حالة من الشد والجذب تشهدها العلاقة بين الولاياتالمتحدةوإيران مؤخرًا، فرغم أن الرئيس الجديد جو بايدن تعهد خلال حملته الانتخابية بالعودة للاتفاق النووي الذي وُقع بين طهران ودول (5+1) عام 2015، والذي كان قد انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب، لم تشهد العلاقة تحسنًا رغم مرور أكثر من شهرين على تولي بايدن المسئولية، مما جعل الإيرانيون يواصلون التصعيد والتخلي عن آخر التزاماتهم بموجب الاتفاق ويرفعون درجة تخصيب اليورانيوم للحد الأقصى. التصعيد الإيراني تمثل في التصريحات التي صدرت من المرشد الأعلى أية الله على الخامنئي اليوم السبت، بمناسية العام الفارسي الجديد (عيد النوروز)، حيث أكد أن العام المقبل هو عام "الإنتاج والدعم وإزالة الموانع"، مضيفًا أن الحكومة بحاجة للتخلص من أي عقبات قانونية لزيادة الإنتاج والنمو في ظل معاناة الاقتصاد تحت وطأة العقوبات الأمريكية، وهي التصريحات التي قابلتها الإدارة الأمريكية بهدوء، مؤكدة على لسان جو بايدن إنها تتمنى أن يكون عيد النوروز رسالة سلام وازدهار وتفاهم.
وتواجه الولاياتالمتحدة والقوى الأوروبية الموقعة على الاتفاق مأزقا بشأن الطرف الذي يجب عليه العودة للاتفاق أولا، وهو ما يبدد احتمالات قرب رفع العقوبات الأمريكية التي كبلت الاقتصاد الإيراني، وذلك في وقت يتخذ غلاة المحافظين في طهران من تلك العقوبات سلاحًا ضد الرئيس حسن روحاني، وأن "سياسته في التواصل مع الأعداء كانت فاشلة"، وقد يضر عدم إحراز تقدم بشأن العودة إلى الاتفاق النووي بفرص اختيار شخصية معتدلة تخلف روحاني. رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، وهو أحد أجنحة المتشددين، زاد على ذلك بأن أكد اليوم أن خطط بلاده لتوسيع البرنامج النووي، أتت من أجل كسب مزيد من النفوذ خلال أي محادثات قد تتم مع الأمريكان، معتبرًا أن تشريع توسيع إنتاج اليورانيوم المخصب ووقف عمل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان "ورقة مساومة"، بحسب إذاعة "بي بي سي نيوز فارسي". وقال: "هذا القانون هو ورقة مساومة ويخلق المزيد من فرص الحوار ورفع العقوبات".
يقول الدكتور محمد محسن أبوالنور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية «أفايب»، إنه لا شك أن الملف النووي أحد ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية، وإيران تعتبره الرافعة السياسية الإستراتيجية لدورها في الإقليم بمعني أنها تستخدم الملف كورقة ثابتة منذ سنوات طويلة للحصول علي مكتسبات جيواستراتيجية واقتصادية من المجتمع الدولي.
وتابع أبوالنور في حديث خاص ل"بوابة الأهرام، أن «تصريح رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر، حول رفع نسبة التخصيب هي ورقة مهمة ورقة للضغط علي الولاياتالمتحدةالأمريكية»، كلام دقيق جدا، لأن إيران تريد أن تستخلص مكاسب كثيرة في أي مفاوضات مقبلة عن طريق رفع وتيرة التخصيب ليكون لديها ورقة تتفاوض بها مع الولاياتالمتحدة، أي أن إيران تريد تحسين شروط التفاوض المقبلة مع واشنطن من خلال استخدام ورقة التخصيب وتنصيب بعض أجهزة الطرد المركزية المتقدمة من طراز «IR-2m» في منشأة نطنز وفورد، وهذه التصريحات تنسجم مع السياسة الخارجية الإيرانية ويعكس أن الإيرانيين يريدون التوصل لاتفاق مع أمريكا ولكن ليس في ولاية الرئيس حسن روحاني. وأوضح أن إيران لن تستكمل البرنامج النووي إلي نهايته لان تعلم أن إنتاج القنبلة النووية أو امتلاك التقنية النووية العليا خط أحمر دولي وأوروبي وخط أحمر أمريكي بالتأكيد، فبالتالي لن تسعي إلي ذلك، لكنها تستخدم هذا الملف للحصول علي مكاسب سياسية من الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب وأيضا الحصول علي مكاسب تتعلق بالتوازن الجيواستراتيجي بين العسكريين الشرقي والغربي، لأن إيران تتفاوض مع الروس والصينيون لإمدادها ببعض المعارف النووية، مشيرا إلى أن الروس هم الذين أنشئوا وطوروا أغلب المفاعلات النووية في الأعوام العشرين الأخيرة وإيران تفعل ذلك لأنها تعرف أهمية تكنولوجيا التسليح بعد حرمانها من السلاح الغربي بعد الثورة والعقوبات الدولية بدأت الاتجاه للمعسكر الشرقي الذي هو مناوئ للمعسكر الغربي، وصواريخ السيلك وورم الصينية هي الصواريخ التي تعتمد عليها إيران تقريبا، وكل صواريخ الدفاع الجوي صواريخ روسية الصنع أصلا أو تكنولوجيا روسية، وإيران تستخدم الملف النووي لإحداث شكل من الأشكال الحاجة الروسية والصينية إليها بحكم موقعها الجيواستراتيجي المهم عند مضيق «هرمز» وفي الخليج العربي.
