مشهد دامي، في إحدى حلقات مسلسل رعب بعنوان "حوادث القطارات".. فقبل أن تتألف قلوبهم، وبعد دقائق من تعارف الركاب على بعضهم.. فرقهم القدر، بإهمال مسئولى السكك الحديدية وسائق القطار الذى أكمل المشوار على الرغم من العطل الذى أصابه.. ومستشفيات بالية لا أطباء ولا تمريض ولا حتى أكياس للتبرع بالدم. تلك هى الليلة السوداء التى عاشها أكثر من 1300 شاب كانوا فى طريقهم لأداء واجبهم نحو وطنهم.. الناجون من الموت يؤكدون على حبهم للبلد، وأنهم يتمنون الشفاء للذهاب إلى معسكرهم لأداء الخدمة العسكرية، على الرغم من كل تلك السلبيات والإهمال، إلا أنها كالعادة أبرزت ملحمة شعبية رائعة قدمها أهالى البدرشين والحوامدية، الذين فعلوا ما عجزت الحكومة عن فعله. البداية كانت فى محطة سوهاج، فبعد أن ودع 2800 شاب من محافظات سوهاجوأسيوط والوادى الجديد بعد أن توجهوا لأداء واجبهم نحو وطنهمن بعد أن خرجوا من منازلهم فى الرابعة فجر أمس إلى نقطة التجمع بمحطة قطار لأسيوط، لتبدأ رحلة الموت، والتى أشار الناجون إلى أنهم وكأنهم كانوا على موعد مع الموت، وكان القدر كان يؤجل لحظة الفراق بعد توقف القطار كثيرا منذ خروجه من أسيوط، وكأن آخرها فى محطة المنيا عندما طال توقفه؛ ليسألوا عن السبب فيجيب عليهم البعض بأن هناك عطل فى القطار. إلا أنه أكمل رحلته، وعلى الرغم من عبوره محطة الحوادث بالعياط، وكأنه أجل الموت بالبدرشين لتنزلق العربة الأخيرة من على القضبان بجوار قطار البضائع الذى توقف بالتخزينة حتى مروره، وتصطدم العربة الطائشة به وتقع الكارثة، وتنهى حياة 19 شابًا من خيرة شباب مصر، ويصاب 117 آخرين، وتتناثر أجسادهم بين الحشائش والأحجار. بين قطع الحديد المتطايرة من القطار، أدى أهالى منطقة البدرشين والحوامدية ملحمة شعبية بعد أن فتحوا المساجد وطالبوا الأهالى بالخروج لإنقاذ المصابين، وانتشال الضحايا بعد أن جمعوهم داخل أحد المساجد وقدموا لهم الأطعمة والمشروبات، وقاموا بالاتصال بأهالى الناجين لطمأنتهم عليهم، ناهيك عن أنهم أخرجوا سياراتهم الخاصة. وقاموا بنقل الضحايا والمصابين إلى مستشفيات الحوامدية والبدرشين قبل وصول الإسعاف، ويتوجه فرق من الشباب بصحبتهم إلى المستشفيات؛ ليكتشفوا الطامة الكبرى، فالمستشفيات خاوية على عروشها، فعندما وجدوا عجزا فى التمريض، عملوا كممرضين واحتاج المصابين إلى دماء فتوجهوا للتبرع، إلا أنهم لم يجدوا أكياس الدم، وتم نقل الحالات الحرجة إلى مستشفيات أخرى. التقت "بوابة الأهرام" بعدد من الناجيين من حادث الموت، حيث روى حسام حسن الذى قدم من مركز طما بسوهاج، وكان بصحبته ابن عمه، وكانا يتحدثان حول أنه سوف يعود فى أول إجازة ليرتبط بمحبوبته. أما صابر حمدى، من أخميم فيقول :"أنا أكبر أشقائى، وكنت أساعد والدى فى الإنفاق على أسرتى، حيث إنه عامل بسيط، ومع ذلك أصريت ألا أتخلف عن أداء واجبى نحو وطنى". ويلتقط أحمد سليمان، الذى يرقد إلى جواره بنفس الغرفة، أطراف الحديث ويقول:" على الرغم من إصابتى إلا أننى فور شفائى سأتوجه إلى معسكر التدريب. أما محمد على فيقول خرجت أنا وثلاثة من زملائى من نفس القرية، من مركز جرجا بسوهاج، لنتوجه معًا إلى أداء الخدمة العسكرية، ولم يفرقنا إلا الحادث الأليم، فلا أدرى أين هم الآن". وروى العديد من المصابين لحظات الموت، وأشاروا إلى أن كثيرا منهم كانوا نائمين من طول السفر، ولم يشعروا إلا وهم بالمستشفيات. كما أشار آخرون، إلى أنهم فوجئوا بالشرار والنيران نتيجة احتكاك القطار بقطار البضائع، بينما الناجون من باقى القطار، فقد فجروا مفاجأة بأنه على الرغم من انفصال العربتين إلا أن القطار سار لمسافة كيلو متر، حتى أنهم فوجئوا بالأهالى يهرولون نحو المصابين.