كأن هذه الكاتبة المصرية ابنة البيئة البدوية التى يتردد اسمها بقوة فى الصحافة الثقافية الغربية لاتكف خيول احلامها وابداعاتها عن الركض..تركض ويتابعها العالم من الحسينية فى محافظة الشرقية الى بروكلين فى نيويورك!..وهاهى صحيفة "ذى جارديان " البريطانية تبشر قرائها بأن الترجمة الانجليزية لرواية "مرتفعات بروكلين" للروائية المصرية ميرال الطحاوى قد صدرت . ونهضت الأكاديمية والروائية والمترجمة المصرية الأصل سماح سليم بمهمة ترجمة رواية ميرال الطحاوى التى تعمل مثلها فى مجال التدريس الجامعى فيما تقول آنا سكوت فى صحيفة "ذى جارديان" البريطانية ان مخاوف "هند" بطلة رواية مرتفعات بروكلين التى صدرت مؤخرا فى لندن بالإنجليزية تحمل صوت الحقيقة رغم ان هذا الصوت قد لايبعث على الارتياح . ورواية "مرتفعات بروكلين" التى استعرضتها آنا سكوت فى هذه الصحيفة تتحدث عن ام وحيدة مع طفلها البالغ من العمر سبع سنوات فيما تترك وطنها بعد انهيار حياتها الزوجية وتخرج لاجئة لتعيش أجواء اللاجئين والمتعطلين والجيل الأول مما يسمى "بعرب حى بروكلين" فى نيويورك. وتتعرض ميرال الطحاوى فى روايتها التى صدرت بالعربية عام 2010 لنماذج مختلفة من المغتربين من بقاع الأرض بينما تعرض بطلة الرواية "هند" التى تطمح لأن تكون كاتبة عالمها الثرى بالتفاصيل الشرقية وخباياه وفى القلب تتبدى قضية القهر الانسانى وخاصة قهر النساء. وتلقى الرواية بأضواء كاشفة على حالة الانكشاف التى يعانى منها الابن الصغير فى بيئة ثقافية مغايرة لبيئته الأصلية وذعره من أن تتركه أمه وحيدا فى عالم لايرحم والانقسامات فيه عميقة بين الشرق والغرب حتى وإن جاء باراك أوباما للبيت الأبيض حاملا شعار التغيير. والروائية ميرال الطحاوى ولدت عام 1968 فى محافظة الشرقية لأسرة بدوية من عشيرة الطحاوية المنحدرة من قبائل الهنادى وحصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 2006عن أطروحة حول روايات الصحراء فى الأدب العربى فيما اختارت الرحيل الى الولاياتالمتحدةالأمريكية لتعمل كأستاذ مساعد للأدب العربى بجامعة "نورث كارولينا" ثم بجامعة اريزونا. وبفضل والدها بعقليته المنفتحة والمتقدمة-استكملت ميرال الطحاوى مسيرتها كطالبة فى المدارس والجامعة فيما تتذكر انها احبت القراءة عبر والدها الذى كان يقرأ لطه حسين ونجيب محفوظ والعقاد وتقول:"كنت استفدت من حياة اسرتى..كتبت عن البدو وكنت محظوظة أنى خلقت فى عالم مختلف". واذا كانت صحيفة ذى جارديان تحتفى الآن بالترجمة الإنجليزية لرواية مرتفعات بروكلين فان صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية ذكرت من قبل أن ميرال الطحاوى هى اول روائية تقدم الحياة البدوية المصرية وحاجة المرأة للتحرر خارج الانماط الروائية المألوفة فيما اعادت هذه الصحيفة للأذهان روايتها "الخباء" التى ترجمت للإنجليزية وتتعرض فيها الكاتبة لأزمة المرأة البدوية وقضية الحرية. وتقول ميرال الطحاوى إنها مقتنعة بشدة بأن الكتابة تمثل جسرا بين الثقافات المختلفة وعبور الكثير من المناطق الوعرة بين الثقافات فضلا عن تغيير النظرة النمطية السائدة فى الغرب للعرب والمسلمين. والرواية تجربة متميزة عن العلاقة بين الشرق والغرب فيما ابدت تمردا على التقاليد الروائية المسبوقة حول هذا الموضوع وهى فى الوقت ذاته رواية ذات ابعاد انسانية لأنها تستوحى التجربة الفردية، وتلامس العالم الفسيح ومتاهته. وكانت الروائية المصرية ميرال الطحاوى قد فازت بجائزة نجيب محفوظ لعام 2010 عن روايتها "مرتفعات بروكلين" قيما اعتبرت سامية محرز رئيسة لجنة تحكيم الجائزة التى تشرف على تنظيمها الجامعة الأمريكية فى القاهرة أن "الرواية تعد رواية غربة واغتراب بامتياز". ورأت محرز ان "مرتفعات بروكلين" هى رواية المسكوت