تعددت أزمات المحكمة الدستورية منذ أحيلت إليها دعوى بطلان نصوص الثلث الفردي من قانون انتخابات مجلس الشعب، الذى تم انتخابه بعد ثورة يناير، وكان يتمتع فيه الإخوان بالأغلبية، حيث حاول هذا المجلس قبل حله أن يعدل قانون المحكمة الدستورية، ويعصف بها قبل أن تعصف به، إلا أن قضاة المحكمة هبوا ووقفوا ضد تلك المحاولة، مما جعل المجلس المنحل يتراجع عن الخطوة معتقدا أن رسالته -التي قصدها- بالضغط على المحكمة قد وصلت. إلا أن أزمات المحكمة توالت تباعا منذ أن حكمت بحل مجلس الشعب فى 14 يونيو الماضى، وعصفت بأول قرار للرئيس مرسي ابن الجماعة، ورئيس حزبها بعودة المجلس 10 يوليو الماضى. وحاولت "الإخوان" الإفلات أو التحايل على حكم المحكمة الدستورية بحل المجلس وفشلت، ولم يجد الإخوان بد من التسليم بالأمر الواقع والاضطرار إلى اعتبار المجلس الماضي منعدما، وجاء الحل لعدم تكرار المأزق من خلال مشروع الدستور الجديد، الذي تضعه الجمعية التأسيسية "ذات الأغلبية الإخوانية والسلفية"، بأن تجعل اختصاصات المحكمة في هذا الدستور هي والعدم سواء، أي أنها لا تعبتر موجودة من الأساس. وضعت الجمعية التأسيسية في مسودة الدستور الجديد نصوصا تحول المحكمة الدستورية من محكمة ضمانات دستورية، أي تراقب مدى تطابق القوانين مع الدستور، إلى "محكمة ديكورية"، فالمحكمة التي تعتبر أحكامها حاليا ملزمة لجميع سلطات الدولة، بما فيها رئيس الجمهورية، وملزمة لجميع المحاكم الأخرى من القضاء المدني والجنائي وقضاء مجلس الدولة، وفي ذلك ضمانة كبيرة لدولة القانون والدستور وحماية للجميع أفراد وسلطات، فإن المواد التي تم وضعها بمسودة الدستور الجديد تنسف هذا تماما. النصوص الجديدة بمسودة الدستور تجعل المحكمة لا تملك حتى أن تقول لمجلس الشعب إنه خالف الدستور في أى قانون، حيث إن هناك نصا مقترحا بجعل رقابة المحكمة على القوانين قبل إصدارها فقط، ولا يحق لها الرقابة بعد ذلك، ودون أن يلتزم مجلس الشعب بما تبديه من ملاحظات، ولا يمكن للمحكمة ممارسة رقابة لاحقة على القوانين لمعرفة مدى التزام مجلس الشعب بما قالته، ومن ثم لا يمكن لأي مواطن أن يطعن على أي قانون أمام المحكمة الدستورية، حتى وإن كان بهذا القانون انتهاك صارخ للدستور، وبالتبعية لا يمكن للمحكمة أن تقضى ببطلان مجلس الشعب أو الشورى حتى وإن كان انتخابهما تم على أساس قوانين باطلة. النصوص الموضوعة بمسودة الدستور الجديد تجعل المحكمة أيضا أداة في يد رئيس الجمهورية، حيث تجعل تعيين قضاتها ورئيسها من اختصاصات الرئيس، ومن ثم ربما لا يجرؤ القاضي الذي عينه الرئيس -وأصبح كأي موظف حكومي- أن يوقف تنفيذ أي قرار مخالف للدستور يصدره هذا الرئيس. هذه النصوص أيضا تجعل المحكمة جهة قضائية تابعة للمحاكم الأخرى، بدلا من كونها حاليا هيئة قضائية مستقلة بنفسها، بل وستقوم محاكم النقض ومجلس الدولة والاستئناف باختيار قضاة المحكمة الدستورية، وبالطبع لا تملك المحكمة الدستورية هنا أن تلزم أي من تلك المحاكم بما تصدره من أحكام. لهذا خرج قضاة المحكمة الدستورية اليوم للرأي العام في مؤتمر صحفي لإعلان رفضهم التام لجميع المواد المتعلقة بالمحكمة الدستورية في الدستور الجديد، لأنها في الحقيقة تلغي المحكمة ولا تجعل لها أي تأثير في الحياة. وكما علمت "بوابة الأهرام" فإن هؤلاء القضاة الذين خرجوا اليوم لإعلان رفضهم لمحاولة إلغاء المحكمة الدستورية بالدستور الجديد، أغلبهم سيحالون للتقاعد قريبا، ومن ثم فهم ذاهبون وتبقى المحكمة الدستورية، التي هي ملك الشعب والحارس على دستوره، فإما أن نجعلها حارسا أعمى وأبكم وأصم، أو نحرص على جعلها حارسا حقيقيا ضد كل من يحاول انتهاك الدستور أبو القوانين وحامى الدولة الأول.