تحولت محافظة بورسعيد إلى سرادق عزاء كبير اختلط فيه البكاء والعويل بأصوات الرصاص وقنابل الدخان، بمجرد أن انتهى قاضي محكمة جنايات بورسعيد من تلاوة منطوق الحكم بإحالة أوراق 21 متهما في قضية مجزرة بورسعيد إلى فضيلة المفتي. تحول الحزن العميق إلى غضب قاتل ضد الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين تمت ترجمته في صورة الاعتداء على قوات الأمن المكلفة بتأمين السجن العمومي، وكانت حصيلته عشرات من القتلى والمصابين. ردة الفعل الأولى على هذا الحكم كانت عدوا مباشرا نحو الحواجز الفاصلة بين المتظاهرين ومحيط السجن وإطلاق الرصاص من البنادق الآلية وتكسير كل شىء يقابلهم، كما فعلوا وأحرقوا الميكروباص الخاص بقناة الحياة وواجهة كلية التربية القريبة من السجن، وكذلك قسم شرق الذي يبعد شارعا واحدا فقط عن الأحداث إضافة لتحطيم عدد من السيارات وواجهات المحلات. بمجرد سماع مناجاة أقارب المتهمين لأنفسهم دون أن يحدثوا شخصا بعينه، ستعرف على الفور من هو المتهم الرئيسي في نظره: "ضحّيت بمحافظة واحدة عشان 26 محافظة يعيشوا"، كان هذا هو لسان حال أغلب من تقابلهم في شوارع بورسعيد، في إشارة منهم إلى أن الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية استصدر حكما قضائيا مُسيّسا لاستيعاب غضب ألتراس الأهلي الذي يرون أن مرسي لم يكن ليتحمله في مختلف محافظات مصر. في مشرحة مستشفى بورسعيد العام، حيث الوضع أكثر مأساوية ومظاهر الحزن أكثر شجنا، "يا بلد البالة مافكيش رجالة، فضلوا ألتراس الأهلي عليكو" هكذا صرخت سيدة فقدت زوجها، مؤكدة في كلمات تبيناها بصعوبة من صراخها أن الرئيس محمد مرسي لا يأبه بمحافظة بورسعيد ويعتبرها مجرد محافظة صغيرة لا بأس أن يضحى بها طالما أن ذلك سيلفت الأنظار بعيدا عنه. أمام باب المشرحة وقف شاب يبكي بهدوء تارة ويصرخ تارة أخرى، يناجي أخاه محمد الضظوي لاعب المريخ قائلا: "الضظوي طيب، ده كان هيروح المصري"، ويستطرد آخر: "الجماعة سلمتنا كبش فداء عشان يراضوا الألتراس، سلموا إخواتنا بالظلم". في شوارع المدينة-التي اشتهرت ب"الباسلة" لتاريخها في مقاومة الاحتلال- كانت هناك حالة غضب عارمة ضد كل ما هو إخواني، فأمام أحد المحلات المملكوة لأحد أعضاء الإخوان في محافظة بورسعيد، وقف شخص قائلا: "فين السلاح بتاعكو عشان نطلع إخواتنا؟ ولا السلاح مبيطلعش بس غير عشان تطلعوا مرسي من السجن"، بينما صرخ رجل آخر في الأهالي الواقفين أمام مستشفى بورسعيد العام قائلا :" مش ده مرسي اللي اختارتوه؟ مش دول الإخوان؟ إشربوا بقا؟". وعلى المقاهي يجلس رجال بلغوا من العمر أرذله ولم تمكنهم ظروفهم الصحية من المشاركة فيما يحدث فشاركوا بالنقاش والجدال أمام نشرة الأخبار، فمنهم من يؤكد أن الرئيس مرسي يلفت الأنظار بعيدا عن المطالبات المستمرة بإسقاطه، بينما رأى البعض الآخر أن الهدف من ذلك أن تستمر المواجهات ويستمر عدم الاستقرار ويبقى الشعب دائما وأبدا في حاجة للرئيس. جميع المتظاهرين أجمعوا على أن نصف المتهمين على الأقل أبرياء مما حدث ولا علاقة لهم بالحادث من قريب أو من بعيد، ويعتقدون أن شعب بورسعيد لطالما كان كبش فداء لأخطاء النظام المتتالية عبر العصور والأنظمة، وأن النظام المصري كان وما زال يتعامل مع الشعب البورسعيدي باعتباره عدوا حتى أن البعض قال: "هيقطعوا عننا المياه والنور والغاز لازم نقفل مداخلنا ومخارجنا علينا". "الرئيس مرسي – جماعة الإخوان – ألتراس أهلاوي – اضطهاد شعب بورسعيد" هي قائمة متهمين أعدها المحتجون ولم يجدوا أمامهم غير سجن بورسعيد وقوات الشرطة كي يقيموا فيهم "عدالتهم" الخاصة، وازدادت لديهم أسباب الغضب والانعزال مع سقوط أكثر من 25 قتيلا منهم، قبل أن ينزع الجيش -ولو مؤقتا- فتيل الانفجار الشعبي ضد النظام.