د. شيرين الملواني تكتب (إنه أنبل ظواهر العصر) تلك كانت كلمات الزعيم جمال عبدالناصر عام 1964 في مؤتمر إعلان منظمة التحرير الفلسطينية؛ حيث كان نقطة انطلاق الدعم القومي المصري لتلك القضية وفقًا للواقع والعقلانية وبعيدًا عن العاطفة وحدها، فمصر تخدم وتدعم القضية الفلسطينية بكل تجرّد ومصداقية منذ نهوض حركة فتح في منتصف الستينيات بقوة حالة المدْ الثوري والتقدمي العربي والناصري - فمتى انتكست الحالة السياسية العربية انتكست معها القضية وهو ما ظهر جليًا بعد حرب الخليج وانتهى بالربيع العربي - وليس أدل على ذلك من الفترة بين عامي 1948 و1967؛ حيث كان قطاع غزة مُدارًا من طرف حاكم عسكري مصري. وكان أهل القطاع يحملون وثائق سفر مصرية للاجئين، بالإضافة لكون مناهج التعليم مصرية، وحتى بعد سيطرة إسرائيل على القطاع في حرب 1967 لم تنقطع مصر عنه واستمرت مُعتبِرة القضية محورية لها، على الرغم من بعض مراحل التوتر في العلاقات؛ كما جرى عندما اعترفت مصر بمبادرة (روجرز) 1970 وحتى اتفاقية (كامب ديفيد). وبعد توقيع اتفاقية (أوسلو) 1993 وقيام السلطة الفلسطينية 1994 سارعت مصر بفتح سفارتها في غزة ودخل ياسر عرفات وجماعته القطاع تحت مظلة حماية مصرية، وهذا على الرغم مما اعترى العلاقة من توتر بين أبو عمار والرئيس مبارك عام 1999؛ عند اعتراض الأخير على إعلان عرفات الدولة الفلسطينية في مايو من نفس العام من بعد انتهاء المرحلة الانتقالية الخاصة بأوسلو، ورغم ذلك كان هناك وفد أمني مصري رئاسي متواجد في قطاع غزة خلال سنوات الانفلات والفوضى وما صاحبهُ من حصْار لأبو عمّار واستمر حتى سيطرة حماس على السلطة؛ مما استدعى مُغادرة الوفد المصري للقطاع عام 2007. ومع خفوت قبضة منظمة فتح وعلو حنجرة حماس، ضبطت الخارجية المصرية النفس ولم تُغلق مصر معَبر رفح واحتفظت بتواصلها مع الرئيس أبومازن مُحتضنة أراضيها المصالحة (الفلسطينية-الفلسطينية)، ولم تدخر جهدًا في ترميم شروخ الكيان الفلسطيني لولا أحداث الربيع العربي وظهور مشاريع إقليمية مُسيسة من قبل دول عربية وأخرى أجنبية، وعند قيام ثورة 25 يناير تفهم الشعب الفلسطيني أن الأولوية لمبادئ تلك الثورة المصرية والتي يصب غالبيتها في الشأن الداخلي المصري، وعدْ قضيته ودعمها متوقف مؤقتًا لحين إنجاز الثورة لجميع أهدافها مُراهنين على أيديولوجية القومية العربية والمسئولية المصرية تجاه القضية والكامنة في العقل الجمْعي المصري. وعند اعتلاء الإخوان المسلمين للحكم في مصر عمّت فرحة عارمة عند أنصار حماس؛ على الرغم من تعثّر المصالحة الوطنية وتردي الوضع الاقتصادي، وعظمت حركة حماس من دور الإخوان المسلمين؛ بل رهنت مستقبل القضية ومصير مليوني فلسطيني بما ستؤول إليه مصر، مما يعني إعطاء الأولوية للانتماء الحزبي الأيديولوجي لجماعة الإخوان على الانتماء للشريك الوطني، بل أبدْت استعدادًا للتخلي عن المصالحة لصالح إلحاق نفسها والقطاع بالحالة المصرية ولم تلم على الرئيس الإخواني رسالته الشهيرة ب(عزيزي بيريز) أو إعلان اعترافه بكافة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل؛ بل انتهجْت سياسة ردْ الفعل الانتقامي ضد مصر بعد خلعه في 30 يونيو، في الوقت الذي كانت فيه مصر تخوض أشرس حرب ضد الإرهاب من خلال أنفاق سيناء بؤر لجرذان الجماعات الإرهابية المُمَولة كانت الدولة المصرية حريصة على عقد المصالحة الفلسطينية على أراضيها وعدت محمد دحلان مندوبًا مفوضًا؛ بل وحرصت على فتح معبر رفح ومرور الأغذية والأدوية للإخوة في قطاع غزة بصفة دورية، على الرغم من العمليات الإرهابية التي كانت تتبع الفتح وتُعدَم عند إغلاقه. لكل المشككين في دور مصر والذي لم يقل على مدى التاريخ، مصر لم ولن تتخلى عن دورها في تلك القضية، ولم تُكيل حساباتها بمكيالين، ولم تنفض يدها من الشعب الفلسطيني وتعاقبه بأفعال قادته العدائية تجاهها. وفي ظل الأوضاع المضطربة في غزة هذه الأيام كان الموقف المصري واضحًا وصريحًا لسرعة التهدئة عن طريق إرسال وفد للتفاوض لإنقاذ الموقف وضمان أقل عدد من الضحايا وإرسال شحنات من المساعدات ولم يتأخر الأزهر وشيخه الجليل عن شجْب العدوان الإسرائيلي ودعم الإخوة الفلسطينيين؛ بل وهددت مصر إسرائيل بتجميد العديد من الملفات المُشتركة في حال عدم وقف العدوان. علينا إعادة قراءة صفحات التاريخ واسترجاع وقائع أربع حروب خاضتها مصر من أجل القضية الفلسطينية، ودفعت ضريبتها عشرات الآلاف من شهدائها ومليارات الدولارات كخسائر مادية، ولا زالت تعاني من حربها ضد الإرهاب في سيناء والذي تدعمه بعض الفصائل الفلسطينية كأداة لتحقيق مطامع شخصية لهم أو لدول أهل الشر، لكنها مصر الأم والعدالة والتي تحمل مسئولية أبدية لتلك القضية فوق كاهلها وقادرة عليها.