د. محمود فتح الله: المبادرتان لهما آثار اقتصادية وبيئية كبيرة على المنطقة والعالم أجمع د. سعد شمس: تمثلان إحدى الآليات المهمة لتحسين جودة الحياة وخفض انبعاث الكربون على مستوى العالم د. عبد الغفار الدويك: تعملان على تحسين كفاءة الاستهلاك للطاقة بالإضافة إلى دعم استخدام الطاقة البديلة د. بهاء بعرور: توفير المياه اللازمة لعملية التشجير الضخمة أكبر تحد يواجه المشروع جاءت مبادرتا ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر» فى توقيت يحتاج فيه العالم إلى التركيز على وسائل إنتاجية واقتصادية جديدة داعمة للبيئة، وتعمل مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» على استعادة مليونى كيلومتر مربع من الأراضى المتدهورة، وتمثل 5 % من الهدف العالمى لزراعة تريليون شجرة، كما تساعد على خفض 2.5 % من المعدل العالمى لانبعاث الكربون. تعد مبادرة "الشرق الأوسط الأخضر" جزءا من رؤية المملكة 2030، والتى من أهدافها خفض اعتماد المملكة على عائدات النفط وتحسين جودة الحياة، وتعزيز كفاءة إنتاج النفط وزيادة مساهمة الطاقة المتجددة، والحفاظ على البيئة البحرية والساحلية وزيادة نسبة المحميات الطبيعية، فضلا عما تحققه من فوائد اقتصادية كبرى والعمل على إيجاد عدد كبير من الوظائف والمساهمة فى تحقيق التنمية المستدامة. ويبدأ العمل على مبادرة الشرق الأوسط الأخضر مع دول مجلس التعاون الخليجى ودول الشرق الأوسط، ورحبت دول المنطقة بالمبادرة، والتطلع للمشاركة الفاعلة فى تلك المبادرة، التى تعد إحدى أكثر المبادرات العالمية طموحا من حيث إصلاح الأراضى المتدهورة وخفض معدلات الكربون. دعم العمل البيئى من جهته أكد الدكتور محمود فتح الله مدير إدارة شئون البيئة والأرصاد الجوية بجامعة الدول العربية، رئيس الأمانة الفنية لمجلس الوزراء العرب المسئولين عن شئون البيئة على أن المبادرتين «السعودية الخضراء»، و«الشرق الأوسط الأخضر» جاءتا فى إطار توجه المملكة نحو لعب دور أكبر كداعم للعمل البيئى والعمل المناخى فى المنطقة، وذلك فى إطار رؤية 2030، حيث سبق أن شهدت الشهور الماضية إطلاق مبادرات أخرى كالاقتصاد الدائرى للكربون، الحد من تدهور الأراضى وتعزيز حماية الموائل البرية لإصلاح الأراضى ومنع ووقف تدهورها حيث تمثلان إحدى مخرجات رئاستها لمجموعة العشرين العام الماضى. وأشار الدكتور محمود فتح الله إلى أن هذه المبادرات سوف تكون لها آثار اقتصادية وبيئية كبيرة ليس فى المنطقة فحسب، وإنما فى العالم أجمع، حيث إن العديد من التقارير والدراسات أكدت أن إجمالى المساحات المتصحرة والمهددة بالتصحر فى الدول العربية تشكل نحو 86.7 % من المساحة الكلية للدول العربية، وأن نسبة الأراضى المتدهورة تقدر ب60 %، ومنها 26 % تعتبر شديد التدهور، 43 % متدهورة، 25 % متوسطة التدهور و15 % درجة تدهورها خفيفة، وحسب هذه التقارير فإن أشكال التدهور فى أراضى المنطقة العربية متباينة ومتعددة، إضافة إلى تراجع التنوع الحيوى وتردى النظم الإيكولوجية. وترجع أسباب التدهور إلى الأنشطة البشرية التى يزيد من حدتها ضغط ارتفاع عدد السكان المتزايد وطبيعة المناخ الجاف والقاحل الذى يسود ما يقارب 90% من مساحة الوطن العربى، وإزالة الغطاء النباتى والممارسات الزراعية الخاطئة والرعى الجائر والتوسع العمرانى والتعدين. وأضاف الدكتور محمود فتح الله، أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أدرجت موضوع وقف التصحر وتدهور الأراضى بمفهوم مبتكر ضمن أهداف التنمية المستدامة السبعة عشرة التى حددت لها أفقاً زمنياً للتحقيق عام 2030 وتم اعتماد خطة جديدة للفترة 2018 - 2030 برؤية مضمونها "مستقبل يتجنب التصحر وتدهور الأراضى ويقلل منه إلى الحد الأدنى ويعكس اتجاهه ويخفف من آثار الجفاف فى المناطق المتأثرة على جميع المستويات". من هنا - وعلى حد قول الدكتور