ظلت مدينة الفسطاط عاصمة أولى لمصر الإسلامية منذ أن أسسها عمرو بن العاص عام 21م/ 641م، ولكن هذا الحال اختلف مع سقوط الدولة الأموية عام 132ه/750م. لقد كتبت موقعة الزاب عام 132ه /750م كلمة النهاية للدولة الأموية بعد سنوات من الدعوة السرية لبنى العباس، وعلى إثرها قامت القوات العباسية باجتياح دمشق عاصمة الخلافة الأموية، وتتبعت قواتهم آخر فلول بنى أمية التى فرت مع الخليفة الأمور مروان بن محمد إلى مصر، الذى حاول عبثًا أن يحرق بعض أحياء الفسطاط؛ للحيلولة دون تقدم قوات العباسيين، ولم تحُل تدابيره دون ذلك، وتمكنوا من قتله بقرية بوصير بالقرب من محافظة بنى سويف الحالية، ثم حملوا رأسه على رمح وطافوا به المدن؛ ليتأكد الناس أن الخلافة صارت لبنى العباس خالصة لهم من دون الناس. زهد قادة العباسيين فى سكن الفسطاط؛ بسبب الحريق الذى طالها على يد مروان بن محمد، أو لرغبتهم فى بناء مدينة جديدة لهم جريًا على العادة فى الشرق منذ قديم الزمان، هنا شمر القائد صالح بن علي بن عبد الله بن العباس عن ساعديه وبدأ فى إنشاء مدينة العسكر لتكون ثانى عواصم مصر بعد الفسطاط، وذلك فى عام 133ه /751م. لقد كان اسم المدينة فى الأصل "المعسكر" بحسب ما -أورد ابن عبد الحكم فى "فتوح مصر"، وقد حدد الأستاذ محمد بك رمزى مكانها في كتابه "القاموس الجغرافي للبلاد المصرية" موقع مدينة العسكر، حيث كانت تمتد على شاطئ النيل، يحدها جنوبا قناطر مجرى العيون حاليًا، وشمالا شارع مراسينا إلى ميدان السيدة زينب، وغربا شارع السد، وشرقا إلى موضع السيدة نفيسة حاليا. وفي ذلك المكان اتخذ العباسيون مساكنهم، وبنى صالح بن على دار الإمارة، ثم شيد ولده الفضل مسجد العسكر، وبمرور الوقت اتصلت العسكر بالفسطاط وأصبحتا مدينة واحدة كبيرة، خُطت فيها الشوارع وشيدت عليها المساجد والدور والبساتين. وعلى مدى 118 عامًا سكن العسكر 65 واليًا حكموا مصر باسم الخليفة العباسي، وصارت العسكر مركزا ظاهرا للمال والأعمال إلى أن قدم أحمد بن طولون وشيد مدينة القطائع لتكون عاصمة لمصر سنة 256ه/ 870م. وما زال أمر مدينة العسكر فى تراجع حتى لم يبق أثرا من هذه المدينة سوى اسمها وتخربت تماما فى عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله على إثر الشدة العظمى حيث سادت المجاعة ربوع مصر.