وفقًا لتقرير "Bridging the Digital Divide"، الصادر عن مؤسسة "Ronald Berger"، أعلن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصرى، أن مصر قفزت ثمانية مراكز في مؤشر الشمول المالى لرولاند بيرجر (RB DII) فى عام 2020، لتحتل المرتبة 50، مقارنة ب رقم 52 فى عام 2017. حيث سجلت مصر إجمالى 60 نقطة، لتصبح الثالثة في قائمة أفضل 10 دول من 82 دولة تم تقييمها، وذلك بعد ميانمار وفيتنام. وأشار وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات د.عمرو طلعت، إلى جهود الوزارة لبناء مصر الرقمية، وتنفيذ خطة لرفع كفاءة شبكات الاتصالات، وتطوير البنية التحتية للاتصالات على مستوى الدولة، والاستفادة من أحدث التقنيات، مثل الألياف البصرية. مؤكدا أن مصر قطعت أشواطًا كبيرة فى تحقيق التحول الرقمى من خلال رقمنة الخدمات الحكومية، وإتاحتها عبر عدة قنوات لخدمة جميع شرائح المجتمع وتشجيع المواطنين على استخدام الخدمات الرقمية. وفى هذا الإطار، تم توفير 45 خدمة رقمية على الإصدار التجريبى لمنصة مصر الرقمية، مع استمرار العمل للوصول إلى 550 خدمة رقمية بحلول عام 2023. كما شهد البريد المصرى تطورا كبيرا، حيث أصبح قناة رئيسية لتقديم خدمات الشمول المالى، إلى جانب الخدمات الحكومية والبريدية التى يقدمها بالفعل من خلال مكاتب البريد. بالإضافة إلى جهود وزارة الاتصالات فى تطوير التجارة الإلكترونية، وتشجيع المواطنين على استخدام وسائل الدفع الإلكترونى، فضلا عن تعزيز محو الأمية الرقمية وتوفير بيئة رقمية آمنة من خلال تطوير نظام وطنى لحماية معاملات المواطنين فى مصر الرقمية. نناقش فى الصفحات التالية دور الشمول الرقمى فى تعزيز النمو الاقتصادى، اعتمادا على حلول التكنولوجيا المالية المُبتكرة، والتى أصبحت تشكل تحديا كبيرا أمام المؤسسات المالية التقليدية، مما يستدعى وضع خارطة طريق للتحول الرقمى فى القطاع المالى. كما نستعرض الدور المحورى الذى تلعبه تقنيات الثورة الصناعية الرابعة فى تطوير الخدمات المصرفية وتلبية احتياجات العملاء (بما فى ذلك الفئات التى لا تتعامل مع البنوك) بسهولة وبأقل تكلفة. الشمول المالى والتحول الرقمى تربط التكنولوجيا المالية المعروفة باسم Fintech بين تقديم الخدمات المالية والتكنولوجيا الرقمية. اعتمدت صناعة الخدمات المالية دائما على التقدم التكنولوجى لتحفيز الابتكار فى تقديم الخدمات وتخصيص رأس المال، فى حين تعمل التطورات الحديثة فى مجال التكنولوجيا المالية القائمة على البيانات، مثل: البلوك تشين، وأنظمة الدفع عبر الهاتف المحمول، ومنصات الإقراض من نظير لنظير، والتمويل الجماعى وغيرها من الخدمات القائمة على الإنترنت، على إحداث تغييرات جذرية فى صناعة الخدمات المالية من خلال تحدى نماذج الأعمال التقليدية للمؤسسات المالية القائمة والبنية التحتية المؤسسية والتشغيلية للنظام المالى. استهداف المهمشين لقد أدت التكنولوجيا المالية إلى ظهور أشكال جديدة من العملات وطرق جديدة لتخصيص رأس المال وإدارة المخاطر وتنفيذ المعاملات المالية. يوفر هذا التحول الرقمى للقطاع المالى للمستهلكين خدمات موجهة بشكل أفضل وأسعار أقل، ويسهل الوصول إلى الائتمان للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم (SMEs)، ويُعزز إنتاجية المؤسسات المالية التقليدية، وبشكل أساسى، يوفر إمكانيات جديدة لدمج المزيد من الأفراد والمؤسسات فى النظام المالى. من هذا المنظور، تقدم التكنولوجيا المالية وعدا كبيرا فى قدرتها على إضفاء الطابع الديمقراطى على الخدمات المالية من خلال توسيع الوصول إلى المجموعات والأفراد، الذين لم تكن لديهم خدمات مصرفية فى السابق. يتم تعريف عملية دمج الوكلاء الاقتصاديين فى النظام المالى من خلال تزويدهم بمنتجات وخدمات مالية مفيدة وبأسعار معقولة يمكن تقديمها بطريقة مسئولة ومستدامة، بما يسمى "الشمول المالى Financial inclusion". وعلى الرغم من أن الوصول