محمود فتح الله، فإن المبادرة السعودية التى تتضمن فى جزء منها زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة فى العقود المقبلة، أى ما يعادل إعادة تأهيل ما يقرب من 40 مليون هكتار من الأراضى المتدهورة، مما يترجم إلى زيادة قدرها 12 ضعفًا عن الغطاء الشجرى الحالى فى السعودية وشبه الجزيرة العربية، وهذا يمثل مساهمة من جانب المملكة بأكثر من 4 % فى تحقيق أهداف المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضى والموائل الفطرية، و1 % من الهدف العالمى لزراعة تريليون شجرة. الزراعة ودعم الاقتصاد حول الأهمية الاقتصادية لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، أوضح الدكتور سعد شمس الدين بكلية الزراعة جامعة الأزهر أن للزراعة دورا مهما فى اقتصادات الدول وخصوصا النامية منها، على اعتبار أن زيادة الإنتاج لمواكبة متطلبات المجتمع أمر ضرورى لتحقيق التنمية الاقتصادية، وهذه الزيادة ضرورية لمواجهة الزيادة السكانية فى الشرق الأوسط التى تهدد بانفجار سكانى، وإذا كانت الزراعة تحتل مكانة مهمة فى اقتصادات الدول المتقدمة، فإنها تعتبر بمثابة حجر الأساس بالنسبة لأغلب اقتصادات الدول النامية، باستثناء الدول النفطية، ولهذا فإن الزراعة بالنسبة لهذه الدول هى التى تمد الإنسان بمعظم غذائه وكسائه، وغالبا ما تكون المصدر الرئيسى لتوفير فرص العمل، حيث إن نحو ثلثى السكان أو أكثر يعتمدون عليها؛ وتأييدا لذلك يكاد يجمع الاقتصاديون على أن التنمية الزراعية هى شرط ضرورى للتنمية الاقتصادية. ويضيف الدكتور سعد شمس، أن وجود قطاع زراعى قوى وآخذ فى النمو، أمر لا غنى عنه للتنمية الاقتصادية، سواء بسبب تنشيطه أو دعمه لنمو الصناعة، ومن ثم المساهمة فى التنمية ولن يتسنى ذلك دون استيعاب وفهم لخصائص القطاع الزراعي، حتى يمكن تطويره والاستفادة منه بصورة فعالة. ويرى الدكتور سعد شمس الدين، أن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر تأتى كأحد الآليات المهمة لتحسين جودة الحياة البيئية من خلال خفض معدلات الكربون المنبعثة على مستوى العالم والتى تستهدف خفض هذه المعدلات بمعدل 2.5 % كإحدى آليات مواجهة التحديات البيئية وحل أزمة المناخ والتى تؤدى إلى تدهور الأراضى ونقص خصوبتها فضلا عن التلوث البيئى جراء هذه الانبعاثات بالكربون وتحسين جودة الحياة، مما ينعكس على المساهمة فى تحقيق بعض أهداف التنمية المستدامة، ومن هنا تتضح الأهمية الاقتصادية لهذا المشروع الضخم والذى لاقى قبول العديد من ملوك وأمراء ورؤساء الدول الذين تم عرضها عليهم إيماناً منهم بأهمية هذا المشروع. خطة متكاملة بينما يرى الدكتور عبد الغفار الدويك، الخبير الإستراتيجى أن الحديث عن مبادرتى ولى العهد لحماية البيئة يعد طرحاً لا يتجزأ، لأنهما تأتيان فى إطار إستراتيجية شاملة، فى جميع المجالات، لذا يلزم التعرف عليها من خلال رؤية المملكة 2030، التى دشنتها الحكومة 2016، حيث إنها خطة متكاملة لمرحلة ما بعد النفط، ومؤكدة على أنها سوف يتم من خلالها تسليم 80 مشروعاً حكومياً عملاقاً، تبدأ كلفة الواحد منها ما لا يقل عن 3.7 مليار ريال، تصل بعضها إلى 20 مليار ريال طبقاً لضخامة المشروع، أشرف على إعدادها وتدشينها مجلس الشئون الاقتصادية والتقوية، حيث إن من أهم أهداف رؤية 2030 على مستوى البيئة، أنها تعمل على تشكيل سياستها على النحو الذى تحمى من خلاله ثرواتها النفطية وتعمل على تحسين كفاءة الاستهلاك للطاقة، بالإضافة إلى دعم استخدام الطاقة البديلة، حيث من المتوقع أن تصل قدرات المملكة وإمكانياتها لتوليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بنحو 9.5 جيجا وات بحلول 2030 إضافة إلى مشروعات بناء مفاعلات للطاقة الذرية للمساهمة فى مزيج مع محطات الطاقة الوطنية السعودية. وذكر أن مبادرة السعودية الخضراء و الشرق الأوسط