبدأ مرحلة نشطة من أجل بناء التحالفات بشقيها السياسي والانتخابي بين قوى التيارات السياسية المتعددة. والحديث عن اندماج قوى اليسار المصري في تكتل مؤسسي واحد ليس وليد اللحظة السياسية، وإنما كان غاية للكثير من قادة التيار لمواجهة التحديات سواء داخل التيار نفسه من خلال إعادة قراءة مدلولات انحسار الدعم والتأييد المجتمعي ونقد تجربة الماضي، أو خارجه من خلال مواجهة الحاضر الذي يأسف له الكثير من رموز التيار بسبب الاحتقان السياسي، والأهم أن يكون لهم دور في تفعيل مبادئ ثورة يناير سواء على صعيد القضايا الاجتماعية والاقتصادية أو تأمين عبور آمن نحو ديمقراطية مستمرة ومستقرة. راجت فكرة الاندماج السياسي، مع اقتراح رئيس حزب الوفد السيد البدوي بأحد اجتماعات جبهة الإنقاذ تقسيم أحزاب الجبهة لحزبين كبيرين، الأول تحت مظلة اليسار الاشتراكي، والآخر يضم الأحزاب الليبرالية والوسط. فكرة لقيت قبولاً كبيراً، بسبب ما يمكن توصيفه بالضروريات السياسية والعقائدية. وإذا ما تجاوزنا عملية التفكير بالأماني السياسية، ورغبة كل رموز تيار اليسار بالتوحد السياسي، فإن هناك معوقات موضوعية للاندماج على أكثر من صعيد تنظيمي أو عقائدي. إذ رغم ترحيب رموز التيار بفكرة التوحد السياسي، إلا أن الفكرة لم تنتقل بعد من حيز التفكير بالأماني للتنفيذ العملي على أرض الواقع. حيث تشكل هوية البنية التنظيمية الجديدة، والزعامة السياسية أحد أهم المعوقات الموضوعية أمام توحد تيار اليسار بكيان واحد. إذ يؤكد عبد الغفار شكر المفكر اليساري وزعيم حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أن فكرة توحيد أحزاب تيار اليسار مازالت قائمة لم يتجاوزها الوقت. إذ تجري حاليًا حوارات ومناقشات جادة بين حزبه والتحالف الاشتراكي المصري للاندماج في حزب واحد للتأكيد علي وحدة اليسار، ولكي يبرز كقطب أساسي مؤثر وفعال بالصراع السياسي الدائر، تأمين تحقيق مصالح الطبقات الكادحة التي يدافع عنها اليسار، واستكمال أهداف ثورة 25 يناير. وبسؤاله عن معوقات الاندماج الأوسع بين أحزاب اليسار، قال شكر: لا توجد معوقات والمناقشات مازالت مستمرة ولكن لم نصل لنتيجة تجاه بلورة الفكرة على الأرض الواقع، ومعترفًا في نفس الوقت، وبوجود صعوبة تجاه تحقيق تلك الغاية بسبب ما أسماه بتعدد الاجتهادات والمواقف السياسية لهذه الأحزاب من التطورات الجارية بمصر حاليا، ومؤكداً على خصوصية كل حزب في توجهاته السياسية والرؤى التي يتبناها، رغم التطابق الفكري والعقائدي لقوى التيار. كما قال أن تلك الخصوصية كامنة أيضاً داخل الأحزاب الليبرالية والإسلامية والقومية. وأضاف شكر أن التيار اليساري يوجد بينه توافق سياسي كبير بدليل مشاركة أحزابه في مظلة " التحالف الديمقراطي الثوري " الذي يضم حزب التجمع وكل الأحزاب الاشتراكية، وتعمل تلك المظلة كآلية تنسيق سياسية وميدانية على نحو فعال عبر حشد المشاركة بالمظاهرات والاحتجاج السياسي، أو من خلال العمل الجماهيري والاحتكاك برجل الشارع وهمومه. لكن لم يستطع أن يبرر لنا لماذا لم تتحمل لكيان سياسي موحد حتى الآن. وحول إمكانية مشاركة اليسار الموحد بالانتخابات البرلمانية القادمة قال: إذا توافقنا سنخوض الانتخابات مع جبهة الإنقاذ، حال تغير الظروف واستجابة الرئاسة لمطالب الجبهة المعروفة. وبسؤال عبد الغفار شكر حول ما إذا كانت فكرة الزعامة أحد معوقات الاندماج أم لا..؟ قال أن الحديث عن ذلك أمر سابق لأوانه، مشيرا إلي أن الذي سيتزعم أو سيقود التيار اليساري سيأتي بالتأكيد نتيجة التوافق السياسي بين أحزاب اليسار جميعًا. ومن جانبه، رحب سيد عبد العال رئيس حزب التجمع الجديد بفكرة بالاندماج داخل تيار اليسار، إلا أنه ربطها بزعامة حزبه، بقوله.." يجب توحيد راية اليسار المصري تحت لواء حزب التجمع كأقدم أحزاب اليسار بالساحة السياسية ". ونوه إلى أن التحالف الثوري الذي يشكل التجمع جزءا رئيسًا داخله عدد من الأحزاب والحركات الاشتراكية، بمثابة مرحلة تمهيدية للاندماج بين الأحزاب اليسارية خلال الفترة القادمة. وقال أن فكرة اندماج تيار اليسار في كيان حزبي موحد لم تكن وليدة اللحظة كما يُشاع بعد الدعوة التي صدرت داخل جبهة الإنقاذ، وإنما كان حزب التجمع أول من نادي بها من قبل أكثر من مرة، دون استجابة حقيقية من رفقاء التيار. وأوضح عبد العال أن نجاح فكرة الاندماج بين التجمع وبقية الأحزاب اليسارية يتوقف على مدى تجاوب هذه الأحزاب وتفاعلها وحركتها بالشارع في إطار التحالف الديمقراطي الثوري، مشيرا إلي أنه بالفعل توجد نقاشات حول تلك الغاية، ونتمنى أن يكتمل في أقرب فرصة. لهجة تفاؤل دعمتها الدكتورة كريمة الحفناوي أمين عام التحالف الاشتراكي المصري، إلا أنها أرجعت أسباب تأخر توحيد اليسار بانشغال العديد من قواه ورموزه بالأحداث السياسية المتسارعة بالشارع، وأن التحالف على وشك الانضمام سياسياً للتحالف الاشتراكي الذي يقوده شكر من أجل تجسيد نواة جاذبة لبقية قوى اليسار. مؤكدة أنه آن الأوان لوضع حد لانقسام التيار وإعادة الوحدة التنظيمية إليه، لكون الانقسام، بات ترف سياسي لا يتحمله المشهد المصري الآن بسبب حالة الاحتقان والاستقطاب السياسي الحاد داخله. ومن وجهة نظرها لا توجد عقبات كبيرة أمام تلك الغاية، وأنها مع مجموعة من الرموز اليسارية في سبيل إعداد ورقة مشتركة للإسراع في توحيد اليسار.