وأضاف أن الإدانات الدولية أو الغربية لن تجعل إيران تمضي قدما في امتلاك التقنية بالوتيرة السريعة ولكن لن تبطئ من خطوات التصعيد في هذا الملف حتى تجلس واشنطن علي الطاولة بدون شروط، لأن الإيرانيين يريدون ثلاثة أشياء من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي «العودة إلي الاتفاق النووي الذي يعرف رسمياً بخطة العمل الشاملة المشتركة الذي أقر في يوم 15 يوليو وتم التصديق عليه يوم 20 يوليو في مجلس الأمن وفقا للقرار الأممي رقم 22/31، ورفع كل العقوبات والجلوس علي الطاولة بدون شروط مسبقة»، لأن إيران تعرف أن أي شروط مسبقة يعد خصم استراتيجي كبير وإضعاف لموقفها التفاوضي، والدبلوماسي الإيراني يعلم أن أي شرط مسبق توافق عليه إيران من جانب أمريكا فأنها قد توافق أو تضطر إلي الموافقة علي شروط تعجيز علي الطاولة مثل«إشراك حلفاء إقليميين إسرائيل والإمارات والسعودية، أو التخلي عن برنامجها الصاروخي الباليستي وهو خط أحمر إيراني، أو تحجم إيران دورها الإقليمي في لبنانوالعراق واليمن وسوريا وجنوب فلسطين»، فإيران تريد أن تذهب لطاولة المفاوضات بدون شروط مسبقة وهذا يجعلها تسرع من وتيرة البرنامج الإيراني وهذا لامسناه في خطاب المرشد الإيراني الذي ألقاه بمناسبة رأس السنة الإيرانية الذي يبدأ في 21 مارس من كل عام.
أما الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فيقول إن إيران لن تتقدم كثيرا في الملف النووي وزيادة عن 20% كما أعلنت مسبقا لإحداث فارق في المفاوضات مع واشنطن، ولكن لكي تحدد ذلك ثلاثة جوانب وأهمها «الضغوطات الداخلية وتجدد التظاهرات وقرب الانتخابات الإيرانية مع قرب انتهاء ولاية الرئيس حسن روحاني»، خاصة مع استمرار النهج الإيراني على حاله في إدارة الملف النووي، مع وجود صراع داخلي بين التيارات الثلاثة الإيرانية وهي «المحافظين المراهنين، والإسلاميين، والحرس الوطني».
ومن المتوقع عدم وجود أي فرص حقيقية للتقارب العملي إلا بعد إجراء الانتخابات الإيرانية، حيث ينتظر الجانب الأمريكي حدوث مفاجآت في إدارة المشهد السياسي الداخلي في إيران، وربما قواعد اللعبة السياسية بأكملها، خاصة مع استمرار الهجوم الإعلامي الإيراني على الولاياتالمتحدة.
وأضاف «طارق»، أن الإدارة الأمريكية، وضعت شرط تقديم معلومات كاملة حول البرنامج النووي الإيراني شرطًا أساسيًا لبداية جديدة لبدء المفاوضات مع إدارة الرئيس جو بايدن، ورفض واشنطن الالتزام الكامل، والمسبق بالاتفاقية النووية الموقعة عام 2015، وهو ما يجب ضمانه من قبل إيران قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو 2021، لأنه من الممكن أن يأتي الرئيس الجديد من صفوف المتشددين المحافظين المراهنين على المواجهة مع الولاياتالمتحدة.
وتابع طارق فهمي، أن مطالب الإيرانيين تتلخص في رفع العقوبات عن إيران ورفع الحظر عن المنظمات الإيرانية بالإضافة لرفع أسماء المدرجين علي قائمة الإرهاب الأمريكية، ويعد ذلك مجرد مراوغة من إيران.
وأضاف أن استطاعت إيران التقدم في برنامجها النووي المعلن عنه وهو 20% إلي 80% أو 90% من تخصيب اليورانيوم، ستكون قادرة على صنع قنبلة نووية في غضون عامين تقريبا، ولهذا فإن إيران تريد التفاوض لإدخال تعديلات على الاتفاق النووي قبل العودة للتقيد ببنوده، وأنها توظف قدرات أذرعها الوكيلة على غرار حزب الله في لبنان، وعناصرها في سوريا، إضافة إلى حلفائها في العراق واليمن وغزة، للضغط على الإدارة الأمريكية.
تبقى، في المقابل، الإشارة إلى أن الموقف الأمريكي يستند إلى مرتكز رئيسي يرى أن الخطوة الأولى لابد أن تأتي من جانب طهران، إذ رد الرئيس الأمريكي جو بايدن على سؤال هل سترفع الولاياتالمتحدة العقوبات أولاً كي تعيد الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات؟ أجاب بالنفي "لا"، وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد عبر أيضاً عن نفس الموقف بتأكيده أنه في حال إذا أرادت إيران العودة للالتزام بواجباتها التي يفرضها الاتفاق النووي سوف نفعل الأمر نفسه، وبعدها ستعمل أمريكا مع الحلفاء والشركاء في محاولة التوصل لاتفاق أقوى وأطول أمداً يشمل بعضاً من القضايا الأخرى.
وربما يكون المخرج الحقيقي للموقف الحالي بين الولاياتالمتحدةوإيران هو خطوات تدريجية متزامنة من الجانبين، وهو ما عبرت عنه الخارجية الروسية أيضا عندما حذرت إدارة الرئيس بايدن من المماطلة في رفع العقوبات عن طهران، مع الإقرار باستحالة رفعها دفعة واحدة، إضافة إلى دعوة إيران إلى التحلي بضبط النفس بعدما بدأت بإنتاج اليورانيوم، في محاولة واضحة لزيادة الضغط على إدارة الرئيس جو بايدن لتقديم تنازلات جديدة مع إصرار كل طرف على أن يتحرك الآخر أولاً.