ما بين أزقة وحواري وجوامع وأسبلة وآثار، تجد التاريخ يُسطر قصصًا مختلفة تعبر عن حقب متعددة في قلب القاهرة التاريخية، ورغم هذا تجد بعضا من الفوضى والعشوائية التي طالت هذا الجمال طوال العهود الماضية، دون تدخل من أجهزة الدولة، لدرجة تهدد هذا التاريخ، وهو ما تداركته القيادة السياسية، وعلى رأسها الرئيس عبدالفتاح السيسي، فأصدر تعليمات بتطوير القاهرة التاريخية، وإعادتها لسابق عهدها وإحياء تاريخها الإسلامي والسياحي والأثري المعروف، وذلك لأهميتها كغيرها من المناطق التاريخية التي وجهت الدولة بإعادة تطويرها. حوار رئيس الوزراء: هذه التعليمات، تم تنفيذها على أرض الواقع، وكانت البداية بحوار مجتمعي، أجراه رئيس دولة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، مع أهالي المنطقة، وشاركه فيه عدد من قيادات الدولة والمواطنين وخبراء الآثار، واللواء خالد عبدالعال، محافظ القاهرة، ونائبه بالمنطقة الغربية اللواء إبراهيم عبدالهادي. تفقد "مدبولي" وكالة الغوري والمناطق المحيطة، مؤكدا الالتزام بالحفاظ على كافة مناطق القاهرة التاريخية التي تمثل كنزًا حضاريًا للدولة المصرية. كما أكد "مدبولي"، أن الدولة تستهدف تطوير المنطقة للحفاظ على ما بها من تراث معماري وحرف يدوية تشتهر بها، مع الاحتفاظ بمنازل الأهالي دون تركها بعد التطوير. هدف التطوير: أعلن رئيس الوزراء، خلال تفقده لشارع الخيامية ووكالة "رضوان بك"، أن الهدف من تنفيذ المشروعات المقترحة للتطوير، هو استعادة دور القاهرة كونها مدينة حية للتراث والسكن والثقافة، وهي في حاجة لاستعادة أفضل ما في تاريخها لتعود مركزا للإشعاع الحضاريّ والتاريخيّ والثقافيّ، ومقصدًا سياحيًا تاريخيًا، إلى جانب استعادة دورها كمركز للحرف والصناعات التقليدية واليدوية. حرف القاهرة التاريخية: تزخرمنطقة القاهرة التاريخية، بالحرف اليدوية كالخيامية والنحاسية وغيرهما، وهذا جعلها في عام 2018 تنضم لقائمة المدن الإبداعية لليونسكو. وخلال جولة رئيس الوزراء بشوارع منطقة "الخيامية" ووكالة "رضوان بك"، أجرى حوارًا مع العديد من أصحاب الحرف اليدوية، واستمع لمطالبهم، حيث إن المنطقة بها أسواق لكثير من الحرف اليدوية، وتطويرها سينعكس بالإيجاب على أصحاب هذه الحرف، خاصة بإعادة جذب السياحة. مخططات التطوير المقترحة استمع رئيس الوزراء، لشرح من أحد المتخصصين في الآثار الإسلامية والقبطية، حول تاريخ المنطقة، مستعرضًا مراحل تطوير القاهرة التاريخية والتي تضم (شارع المعز، ووكالة الغورية، وشارع الخيامية، والحسين وغيرها). وأكد المتخصص، أن المخطط المقترح لتطوير المنطقة، يتضمن إعداد برامج تدريبية للحرفيين للعمل على رفع جودة المنتجات الحرفية، إلى جانب السعي لإعداد أجيال جديدة للحرف اليدوية المختلفة، وفي الوقت نفسه توفير ورش تدريب لتلاميذ المدارس وطلبة الجامعات على الفنون والحرف اليدوية، وإنشاء مركز لتطوير التصميمات، يسهم في اقتراح تصميمات واستخدامات معاصرة لمنتجات الخيامية، إلى جانب وضع القواعد التي تضمن الحفاظ على جودة المنتج الحرفي، وكذلك العمل على فتح مجالات جديدة لتسويق تلك المنتجات الحرفية، سواء بالموقع أو عبر التسويق الإلكتروني أو عبر الروابط الدولية للتسويق، وتسجيل وتوثيق تراث الخيامية. مقترح آخر، قدمه استشاري للأحياء العمرانية لهذه المنطقة، خاصة فيما يتعلق بمناطق"باب زويلة وحارة الروم ومسجد الحاكم"، حيث أشار إلى أن هناك مشروعًا للتأهيل العمراني لمنطقة