إلى الخدمات المالية قد تحسن بشكل كبير فى العقد الماضى فى الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، فإن أحدث البيانات تشير إلى أن حوالى ثلث السكان البالغين فى العالم (حوالى 1.7 مليار فرد)، لم يزالوا ليس لديهم حساب معاملات فى مؤسسة مالية رسمية، أو من خلال الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول، وبالتالى يتم استبعادهم من النظام المالى الرسمى. وفى العديد من الاقتصادات الناشئة أو النامية، وصلت نسبة البالغين الذين لا يتعاملون مع البنوك إلى ما يقرب من 90 %. ومع ذلك، فإن ثلثى هؤلاء الأفراد (حوالى 1.1 مليار) لديهم هاتف محمول، مما يمكنهم من الناحية الفنية من الوصول إلى المنتجات والخدمات المالية. الاستدامة الاجتماعية على الرغم من أن الشمول المالى يرتبط ارتباطا وثيقا بتوسيع الوصول إلى الخدمات المالية، إلا أن المفهومين ليسا مترادفين، فقد يتمكن بعض الأفراد من الوصول إلى الخدمات المالية دون الاستفادة منها، سواء كان ذلك بسبب الأسعار الباهظة، أو الحواجز التنظيمية أو مزيج من السوق، والظواهر المؤسسية والثقافية. وهنا، يختلف الوصول إلى الخدمات المالية بشكل كبير بين الاقتصادات النامية والمتقدمة، مع العلم أنه فى الأخيرة يتم تضمين جميع الوكلاء الاقتصاديين تقريبا فى النظام المالى الرسمى، ولكن فى معظم الدول النامية هناك نسبة صغيرة فقط لديها مثل هذا الوصول. معظم هؤلاء الأفراد الذين لا يتعاملون مع البنوك، أو يعانون من نقص الخدمات، ينتمون إلى مجموعات مجتمعية محددة، على سبيل المثال، من المُرجح أن يتم استبعاد النساء ماليا، وكذلك الأشخاص ذوو التعليم الرديء، وأولئك الذين يعيشون فى المناطق الريفية، بسبب الافتقار إلى البنية التحتية والظروف الاقتصادية السيئة. نستنتج، أن هناك ضرورة لاستكشاف إمكانات التحول الرقمى من خلال الاستدامة الاجتماعية، وهو جانب من جوانب التمويل المستدام، الذى غالبا ما يظل فى أولويات النقاش السياسى والأكاديمى حول الاستدامة البيئية. تمكين التنمية إن الشمول المالى هو أحد اهتمامات السياسة العامة التى تتعلق مباشرة بأهداف وأنشطة البنوك المركزية والهيئات الدولية المعنية بوضع المعايير المالية. حيث يؤكد دعاة الشمول المالى، بما فى ذلك البنك الدولى وبعض المؤسسات المالية، بشكل لا لبس فيه، على أن عملية دمج المزيد من الأفراد والشركات فى النظام المالى، تساهم فى المساواة فى الدخل، وتخفيف حدة الفقر، وتؤثر على معدلات الدخل، وقرارات الاستثمار، وتحسن الرفاهية الاقتصادية الشاملة. فمن المنظور الاقتصادى، يعتبر الشمول المالى أحد العوامل التمكينية الرئيسية للتنمية الاقتصادية. قد يسمح الوصول إلى المنتجات المالية المفيدة والآمنة للأفراد الذين لم يتعاملوا مع البنوك فى السابق، بالاستثمار فى الأصول، بما فى ذلك تعليمهم وتدريبهم، مما يقلل من عدم المساواة فى الدخل. وعلى العكس من ذلك، فإن الإقصاء المالى يزيد من مخاطر الفقر، وبالتالى فهو عقبة رئيسية أمام التنمية. علاوة على ذلك، من خلال جعل قرارات الادخار والاستثمار أكثر كفاءة وتسهيل عمل الاقتصاد، يُعزز الشمول المالى أيضا الاستقرار النقدى والمالى. وهنا، ينبغى أن يؤدى الشمول المُعزز إلى تخصيص أكثر كفاءة لرأس المال، ودعم جهود البنك المركزى للحفاظ على استقرار الأسعار. وبالتالى، فإن زيادة الوصول إلى خدمات الائتمان والاستثمار من شأنها أن تعزز أداء الشركات والرفاهية الاقتصادية. حجر الزاوية فى هذا الإطار، ذكر أعضاء التحالف من أجل الشمول المالى (AFI) فى إعلان (مايا) أن الشمول المالى له دور حاسم فى تحسين "الاستقرار المالى الوطنى والعالمي"، والمساهمة فى "نمو قوى وشامل فى أسواق الدول النامية". وعلى الرغم من أن الشمول المالى ليس هدفا للتنمية المستدامة (SDG) فى حد ذاته، إلا أنه يعتبر "عامل تمكين" لهذه الأهداف، حيث يتم عرضه كهدف فى ثمانية من الأهداف السبعة عشر، وبناءً