شرعت الأعياد فى الإسلام للترويج عن النفوس وبث البهجة فى القلوب التى كثرت عليها المحن وفى ذات الوقت كانت فرصة للتقرب إلى الله حتى فى لحظات الفرح طبقا لما أباحه الله وأن الدين الإسلامى فيه فسحة وفرصة للتقارب والتصالح وإزالة أسباب الشقاق والخلاف والأحقاد، فضلا عن أنها مناسبة لتنشيط ذاكرة المسلمين الثقافية والعقائدية لتربية النشء على أفضل الأخلاق والقيم. فى البداية يوضح الدكتور إبراهيم شعيب مدرس المذاهب والأديان بكلية أصول الدين جامعة الأزهر أن كلمة العيد كلمة قرآنية وردت فى كتاب الله مرة واحدة لقوله تعالى فى شأن بنى إسرائيل عندما طلبوا من موسى أن ينزل الله عليهم بمائدة من السماء أدعو لنا ربك ينزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وأخرنا وعندما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد الأنصار يلعبون فى يومين فسألهم عنهما فقالوا هذان يومان نلعب فيهما يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم إن الله أبدلكم خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحي. ومن فلسفة العيد فى الإسلام أنه شرع للترويح عن النفس وبعث البهجة فى القلوب التى توارت عليها المحن والابتلاءات ولذلك عندما دخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد وجد جاريتين تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث وهو يوم انتصار الأوس على الخزرج فقال أبو بكر: أمزمار الشيطان فى بيت النبي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهما يا أبا بكر فإن اليوم عيد، ولكى تعلم اليهود أن فى ديننا فسحة. أيضا من فلسفة الأعياد فى الإسلام أنها ترتبط بالعبادة فعيد الفطر يعقب فريضة الصيام وعيد الأضحى يعقب فريضة الحج وتبدأ الأعياد بالصلاة والذكر والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وهذا معناة أن الفرح والسرور لا يكون بالانفلات والتحرر من الشريعة وإنما يكون فى إطار الشريعة، أما بالنسبة للمناسبة التى نحياها اليوم وهى عيد الفطر فأفضل عمل فيه صلة الأرحام وزيارة الأقارب وتقوية أواصر القربى بين الأفراد والعائلات لقوله تعالى فى الحديث القدسى إن الله تعالى لما خلق الرحم تعلقت بالعرش فقالت يا رب هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال تعالي: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ فقالت بلى يا رب. قال فذلك لك صدق رسول الله فيما بلغ عن رب العزة. كما يسن التلطف بالأيتام وزيارتهم وإعطاؤهم ما يبعث البهجة فى قلوبهم لقوله تعالى أنا وكافل اليتيم كهاتين فى الجنة وأشار بالسبابة والوسطي، ويسن أيضا فى العيد اللهو واللعب والمرح ولكن بضوابط الشريعة فلا يجوز أن تسمع ما يحرك الساكن أو يثير الكامن لأن هذا قال تعالى فيه وإذا سمعوا اللغوا عرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالنا سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين وعلى المسلم أن يزيد فى أيام العيد من أعمال التكبير والتهليل والتحميد لقوله تعالى «وليكبرو الله على ما هداهم». ويقول الدكتور أحمد صبرى من علماء وزارة الأوقاف إن الإسلام دين ودنيا ولذلك فهو يفتح المجال للمسلمين للفرح والسعادة ومن حق المسلمين أن يجتمعوا وأن يفرحوا فى هذا العيد وأن يحل التصالح والتصافى بدلا من التفرقة والخصام وإراقة الدماء: أليس من حقنا أن نفرح كباقى البشر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن بالفرح فى يوم العيد! وقال لأبى بكر عندما نهر جاريتين تغنيان فى بيت رسول الله يا أبا بكر دعهما لتعلم اليهود أن فى ديننا فسحة وتساءل هل علم اليهود أن فى ديننا فسحة أم لا؟ أقصد بسؤالى من يقومون بتوجيه أسلحتهم فى صدور جنودنا وشعبنا هل أوصلتم الرسالة بأننا نريد أن نفرح، والفرح الحقيقى أن نجتمع ونتصافى ونتحد أن نتفرق أو نتحزب قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. ويطالب د.صبرى جميع أبناء الأمة باستغلال فرصة العيد لإزالة أسباب التنافر والتخاصم حتى يكون الجميع أخوة متحابين، فالحكمة من مشروعية الأعياد أن يفرح المسلمون بأعيادهم لا أن يعيشوا فى طاعة أبدا روحوا القلوب ساعة وساعة ليفرح الجميع بعد أداء فريضة الصيام فى جو الحر الشديد والتقرب إلى الله بصلاة التراويح والتهجد وإخراج زكاة الفطر فمن صام وقام رمضان احتسابا لله له أن يفرح بأن أعانه الله على أداء هذه القربات والطاعات بهذا اليوم المبارك ولكن فرح بما أباحه الله فهذا حنظلة حين اتهم نفسه بالنفاق قوم النبى صلى الله عليه وسلم مفهومه عن العبادة والطاعة وقال يا حنظلة روحوا القلوب ساعة وساعة إلى كل زوج يحب زوجته وأولاده روحوا عنهم وأدخلوا عليهم السعادة والسرور إلى كل جار مع جاره وصاك رسول الله صلى الله عليه وسلم به ونحن فى عيد الفطر يجب على الغنى والفقير أدخلوا أيها الأغنياء السعادة على الفقراء، وعلى المصريين جميعا إن الاتحاد وإزاله أسباب الخصام والشقاق والأحقاد. وتشير الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر إلى أن الأعياد فى الإسلام شرعت لتجديد النشاط فى الإنسان وإعطائه بهجة تزيل سأم وملل الحياة وفى الوقت نفسه تجدد الذاكرة والذكريات، كما هى فرصة للتراحم والتقارب وتنشيط الذاكرة الثقافية والعقدية بهذه المناسبة بعد شهر رمضان من حيث نجاح الإنسان فى أداء فريضة الصوم وشحن النفس بروحانيات رمضانية وجمال رمضان ولياليه وأوراده وما يدخل النفس البشرية من بهجة فى هذا الشهر. إذن فالأعياد جاءت تنشيطا للذاكرة وتفعيلا لثقافة المسلم حتى لا ينقطع عن هذه المناسبات العظيمة لكى يربى النشء على الكثير من القيم والأخلاق فلا يجب أن يتوقف العيد عند الكعك والطعام ولابد أن نأخذ ما يربط المسلمين بالقيم المرتبطة سواء فى عيد الفطر أو الأضحي وتؤكد الدكتورة مفيدة إبراهيم على عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات أهمية العيد بالنسبة للأطفال خاصة الأيتام الذين غالبا ما يعانون من حساسية مفرطة فى تفسير تصرفات الآخرين تجاههم نظرا لاضطرابات الطبع التى تتولد لديهم جراء ما يعانونه وهذه التصرفات تتجه للعالم الخارجى الذى كثيرًا ما يكون سلبيًّا فى تعامله مع نفسية اليتيم، فيكون الزجر والعنف والقسوة؛ لذا كانت عناية الإسلام بنفسية اليتيم والتلطف فى معاملته كبيرة فى كل الأوقات وخاصة فى الأعياد لقوله تعالي: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ) لأنه فقد والديه ولم يجد أبا يحنو على ولم يجد أبا يلاعبه ويحمله فوق كتفية ويأخد بيده فلم ينطق كلمة أبى أو كلمة أمى من يوم مولده ولم يعرفها أو يعرف معانيها وهو الذى يواسى نفسه بنفسه ويدفن أحزانه بقلبه.