د. مصطفى جودة تحوي المادة الأولى للدستور الأمريكي إمكانية عزل الرئيس الأمريكي ونائبه وحكام الولايات والقضاة الفيدراليين طبقًا للنص: سيعزل الرئيس الأمريكي ونائبه وكل المسئولين المدنيين من وظائفهم فى حالة ارتكابهم الخيانة أو الرشوة أو الجرائم الكبرى والجنح. عملية العزل هى الخطوة الأولى، وهى من حق مجلس النواب طبقا للدستور الأمريكى وتتطلب مجرد الأغلبية حتى ولو بصوت واحد. ترسل نتيجة موافقة مجلس النواب ونص مواد العزل التى وافق عليها المجلس (قد تكون مادة واحدة أو بضع مواد),بعدها الى مجلس الشيوخ لإجراء محاكمة الرئيس بحيث يصبح المائة عضو بمجلس الشيوخ محلفين وفى الغالب يرأس رئيس المحكمة العليا أو سيناتور من حزب الأغلبية بمجلس الشيوخ المحاكمة ويمثل مجلس النواب الادعاء فى تلك المحاكمة. ويمثل الدفاع مجموعة المحامين عن الرئيس. تجرى المحاكمة ويمكن خلالها استدعاء شهود وتستمر أياما يعقبها التصويت. تتطلب إزالة الرئيس من السلطة موافقة 67 سيناتورا أى ثلثى المجلس وهو ما يطلق عليه الأغلبية السوبر. حدثت هذه العملية أربع مرات عبر التاريخ الأمريكى. الأولى عزل الرئيس أندرو جونسون عام 1868، والثانية عزل الرئيس بيل كيلنتون عام 1998، والثالثة العزل الأول للرئيس ترامب عام 2019، والرابعة العزل الثانى للرئيس ترامب عام 2021. كان هناك احتمال حالة خامسة عام 1974 للرئيس نيكسون فى أثناء فضيحة ووترجيت، غير أنه قدم استقالته ولم يعزل أو يحاكم. بالنسبة للأربع حالات الأولى أجريت المحاكمة فى مجلس الشيوخ ولم يدن أى منهم نتيجة عدم تحقيق السوبر أغلبية. تمت موافقة مجلس النواب على عزل الرئيس ترامب ثانى مرة بتاريخ 13 يناير 2021، نتيجة اتهامه بأنه كان المحرض على عملية اقتحام مبنى الكابيتول فى السادس من يناير 2021. تم التصويت على عملية العزل بموافقة 232 نائبا واعتراض 197 وأرسلت مادة اتهام واحدة بهذا الخصوص لمجلس الشيوخ ملخصها أن الرئيس ترامب ارتكب جرائم كبرى وجنحا بتحريضه وحثه على العنف ضد الحكومة الأمريكية، وادعاءاته الزائفة المستمرة وجود عملية تزوير للانتخابات الرئاسية قبل عملية اقتحام الكابيتول والتى كررها يوم السادس من يناير أثناء خطاب له لمؤيديه طلب منهم فيه أن يقاتلوا بشراسة من أجل وطنهم، وأن يتوجهوا للكابيتول حيث يجرى اجتماع مشترك لكل من مجلسى النواب والشيوخ لاعتماد نتائج الانتخابات. بدأ قائد مجموعة الإدعاء حديثه بقوله إن الأدلة ستثبت أن الرئيس السابق ترامب لم يكن بريئا، وستثبت بجلاء أنه حرض على تمرد السادس من يناير، وستثبت أيضا تحول ترامب من القائد الأعلى الى المحرض الأعلى على التمرد. عقبها تم عرض أفلام وفيديوهات جديدة تثبت تورط ترامب فى الترتيب والتخطيط لعملية الاقتحام، والتى لم تكن عفوية شملت تلك الفيديوهات تكسير الأبواب