لم تلبث الحرب التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين قد خفّت حدتها بعد رحيل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حتى اندلعت حربًا من نوع جديد تحت مسمى «العمل القسري»، حيث قررت واشنطن منع استيراد القطن من منطقة شينجيانج الصينية بناءً على تقارير مفادها أن الصين تستخدم عمالًا بالسخرة في مزارع ومصانع حلج القطن بتلك المنطقة، والتي تستحوذ على 85% من إنتاج القطن في الصين وهو ما يمثل ربع إنتاج العالم. الصين ردت على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها "هوا تشونيينغ" قضية "العمل القسري" مختلقة من بعض السياسيين الأمريكيين، بغرض تقييد الشركات الصينية وقمعها واحتواء التنمية في الصين، وأن ذلك ينتهك قواعد التجارة الدولية ومبادئ اقتصاد السوق، ويضرب سلاسل الصناعة والإمداد العالمية، ويضر بمصالح الشركات والمستهلكين من جميع الدول بما في ذلك الولاياتالمتحدة، مضيفة أن العمال من جميع القوميات في شينجيانج اختاروا العمل بمحض إرادتهم، ووقعوا طواعية عقودًا مع الشركات المنتجة للقطن وفقا لمبدأ المساواة، وأنه "لن يتم التمييز ضدهم بسبب الاختلافات في العرق والنوع والمعتقدات الدينية". كانت الحرب في هذا الإطار في نفس مستواها القديم، فبينما اعتبرت الصين استخدام القضايا المتعلقة بشينجيانج وسيلة للتدخل في شئونها الداخلية،لم تنفذ تهديداتها باتخاذ إجراءات لحماية حقوق شركاتها ومصالحها. حتى صعدت 11 علامة تجارية عالمية متخصصة في الملابس الأمر، وسارت على الدرب الأمريكي برفض استيراد "قطن شينجيانج" وتقلل من انتشار منتجاتها بمتاجرها في الصين، بعدها في مارس الماضي أعلنت دول الولاياتالمتحدة وكندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على مسئولين وشركات بالصين بتهمة ارتكاب انتهاكات تخص حقوق الإنسان. تلك التطورات جعلت الصين تنتفض حكومةً وشعبًا، فأعلنت الحكومة فرض عقوبات على شخصيات بريطانية ومنعتهم من دخول أراضيها، وأعلن 30 من النجوم والمشاهير بالصين مقاطعة تلك العلامات التجارية، وإيقاف عقودهم الإعلانية معها، وفي الصين لهؤلاء المشاهير سلطة كبيرة على المستهلكين أكثر من الحكومة نفسها، ويلعبون دور حاسم في التسويق للمنتجات هناك، من هؤلاء، مطرب البوب "إياسون شان" الذي يعيش في هونغ كونغ، الذي قال في حديث لجريدة "جلوبال تايمز" الصينية بالإنجليزية إنه "معارض بشدة لكل الأعمال التي من شأنها أن تلطخ سمعة الصين"، وعلى نفس المنوال سار "وانغ ييبو"، و"جاكسون وانغ"، و"تشانغ ييشينغ"، و"ديليريبا" وغيرهم، واللافت أن ثمة فنانين من أبناء أقلية الأويغور كانوا بين هؤلاء النجوم. كما هب المواطنون الصينيون بقيادة حملات مقاطعة على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية خصوصًا "سينو ويبو" و"ويتشات" مؤكدين أنهم ممتنعون عن شراء منتجاتها المختلفة من الملابس والأحذية والحقائب، حتى أن بعضهم بثوا مقاطع مصورة بالفيديو لعمليات إحراق أحذيتهم باهظة الثمن من نوع "نايكي". أيضًا منصات العملاقة للتجارة الإليكترونية مثل "علي بابا" و"تاوباو" أزالت منتجات تلك الشركات من قوائمها، كما قامت مواقع تكنولوجية مثل الموقع البحثي "بايدو" بإزالة نتائج البحث عن تلك العلامات وعرقلت إمكانية الوصول لمتاجرها بالصين عبر تطبيقات الخرائط تبعتها منصات توصيل الطعام والنقل من خدمة متاجر تلك العلامات، ورفضت مثلًا إحدى منصات توصيل الطعام توصيل طلب طعام للعاملين بأحد فروع علامة من تلك العلامات الإحدى عشر. باختصار نفذ الصينيون اغتيالا افتراضيا لتلك العلامات، وعزلوها عن الوصول للمستهلكين في الصين، لدرجة أن أهل مدينة "تشينغدو" عاصمة مقاطعة سيتشوان، أزالوا لافتة إعلانية لعملاق الملابس السويدي المعروف "H&M" من أمام أحد مولات التسوق الضخمة. وبالنسبة للحكومة كان موقفها بأن أعلنت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية سالفة الذكر، بأنهم "لن يسمحوا أن يأكل أحد الطعام الصيني وهو في نفس الوقت يحطم الأطباق الصينية. تلك الهجمة الشديدة على المستويين الشعبي والرسمي، كانت قاسية وكارثية على تلك العلامات، فالسوق الاستهلاكي الضخم في الصين المقدر ب1.4 مليار نسمة، يعطيها ميزة تفضيلية لدى كل العلامات التجارية، التي تستهدف اختراق ذلك السوق بشكل أكبر من أي سوق آخر بصفته الأضخم في العالم، فمثلًا تقول الإحصائيات إن مبيعات "نايكي" خلال الربع الأول من 2021 في الصين تجاوزت مبياعتها في أمريكا الشمالية كلها، ووفقًا لتقرير أصدرته شركة "بين أند كومباني" ديسمبر 2020، فإنه من المتوقع أن تكون الصين أكبر سوق للمنتجات الفاخرة في 2025، وأن الصين الوحيدة في العالم التي حقق سوقها نمو في شراء المنتجات الفاخرة خلال عام 2020 رغم تفشي الوباء بإجمالي تخطى 52 مليار دولار. الحملة الصينية التي يسميها البعض "قرصة الأذن" حققت مرادها على الأرض، وتراجعت تلك الشركات والعلامات التجارية عن إجراءاتها السابقة، مفضلة استمرار نمو مبيعاتها على السير مع التوجهات الغربية والحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان، حيث سارعت بإزالة تصريحاتها السابقة بخصوص "العمل القسري" من مواقعها الرسمية، وأعلنت شركات أخرى لم تكن في مرمى نيران الحملات الصينية بشكل استباقي أنها ستشتري منتجات القطن من شينجيانج، وروجت لذلك التوجه عبر وسائل التواصل الصينية.