قال الدكتور أحمد جلال كبير الاقتصاديين السابق بالبنك الدولى والمدير التنفيذى الحالى لمنتدى البحوث الاقتصادية، إن عدم الاستقرار السياسى وغياب التوافق بين القوى السياسية لاشك يترك آثاره على مجمل الأوضاع الاقتصادية. واستبعد أن يؤدى الأمر فى نهاية المطاف إلى تعويق الحصول على قرض صندوق النقد الدولى، وانتقد فى الوقت ذاته غياب برنامج شامل للاصلاح الاقتصادى، والاكتفاء فقط بالتركيز على البرنامج الوطنى للاصلاح المرتبط بتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولى، مشيرًا إلى أن هذا البرنامج لن يحقق سوى إصلاح جزئى فيما يتعلق بمعالجة عجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات. مؤكدًا ضرورة وجود رؤية شاملة لانتعاش الاقتصاد وخروجه من كبوته إلى الانطلاق من خلال جذب الاستثمار الاجنبى وتوليد فرص العمل، مع زيادة القدرة التنافسية للاقتصاد والصادرات، وليس فقط التركيز على الحلول الآنية التى من شأنها إطفاء المشكلات الملتهبة كعجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات فحسب. واعتبر جلال في حواره ل"بوابة الأهرام"، أن ماهو معروض علينا وما نسمعه من الحكومة حتى الآن قليل زيادة عن اللازم حتى الآن ، حيث إن الحاجة ماسة الآن إلى برنامج للإصلاح الاقتصادى قصير الأجل وطويل الأجل يعالج المشاكل المزمنة ويسهم فى تنشيط الاقتصاد وتحقيق معدل نمو مرتفعة ومستدامة تستوعب المخزون الراهن من البطالة وتوفر فرص عمل امام الداخلين الجدد لسوق العمل ،مشددا على أهمية وجود خطة واضحة تصاحب الإصلاح الاقتصادى لتحقيق العدالة الاجتماعية بآليات محددة وشبكة ضمان اجتماعى تتمتع بالكفاءة. وتمسك كبير الاقتصاديين السابق بالبنك الدولى بالتفاؤل فى قدرة الاقتصاد المصرى على التعافى والانتعاش، مستندًا الى المقومات والامكانيات والفرص الواعدة بالسوق إلى جانب حالة التطلعات الكبرى والإصرار على التقدم، والمضى قدما فى الاتجاه الصحيح ، واستند على أن حالة الشد والجذب بين القوى الليبرالية من جانب وقوى الاسلام السياسى هى الضمانة لتحقيق التوازن بين معارضة قوية تكفل تصحيح المسار، وإلى نص الحوار: كيف ترى الأوضاع الاقتصادية فى ظل حالة الشد والجذب السياسى الراهن؟ السياسة طاغية على الاقتصاد منذ الثورة وحتى الآن وليس في ذلك من وجهة نظرى غريب ولكنه معقول للوصول إلى التوافق المنشود، وبالتأكيد أن هذه الأوضاع السياسية تخيم على الاقتصاد وتصعب من حالة التنبوء وبالتالى تزيد من الترقب والانتظار، وطبيعي أن يرتبط تحقيق تقدم على المحور الاقتصادى بعيدا عن توافر الاستقرار السياسى وهو بالضرورة يتطلب بناء مؤسسات الدولة على اسس ديمقراطية و بما يحقق الرضا العام خاصة بعد الثورة التى سارك فى نجاحها الجميع ، ولاشك أن تحقيق هذا الأمر سيوفر المناخ الداعم للتنمية وجذب الاستثمار ، وعلى أية حال مصر لن تحقق نهضة وتقدم حقيقى وتنمية مستدامة مالم يكن هناك توافق مجتمعى يضعها على الطريق الصحيح هذا أمر حاسم وضرورى ليس فقط للتوقيع مع الصندوق. هل تعتقد أن هذه الأوضاع قد تعرقل أو تعطل توقيع الاتفاق مع الصندوق؟ لا أعتقد ذلك، ولكن ما يستدعى الإشارة إليه هو اكتفاء الحكومة بالتركيز على توقيع مع الصندوق وكأن هذا الامر كفيل بحل المشاكل الاقتصادية، وإن شئت الدقة فهو أمر مهم بالتأكيد ولكنه وحده لا يعنى سوى حل جزئى للمشكلات التى تواجه الاقتصاد، فالتوقيع مع الصندوق بالفعل يمثل شهادة ثقة تفتح المجال أمام تدفق الاستثمار والحصول على حزمة تمويلية لسد العجز فى الموازنة العامة ومعالجة عجز ميزان المدفوعات خلال فترة تنفيذ البرنامج فقط، وهذا بالفعل مايركز عليه صندوق النقد فى البرنامج الذى اعدته الحكومة للإصلاح الاقتصادى بهدف موافقة الصندوق عليه تمهيدا للتوقيع. دعنى اتساءل ماذا سيكون الوضع خاصة الضغوط على سعر الصرف فى حالة تعطل التوقيع مع الصندوق ؟ لست قلقا على أية حال بشأن سعر الصرف ، ولكن ما يقلقنى بحق هو تعثر بناء مؤسسات الدولة بشكل صحيح يضمن الحريات ويتمتع بالقبول والرضا العام من قبل جميع الأطراف والقوى الوطنية ، لأن تأثير ذلك سيمتد على تدفق الاستثمار ، وعلى تكلفة الاقتراض من الخارج ، وسيؤثر على قدرة الاقتصاد على النمو وتلبية احتياجات وطموحات الناس خاصة فى ظل معدل بطالة مرتفع. ما حقيقة أن مصر على حافة الإفلاس فى حالة تأخر التوقيع مع الصندوق؟ لا. مصر ليست على حافة الإفلاس.. لدينا اقتصاد متنوع ويستند على ركائز ومقومات جيدة وسوق كبير وقدرة حقيقية على جذب الاستثمار وفرص واعدة ، المهم هو توافر الرؤية والتشخيص الجيد للمشكلات حتى يمكن وضع وتنفيذ الحلول المناسبة بشكل متزامن وفى التوقيت الملائم دون تجزئة وإهدار للفرص والوقت. ألا ترى أن البرنامج الوطنى الذى تم التفاوض بشأنه بين الحكومة مع صندوق النقد قد يحقق ذلك؟ لا اعتقد لأنه ببساطة الصندوق لا يعنيه كثيرا تحقيق العدالة الاجتماعية، وكل ما يعنيهى هو معالجة المشاكل العاجلة المتمثلة فى عجز الموازنة العامة وعجز ميزان المدفوعات، وهو بالطبع يتماشى مع طبيع البرنامج لأنه قصير الأجل 18 شهرا تقريبا فى حين أن المشكلات الاقتصادية أعمق من ذلك وتستدعى برنامج طويل الأجل إلى جانب هذا البرنامج مع الصندوق، لمعالجة المشكلات الأساسية والتى تشمل 3 محاور، الأول مشكلة قصيرة الأجل تتمثل فى عدم التوازن الكلى على مستوى عجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات فى نفس الوقت ، وثانيا مشكلة التباطؤ الاقتصادى وندرة الاستثمار وارتفاع البطالة ،وخاصة البطالة بين خريجى المعاهد المتوسطة والعليا والجامعات وكأننا نهدر الأموال التى ننفقها فى التعليم دون طائل منها بدلا من استثمارها فى تشغيل الخريجين للاستفادة من إمكاناتهم ، وثالثا الحاجة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية التى تتطلب سياسات توزيعية تضمن أن تصل عوائد النمو إلى جميع فئات المجتمع مع عدم الغبن للمجتهد. أليست هذه المشكلات العاجلة التى يطالب الاقتصاديون كافة بأهمية معالجتها؟ هذا صحيح، ولكن الصحيح أيضا بل والمهم من وجهة النظر العميقة هو وجود برنامج شامل للاصلاح الاقتصادى يحقق الانتعاش الاقتصادى ويضمن توليد فرص العمل لحل البطالة وأيضا استيعاب الداخلين الجدد لسوق العمل والأهم أن يلبى الاحتياجات الأساسية المتعلقة بالعدالة الاجتماعية كمطلب أساسى وملح بعد الثورة ، ولكن الحقيقة أن ما هو مطروح الآن قليل أكثر من اللازم ويعطى انطباعا على الأقل بأن ثمة اقتناعا بأن التوقيع مع الصندوق كفيل بحل المشكلات الاقتصادية ، فى حين انه يكتفى فقط بمعالجة عجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات ، والمطلوب هو انتعاش الاقتصاد وتحقيق معدل نمو مرتفع لفترة طويلة حتى يمكن تحقيق نقلة نوعية فى حياة الناس وتحقيق العدالة الاجتماعية. ماهو البرنامج الشامل من وجهة نظرك الذى يحقق كل هذه الأهداف؟ برنامج للإصلاح شامل من 3 محاور أساسية ، الأول يتمثل فى تهيئة بيئة الأعمال والاقتصاد من خلال حزمة إجراءات للنمو المرتفع وتوليد فرص عمل كثيفة ، وإدراج القطاع غير الرسمى فى القطاع الرسمى، وثانيا تحسين الخدمات العامة من خلال إعطاء أولوية للتعليم والصحة والمرافق العامة خاصة الصرف الصحى فى الريف والمدن لمنع الهجرة من الريف للمدن فى ظل ماتم إعلانه من أن 6% فقط من القرى ليها صرف صحى، وثالثا استهداف غير القادرين من خلال آليات تضمن وصول الدعم السلعى والعينى إليهم بشكل كاف، مع الانتباه إلى أن هذا البرنامج سيحقق العدالة الاجتماعية بهذا الشكل من خلال توسيع دائرة النمو واتاحة فرص العمل ، وتجويد الخدمات الأساسية، إلى جانب شبكة أمان اجتماعى تضمن وصول الدعم السلعى والنقدى لمستحقيه، وتحفيز النمو يستدعى بالضرورة تهيئة المناخ المساند للقطاع الخاص. يحمل البعض السياسة النقدية مسئولية الانخفاض الكبير فى الاحتياطى الأجنبى رغم أن البعض يحفظ لهذه السياسة الفضل فى استقرار الأوضاع الاقتصادية طوال الفترة الماضية ويرى أن استقرار سعر الصرف وقى مصر اضطرابات اجتماعية خاصة فى ظل تزايد نسبة الفقر وانفلات الأمن ..مارأيك؟ في رأي السياسة النقدية الحذرة التى نفذها البنك المركزي خلال الأشهر الأولى للثورة كانت جيدة ومناسبة خاصة فى ظل وجود احتياطى من النقد الأجنبى كان كبيرا ومبالغا فيه وقتها وقد ساهم ذلك فى عدم انفلات سعر الصرف، ولكن مع مرور الوقت وبدء الانخفاض فى الاحتياطى الأجنبى كنت أرى أنه من المناسب أن يتم استخدام الاداتين أى الكمى من خلال استخدام جزء منالاحتياطى مع تحريك سعر الصرف ، وذلك لتحقيق عدة اهداف مهمة اولا الحفاظ على الاحتياطى من التآكل ، وثانيا ترشيد الواردات ومساندة الواردات ، وان كان هذا الامر سيؤثر فى زيادة فاتورة استيراد السلع التموينية الأساسية وأيضا أثار تضخمية تأثيرها لن يكون كبير فى ظل حالة التباطؤ الاقتصادى. هل لاتزال متفائل بمستقبل الاقتصاد ؟ نعم مازلت متفائل بمستقبل اقتصادى مزدهر يحقق طموحات جميع فئات المجتمع بعد ثورة عظيمة شارك فيها الجميع، وهو اكبر ضمانة لان هؤلاء سيعملون على بلوغ ثروتهم أهدافها ، إلى جانب شيء مهم من وجهة نظرى وهو ان ظاهرة الحراك السياسى الحالى ستسفر عن وجود معارضة قوية لصالح نظام حكم مستقيم يتسم بالرشادة والسعى الى النجاح لانه يخشى طوال الوقت من منافس قوى يمثل بديل حقيقى فى حالة التعثر، واقصد القوى الليبرالية التى هى فى المعارضة حاليا، وقوى الإسلام السياسى التى هى لأول مرة فى الحكم.