باب زويلة إلى حدود منطقة الدراسة، لافتا إلى أن المشروع يتضمن الدراسات الخاصة بالوضع الراهن من ناحية الهيكل العمراني، والحالة العامة للمباني بالمنطقة، والقيمة المعمارية لها. "منطقة الجمالية" : مدرجة ضمن التراث العالمي باليونسكو، وتضم منطقة الحسين، ومنطقة خان الخليلي، بالإضافة لعدد من البازارات والأسبلة، فهي غنية بالتحف والآثار، وبدأت محافظة القاهرة في التعاون مع أجهزة الدولة في تطوير أجزاء من القاهرة التاريخية، بدءا من أشهرها وهي منطقة "السيدة عائشة" ومحيط مسجد "المسبح"، حيث أنهت المحافظة إزالة كل مظاهر العشوائية، تمهيدا لتطوير المنطقة وما بها من آثار ومساجد تاريخية. ترميم المنازل: يشمل مخطط التطوير أيضا، ترميم البيوت التراثية والشوارع الواقعة فيها، فهناك ما يقرب من 35 بيتًا تراثيًا بالحجر، يتم إعادة تأهيلها، وتحسينها وصيانتها، مع دراسة تحسين واجهات جميع المباني المتبقية. "درب اللبانة": تم استعراض المسار السياحي والأثري والثقافي للمنطقة، حيث سيلحقها التطوير ضمن مخطط تطوير القاهرة التاريخية، ويتضمن مخططها، إعادة استخدام بعض المباني لتصبح مزارات سياحية وفنية ودينية، إلى جانب المسار التعليمي والثقافي الذي يشمل مركزاً لعرض الأفلام الوثائقية، فضلاً عن مناطق خدمات، ومسار آخر ترفيهي وتجاري وسكني، ومسار سياحي، ومسار للخدمات المجتمعية يحتوى على أسواق ومقاهٍ ومطاعم، ومنافذ بيع، وحديقتين ترفيهية وعامة، وأماكن انتظار للسيارات. منطقة الحطابة: بدأت محافظة القاهرة في إزالة عشوائيتها، حيث يقترح في تطويرها، ترميمها، وكذلك ترميم جزء من آثارها المملوكية والعثمانية، مع تطوير الورش الحرفية بها. وقف تراخيص البناء: أكد رئيس الوزراء، أن الدولة تبذل العديد من الجهود لحماية التراث، لعل أبرزها تزيين ميدان التحرير بمسلة فرعونية وعدد من الكباش. كما وجه "مدبولي"، محافظة القاهرة بوقف أي ترخيص لأعمال الهدم أو البناء في القاهرة التاريخية، بما في ذلك التراخيص التي تم إصدارها، داعيا الجميع إلى مساعدة الحكومة في إنقاذ ما تبقى من هذه المنطقة. أهالي القاهرة التاريخية: رحب أهالي المنطقة بمقترحات التطوير، ودعموا خطة الدولة والقيادة السياسية في الارتقاء بتلك المنطقة وما تحويه من درر تاريخية ممثلة في (أسبلة وجوامع وسراديب وغيرها). وأكد "مرزوق محمد"، من الأهالي، ل "بوابة الأهرام"، أنهم تخوفوا في البداية من إزالة منازلهم، عند بدء التطوير، لكن اجتماع دولة رئيس الوزراء بهم، طمأنهم، لافتا إلى أن الدكتور مصطفى مدبولي، أكد عدم خروج الأهالي من المنطقة، بل طمأن أصحاب الحرف اليدوية التي تشتهر بها المنطقة ببقائهم، مع تطوير تلك الورش. فيما أوضح "علي ممدوح" من الأهالي، أن أعمال التطوير تتضمن الحفاظ على المبانى الأثرية وذات القيمة، وإعطاء الأولوية لترميم المبانى التاريخية وإحياء النسيج العمرانى التاريخى للمنطقة، وتشجيع استخدام شوارع المنطقة التاريخية كممرات مشاة وإعادة تنظيم حركة المركبات وتوفير مناطق انتظار للسيارات، وإحياء الشخصية الاجتماعية والثقافية والحضارية للمنطقة من خلال تراثها. كما يشمل التطوير، - والكلام لا زال لعلي ممدوح- خلق محور يربط الشمال بالجنوب ويربط بين الحيز الجغرافى للقاهرة التاريخية،وإعادة تنظيم حركة سير المركبات على النطاق الأوسع من المدينة التاريخية مع تحسين شبكة الطرق وتوفير مناطق انتظار للسيارات مع الحرص على عدم تقطيع روابط المدينة القديمة بمحاور مرورية.