عليه، من المفترض أن يساعد الشمول المالى فى القضاء على الفقر والجوع، وتحقيق الأمن الغذائى، وتعزيز الزراعة المستدامة (الهدفين 1، 2). علاوة على ذلك، يدعم الشمول المالى أيضا الصحة والرفاهية (الهدف 3)، ويُعزز المساواة بين الجنسين من خلال تمكين المرأة اقتصاديا (الهدف 5)، وتعزيز النمو الاقتصادى والتنمية (الهدف 8)، ويدعم الصناعة والابتكار والبنية التحتية (الهدف 9)، ويقلل عدم المساواة (الهدف 10). بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز وسائل التنفيذ للهدف 17 من أهداف التنمية المستدامة، ينطوى على دور لمزيد من الشمول المالى من خلال تعبئة المزيد من المدخرات للاستثمار والاستهلاك الذى يمكن أن يحفز النمو. الانفجار الكبير يرتكز التأكيد على الشمول المالى فى أجندة أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، على الدور المهم الذى يلعبه النظام المالى فى التحول نحو اقتصاد "دائري" وأكثر "استدامة". فى هذا الإطار، يؤدى الدور المتنامى لشركات التكنولوجيا العملاقة (مثل، جوجل وأمازون وفيسبوك)، جنبا إلى جنب مع التأثير الحالى للمؤسسات المالية الحالية فى تقديم الخدمات المالية، إلى تحول النظام المصرفى والمالى التقليدى إلى نموذج أعمال مصرفى ومالى، يعتمد على البيانات، مما يقود إلى "الانفجار الكبير" فى الخدمات المالية التى تعتمد على البيانات. الأمر الذى يسلط الضوء على أحد أكبر التحديات التى تواجه صناعة الخدمات المالية العالمية، والتى تتضمن كيفية التوافق بين أهداف وأدوات تنظيم البيانات والتنظيم المالى. وهنا، يجادل مؤيدو هذا "الانفجار الكبير" فى الخدمات المالية القائمة على البيانات ونطاق تطبيقه الواسع، بأنه سيُعزز الشمول المالى من خلال توسيع الوصول إلى الخدمات المالية، مما يقود إلى تحسين مستويات المعيشة وتخفيف حدة الفقر بسبب انخفاض تكاليف المعاملات فى توفير رأس المال والائتمان لعدد أكبر من الأفراد والشركات. التقدم الحذر ومع ذلك، يجب على صانعى السياسات الامتناع عن وجهة نظر مفرطة فى التفاؤل بشأن الشمول المالى من خلال الرقمنة، كإستراتيجية للتخفيف من حدة الفقر وتحقيق التنمية. حيث إن الفرضية التى تدعو بأن الشمول المالى يؤدى إلى تحسين مستويات المعيشة، لا تخلو من الجدل والمخاطر، فالبعض يرى أن الشمول المالى هو مجرد إعادة تسمية "للتمويل الأصغر microfinance"، والذى ظهر فى السبعينيات، وتطور إلى هجين عالمى للتمويل والتنمية متخصص فى تقديم قروض بفائدة عالية. وهنا، خضعت مؤسسات التمويل الأصغر للتدقيق لعدة أسباب، خاصة ارتفاع أسعار الفائدة وتثبيتها على الائتمان، مما يؤدى إلى الإفراط فى المديونية. ومع البرامج المجتمعية والمؤسسات التعاونية وشركات التكنولوجيا ومُشغلى شبكات الهاتف المحمول وشركات بطاقة الائتمان، يتضمن الشمول المالى مجموعة جديدة من اللاعبين والممارسات التى لا تشترك فى التمويل الأصغر. بالإضافة إلى ذلك، مع زخم التنمية المستدامة، يمزج الشمول المالى بين المنطق المالى وفكرة العدالة الاجتماعية والمساواة. وبالتالى، إن حماسة الشمول المالى توجه التركيز بعيدا عن السؤال الأساسى حول مسئولية الأسواق المالية فى تفاقم عدم المساواة. شرط التحول وفى ضوء السعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، يجب على المنظمين وواضعى السياسات التأكد من أن الخدمات المالية القائمة على البيانات وابتكارات التكنولوجيا المالية ذات الصلة، لا تقود إلى هجين تنموى يضع قوة أكبر فى أيدى الجهات الفاعلة فى السوق المالية. لذا، يتطلب النظام المالى "المستدام" تغيير النظام التحويلى، وليس إلى تدابير إضافية تخفف فقط من أعراض الفقر من خلال تقديم الخدمات للفقراء كهدف بحد ذاته. لذلك، يجب أن تركز السياسات واللوائح الجديدة على احتياجات وحماية المستبعدين من النظام المالى، من خلال تبنى سياسات تزيد الفرص، وتقلل المخاطر التى يتعرض لها المجتمع.