عنه، كما يتجلى فى اشكاليات الزمان والمكان والتسامح والتعصب منوهة بالتفات الكاتبة الثاقب للتفاصيل على مستوى رسم الشخصيات واستخدام اللغة وتوظيفها واختيار النبرة والايقاع "وكلها عناصر اسهمت فى اخراج هذا العمل شديد التميز". وتؤكد ميرال الطحاوى انها "ولدت ككاتبة تحت مظلة نجيب محفوظ" فيما تصف اديب نوبل المصرى العظيم بأنه "الأب الذى يجسد الدأب والتواضع والاحتواء والاحتجاج" مضيفة:" نتمرد على كتاباته لكننا فى كل مرة نعود اليه بمزيد من الاعجاب". وفى الوقت ذاته تؤكد ميرال الطحاوى على اهمية الموقع الذى يمثله الروائى المصرى الراحل يحيى الطاهر عبد الله فى عالم الكتابة موضحة ان "كل مرحلة تاريخية ارتبطت بكتابها..الكل يصنع نقاه ولكل مجتمع كتابه". ويعتبر الروائى والناقد المغربى محمد برادة ان رواية مرتفعات بروكلين "اتخذت شكل رحلة مزدوجة إلى خارج الوطن والمنفى والمهجر وفى الوقت ذاته هى رحلة الى اعماق النفس فى الطفولة والمراهقة وبدايات الشباب ". واضاف أن رواية مرتفعات بروكلين "تمتاز بلغة جميلة ودقيقة ومعبرة، كما تتميز برسم شخصيات طريفة ودالة فى لغة مقتضبة تترجم ماالتقطته عين نافذة". وكانت الناقدة المصرية واستاذة الأدب الفرنسى الدكتورة هدى وصفى قد وصفت هذه الرواية بأنها "ترسم خريطة دقيقة لواقع مشحون بالخيانة والتفسخ والجحود" لافتة إلى أن ميرال الطحاوى "اقتحمت عوالم متعددة وصفتها بأدق المشاعر والانفعالات وولجت عالما روائيًا جديدًا ومختلفًا من منظور ثقافى وانثروبولوجى". اماالناقد الدكتور جابر عصفور فيرى فى رواية مرتفعات بروكلين " تجربة ممتازة عن العلاقة بين الشرق والغرب خصوصا وانها لم تسر على التقاليد المسبوقة فى تناول هذه العلاقة انما حرصت على ان تعطى وجهًا للشبه بين بين المقموعين فى الوطن الأصل وفى المكان المضيف". ولذلك - كما يقول الدكتور جابر عصفور- كان العالم الذى تصفه الروائية ميرال الطحاوى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية "هو عالم المهمشين الذى يوازى امثالهم فى الوطن الأم". وتعتبر ميرال الطحاوى ان الكتابة الحقيقية " هى القدرة على بناء عوالم تخصها وتختصر وجودها" مشيرة بطرافة الى ان الحكى من وجهة نظرها "انثى" فيما ترى ان جيلها "تخلص من النص الايدولوجى ليكون ابن النص اليومى الحياتى". وفضلا عن "مرتفعات بروكلين" فقد صدر لميرال الطحاوى روايات "الخباء" و"الباذنجانة الزرقاء" و"نقرات الظباء" التى حصلت على جائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 2002 ولها ايضا مجموعة قصصية بعنوان :" ريم البرارى والمستحيل" . واذا كانت مرتفعات بروكلين قد ترجمت للانجليزية مؤخرا فان رواية "الباذنجانة الزرقاء" الصادرة عام 1998 ترجمت للألمانية عام 2002 كما ترجمت للدنماركية وصدرت عن دار نشر "اندر سكوفن" فى كوبنهاجن وحصلت ميرال الطحاوى بهذه الباذنجانة الزرقاء على جائزة الدولة التشجيعية فى مصر عام 2000. اما كتابها الأول "الخباء" الذى صدر عام 1996 فقد ترجم للألمانية عام 2001 تحكىفيها تتعرض بطلة الرواية "فاطمة" للضغط والقهر فى بيئتها البدوية وتفقد احدى ساقيها، وتبدو الروائية ميرال الطحاوى حريصة بدقة انثربولوجية على تصوير حياة البدو التى تتعرض للاندثار مع تحليل التفاصيل اليومية حيث تتكون صور للروح تظهر فيها المشاعر والذكريات والأمل فى العدل . ومن الدال أن أعمال ميرال الطحاوى لم تترجم فحسب للغات مثل الانجليزية والألمانية والايطالية والأسبانية والهولندية والنرويجية والدنماركية، وإنما ترجمت أيضا للأوردو والهندية.. وهكذا يحق لميرال الطحاوى أن تقول أن "الكتابة أهدتها نعمة التطلع والحلم والبحث عن افق ارحب للتحقق"..انها المبدعة التى تتكىء على الإبداع فى بادية الحياة وخيولها لاتكف عن الركض!.