والشبابيك واقتحام المبنى بعنف واعتداء المقتحمين على رجال الأمن والتسبب فى قتل خمسة من الأمريكيين. إضافة إلى نصبهم مشنقة لإعدام نائب ترامب الذى اتهموه بالخيانة. ولولا التوفيق والحظ فى سرعة تخبئة النواب ونائب الرئيس لحدثت مذبحة كبيرة. كما ركز الادعاء على أنه ليس هدف المحاكمة حرمان ترامب من الترشح فى الانتخابات القادمة 2024، وأن خشيتهم أن يترشح فعلا فيخسر مرة أخرى ويرتكب الفعلة نفسها ويكرر هو وأتباعه عملية الاقتحام مرة أخري. فى اليوم الخامس تم التصويت على الإدانة وكانت النتيجة 57 صوتا أدانوه مقابل 43 معارضا. من هذه الأصوات 7 ينتمون للحزب الجمهورى والخمسون الآخرون من الحزب الديمقراطى. كانت حجة الكثيرين الذين صوتوا ضد إدانة ترامب أنه لم يعد رئيسا وأن محاكمته غير دستورية. نتيجة هذا الحكم تعنى أن الأغلبية السوبر المطلوبة لم تتحقق، وأن محاولة منع ترامب من عدم الترشح مرة أخرى لم تنجح. عندما سئل محامى ترامب عقب إدلائه بدفوعه عن مدى معرفة الرئيس ترامب أن نائبه مايك بنس يتم إخلاؤه وإخفاؤه وحمايته من المقتحمين الذين كانوا يبحثون عنه لشنقه لأنه خذل الرئيس باعتماده نتائج انتخابات الولايات ولم يطع رغبات الرئيس فى إلغائه ذلك. أجاب المحامى بأنه لا يعرف شيئا عن هذا الأمر. غير أنه حدثت مفاجأة بهذا الخصوص عندما ذكرت نائبة جمهورية فى مجلس النواب أن مشادة حدثت بين كيفن ماكارثى زعيم الأقلية الجمهورية فى مجلس النواب وبين ترامب عندما طلب ماكارثى من ترامب فى محادثة تليفونية بينهما «أن يأمر المقتحمين بالرحيل عن الكابيتول لأن نائبه بنس وأعضاء مجلسى النواب والشيوخ فى خطر محدق. عندها أجابه ترامب ولماذا أفعل ذلك فهؤلاء المقتحمون يهتمون بالانتخابات أكثر منك ومنهم. عندها غضب ماكارثى وأجاب ترامب: الى من تظن أنك تتحدث بحق الجحيم». هذه كذبة كبرى من المحامى الذى أقسم بأنه سيقول الحق، إضافة الى كونها أيضا تمثل جريمة كبرى من قبل الرئيس حينها والذى يمثل الدفاع عن حماية الدستور وكل الأمريكيين. السؤال الملح الآن:ماهو المتوقع فى الأيام القادمة بعد عدم إدانة ترامب؟. كثيرون من الحزب الجمهورى يخافون أن ينهار الحزب الجمهورى وأن ينجح ترامب فى خلق حزب يضم كل المتعصبين والعنصريين فى أمريكا وأن ينتج نتيجة ذلك صراع مستدام وفوضى عارمة وربما حرب أهلية قد تفكك أمريكا. سيحدث أيضا مطاردات قانونية لترامب ومطالبته بتعويضات ضخمة وغرامات مستحقة وضرائب لم تدفع مما قد يجعله يشعل النار فى البيت الأمريكى التماسا للنجاة وخصوصا أن أتباعه دائما فى انتظار أى إشارة منه. شخص مايكل بيسكلوس أحد المؤرخين البارزين للرؤساء الأمريكيين الأمر كله بأن الأجيال القادمة ستدفع فاتورة إخلاء طرف ترامب وتبرئة ساحته من اقتحام الكابيتول والتمرد الذى قام به أنصاره بإيعاز منه.