تهل علينا الأعياد بعد الانتهاء من أداء فرائض وأركان عظيمة حتى لا تمل النفوس الطاعة لله وتتجدد الهمم وفى الأعياد تظهر أخلاق الأمم إذ تنطلق فيه السجايا على فطرتها وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها. والمجتمع السعيد الصالح هو الذى تسمو أخلاقه فى العيد إلى أرفع ذروة. وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى ويظهر فى العيد التماسك والتعاون والتراحم وتخفق فيه القلوب بالحب والبر والصفاء فهو طاعة لله ومظهر للقوة والإخاء وفرحة بطاعة الله والانتصار على الأهواء والشهوات. فالعيد معناه الخلاص من إغواءات شياطين الإنس والجن والرضا بطاعة المولي. والوعد الكريم بالفردوس والنجاة من النار إن العيد فى الإسلام ليس انطلاقاً وراء الشهوات وحلاً لزمام الأخلاق وترك الواجبات ولا إتيان المنكرات بدعوى أنه يوم عيد؛ بل فيه صلة الأرحام والعطف على الفقراء والمساكين وزيارتهم فهو مظهر من مظاهر الدين وشعيرة من شعائره؛ حيث ينطوى على حكم عظيمة ومعان جليلة وأسرار بديعة لا تعرفها الأمم الأخرى فى شتى أعيادها فهو فى معناه الدينى شكر لله تعالى على تمام العبادة لقوله تعالى «.. وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ...» شكرا على التوفيق لطاعته. وقد شرعت الأعياد فى الإسلام للترويح عن النفوس وبث البهجة فى القلوب التى كثرت عليها المحن وفى ذات الوقت كانت فرصة للتقرب إلى الله حتى فى لحظات الفرح طبقا لما أباحه الله وتؤكد لليهود وغيرهم أن الدين الإسلامى فيه فسحة وفرصة للتقارب والتصالح وإزالة أسباب الشقاق والخلاف والأحقاد، فضلا عن أنها مناسبة لتنشيط ذاكرة المسلمين الثقافية والعقائدية لتربية النشء على أفضل الأخلاق والقيم. ويوضح الدكتور إبراهيم شعيب مدرس المذاهب والأديان بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر أن كلمة العيد كلمة قرآنية وردت فى كتاب الله مرة واحدة لقوله تعالى فى شأن بنى إسرائيل عندما طلبوا من موسى أن ينزل الله عليهم مائدة من السماء ادع لنا ربك ينزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وعندما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد الأنصار يلعبون فى يومين فسألهم عنهما فقالوا هذان يومان نلعب فيهما يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم إن الله أبدلكم خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحي. ومن فلسفة العيد فى الإسلام أنه شرع للترويج عن النفس وبعث البهجة فى القلوب التى توالت عليها المحن والابتلاءات ولذلك عندما دخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد وجد جاريتين تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث وهو يوم انتصار الأوس على الخزرج فقال أبو بكر: أمزمار الشيطان فى بيت النبي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهما يا أبا بكر فإن اليوم عيد ولكى تعلم اليهود أن فى ديننا فسحة. أيضا من فلسفة الأعياد فى الإسلام أنها ترتبط بالعبادة فعيد الفطر يعقب فريضة الصيام وعيد الأضحى يعقب فريضة الحج وتبدأ الأعياد بالصلاة والذكر والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وهذا معناة أن الفرح والسرور لا يكون بالانفلات والتحرر من الشريعة وإنما يكون فى إطار الشريعة أما بالنسبة للمناسبة التى نحياها اليوم وهى عيد الفطر فأفضل عمل فيه صلة الأرحام وزيارة الأقارب وتقوية أواصر القربى بين الأفراد والعائلات لقوله تعالى فى الحديث القدسى