الأخضر، تأتى من طبيعة التحديات البيئية التى شهدتها المملكة والمنطقة ككل، وفى ظل توجهها لمواجهة التصحر من حيث إنها ستعمل على تقليل الانبعاثات الحرارية الكربونية بأكثر من (4 %) من خلال زرع (13) مليون شجرة على مستوى المملكة، ومشاريع كثيرة فى الطاقة المتجددة بكل ما بها من تقنيات جديدة، سواء الشمسية أو الهيدروكربونية النظيفة والتى سوف توفر (50 %) من إنتاج الكهرباء، وفق رؤية 2030. هذا إلى جانب رفع نسبة تحويل النفايات على الخطط إلى (94 %) كما أن المملكة تسعى مع استيفائها فى دول مجلس التعاون والدول العربية والدول الصديقة فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لزرع 40 مليار شجرة إضافية فى منطقة الشرق الأوسط، موضحاً أن هذا البرنامج الطموح يهدف إلى زرع (50) مليار شجرة، وهو أكبر برنامج تشجير فى العالم، ذلك أن هذا الكم من الأشجار سوف يكون ضعف حجم السور الأخضر العظيم الذى دشنه الاتحاد الإفريقى عام 2007، إضافة إلى استعادة مساحة 200 مليون هكتار من الأراضى المتدهورة والمهملة، بما يمثل (5 %) من الهدف العالمى لزراعة (تريليون) شجرة لتخفيض نسبة معدلات الكربون بنسبة (2.5 %) . تحديات زراعية فى حين يرى دكتور بهاء بعرور، مدرس الإرشاد الزراعى جامعة الأزهر، أن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر من المبادرات الطموح، لاسيما أن المنطقة تواجه العديد من التحديات الزراعية والبيئية والاقتصادية خصوصا أن التصحر الذى تواجهه المنطقة يكبد الاقتصاد خسائر سنوية تصل إلى 13 مليار دولار بسبب العواصف الرملية، ويعتبر أكبر تحد يواجه المشروع هو ندرة المياه فى منطقة صحراوية جافة وكيفية توفير المياه اللازمة لعملية التشجير الضخمة، إذ تشير بيانات وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية إلى أن "المملكة تمتلك مخزونا احتياطيا محدودا من المياه الجوفية غير المتجددة القابلة للاستغلال، ومعدلات إعادة تعويض منخفضة"، ويستهلك قطاع الزراعة وحده 84 % من إجمالى الطلب على الماء، وتصل النسبة عندما يتعلق الأمر بالموارد المائية غير المتجددة إلى 90 %. وفى ظل قلة مياه الأمطار، تعتمد السعودية بشكل كبير على تحلية المياه التى تصل إلى 60 % من إجمالى المياه المخصصة للقطاع المدنى، وهى عملية ترهق الاقتصاد السعودى. وتملك المملكة مخططا يحمل اسم «الإستراتيجية الوطنية للمياه 2030» من أهدافه تنمية الموارد المائية. والذى بدوره سيسهم فى دعم أهداف المبادرة والعمل على تحقيقها. مشروع تشجير فى حين أوضح الدكتور على الذيب جابر، الخبير الاقتصادى بالمملكة العربية السعودية، أن الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى لا يرغب بالإصلاح الاجتماعى والاقتصادى فقط، بل كذلك يهتم بالقطاع البيئى والذى يتحقق بدوره عبر أضخم مشروع تشجير فى التاريخ، غير أن المبادرتين تحملان تحديات واضحة، تستطيع المملكة تجاوزها والسيطرة عليها، لاسيما أن العائد الاستثمارى المتحقق سواء داخل المملكة أو خارجها كبير جدا على جميع الأصعدة الاقتصادية. وكشف أن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر من المتوقع أنها ستعمل على تعزيز كفاءة إنتاج النفط وزيادة مساهمة الطاقة المتجددة، إضافة إلى جهود متعددة للحفاظ على البيئة البحرية والساحلية وزيادة نسبة المحميات الطبيعية وتحسين جودة الحياة والصحة العامة، وذلك لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالوضع البيئى فى المنطقة والعالم، حيث إنها ستعمل على رفع نسبة مساهمة الطاقة النظيفة بما يسهم فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة فى المنطقة، وتعزز مستوى جودة حياة السكان. فضلا عن دورها فى دعم أواصل العمل المشترك فى المنطقة لمواجهة التحديات البيئية التى تمر بها منذ عقود، كذلك العمل على وضع خارطة طريق إقليمية.