إن الله تعالى لما خلق الرحم تعلقت بردائه فقالت يارب هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال تعالي: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ فقال بلى يارب. قال فذلك لك صدق رسول الله فيما بلغ عن رب العزة. كما يسن التلطف بالأيتام وزيارتهم وإعطائهم مايبعث البهجة فى قلوبهم لقوله تعالى أنا وكافل اليتيم كهاتين فى الجنة وأشار بالسبابة والوسطي. ويسن أيضا فى العيد اللهو واللعب والمرح ولكن بضوابط الشريعة فلا يجوز أن تسمع ما يحرك الساكن أو يثير الكامن لأن هذا قال تعالى فيه «وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالنا سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين» وعلى المسلم أن يزيد فى أيام العيد من أعمال التكبير والتهليل والتحميد لقوله تعالى وليكبروا الله على ما أتاهم. ويقول الدكتور أحمد صبرى من علماء وزارة الأوقاف: إن الإسلام دين ودنيا ولذلك فهو يفتح المجال للمسلمين للفرح والسعادة ومن حق المسلمين أن يجتمعوا وأن يفرحوا فى هذا العيد وأن يحل التصالح والتصافى بدلا من التفرقة والخصام وإراقة الدماء: أليس من حقنا أن نفرح كباقى البشر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن بالفرح فى يوم العيد! وقال لأبى بكر عندما نهر جاريتين تغنيان فى بيت رسول الله يا أبا بكر دعهما لتعلم اليهود أن فى ديننا فسحة وتساءل هل علم اليهود أن فى ديننا فسحة أم لا؟ أقصد بسؤالى من يقومون بتوجيه أسلحتهم فى صدور جنودنا وشعبنا هل أوصلتم الرسالة بأننا نريد أن نفرح والفرح الحقيقى أن نجتمع ونتصافى ونتحد أن نتفرق أو نتحزب قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. ويطالب د.صبرى جميع أبناء الأمة بإستغلال فرصة العيد لإزالة أسباب التنافر والتخاصم حتى يكون الجميع أخوة متحابين فالحكمة من مشروعية الأعياد أن يفرح المسلمون بأعيادهم لا أن يعيشوا فى طاعة أبدا روحوا القلوب ساعة وساعة ليفرح الجميع بعد أداء فريضة الصيام والتقرب إلى الله بصلاة التراويح والتهجد وإخراج زكاة الفطر فمن صام وقام رمضان احتسابا لله له أن يفرح بأن أعانه الله على أداء هذه القربات والطاعات بهذا اليوم المبارك ولكن يفرح بما أباحه الله فهذا حنظلة حين اتهم نفسه بالنفاق فصحح النبى صلى الله عليه وسلم مفهومه عن العبادة والطاعة، وقال يا حنظلة روحوا القلوب ساعة وساعة إلى فعلى كل زوج يحب زوجته وأولاده روحوا عنهم وأدخلوا عليهم السعادة والسرور على الجيران والفقراء خاصة وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم به ونحن فى عيد الفطر، وعلى المصريين جميعا أن الاتحاد وإزالة أسباب الخصام والشقاق والأحقاد. وتشير الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر إلى أن الأعياد فى الإسلام شرعت لتجديد النشاط فى الانسان وإعطائه بهجة تزيل سأم وملل الحياة وفى الوقت نفسه تجدد الذاكرة والذكريات كما هي فرصة للتراحم والتقارب وتنشيط الذاكرة الثقافية والعقدية بهذه المناسبة بعد شهر رمضان من حيث نجاح الإنسان فى أداء فريضة الصوم وشحن النفس بروحانيات رمضانية وجمال رمضان ولياليه وأوراده وما يدخل النفس البشرية من بهجة فى هذا الشهر. إذا فالأعياد جاءت تنشيطا للذاكرة وتفعيلا لثقافة المسلم حتى لا ينقطع عن هذه المناسبات العظيمة لكى يربى النشء على الكثير من القيم والأخلاق فلا يجب أن يتوقف العيد عند الكعك والطعام ولابد أن نأخذ مايربط المسلمين بالقيم المرتبطة سواء فى عيد الفطر أو الأضحي.