احتفلت هوليوود خلال الأيام الماضية، بالعيد ال 94 لميلاد الفنان الأمريكى المخضرم سيدنى بواتييه، الذى تصفه مجلة « فاريتي» الفنية الأمريكية فى تقريرها الاحتفالى عنه، بأنه نال كل جائزة يمكن لفنان أن يحوزها، من «الأوسكار» إلى «الجولدن جولب»، وغيرهما الكثير. وجاءت تكريمات بواتييه، الذى حل عيد ميلاده فى يوم 20 من فبراير الجاري، اعترافا بالأثر العظيم الذى أحدثه الفنان الكبير على صناعة السينما الأمريكية والعالمية، والأهم الأثر الذى أحدثه فيما يتعلق بالاعتراف بمهارات السود فى مختلف المجالات، وتحديدا المجالات الإبداعية، التى كانت الهيمنة فيها للرجل الأبيض. فقد كان بواتييه أول اسود يفوز بجائزة أفضل ممثل فى «الأوسكار»، وذلك عن دوره فى فيلم « زنابق الحقل» الصادر عام 1963، ولكن رغم مرور قرابة ال 60 عاما على أوسكار بواتييه، مازال غياب التنوع وممارسات العنصرية ضد السود فى قطاعات السينما والترفيه، قضية القضايا فى القرن ال 21. صحيح أن بعض الإنجازات قد تحققت من وقتها، ولكن يبدو أنها ليست كافية. فعندما اضطلع بواتييه ببطولة فيلم « لا سبيل إلى الخارج» 1950، كان عدد الممثلين السود الذين لعبوا أدوار البطولة السينمائية محدودا للغاية. كما أن بواتييه نجح وقتها فى جذب اهتمام المشاهدين، بشكل لم يسبقه إليه أحد من النجوم السود، بفضل صوته القوى المؤثر، ولكنته التى تحمل عبق جزر الباهاما، ولكن الأهم، كان حضوره الذى يفيض بالثقة والاعتداد بالنفس. وبعد عامين من «زنابق الحقل»، تأكد إنجاز بواتييه، عندما صدرت «فاريتي» عام 1965 بعنوان تاريخى يقول : « إما بواتييه أو لا»، مشيرة فى تقريرها، إلى أن الاستوديوهات تتجنب تقديم الحبكات السينمائية ذات الطبيعة العرقية، إلا إذا كانت ببطولة بواتييه. كان هو خير وسيط بين صناعة متهمة بالتحيز والعنصرية، وبين جمهور الستينيات، الذى بدأ تطلعه نحو مجتمع أكثر تنوعا وأكثر احتراما لجميع فئاته. وفى عددها الصادر بتاريخ الثالث من يناير 1968، خرجت «فاريتي» بعنوان حاسم: «بواتييه أكبر نجوم السينما لهذا العام، بيض وسود»، وذلك بعد تحقيق أفلامه الثلاثة فى 1967: «فى دفء الليل»، و«إلى المعلم، مع الحب»، و«خمن من سيأتى إلى العشاء»، مبلغ 750 ألف دولار لكل منهما. ولكنها لم تكن الأرباح وحدها، فتقرير «فاريتي» الاحتفالي، يواصل استعراض أرشيف بواتييه على صفحاتها، مشيرا إلى ما ورد بشأن النجم الكبير، فى مقال نشرته عام 1968، على أنه «مزيج من الذكاء والقيادة وخفة الظل والإغواء الشقي». واستعرضت «فاريتي» وقتها، كيف كانت مخاوف بواتييه من المشاركة فى فيلم « بورجى وبيس»، العمل الموسيقى الذى تم طرحه عام 1959، لكونه قد يظهر معاديا للسود. ولكن بواتييه شارك فى « بورجى وبيس»، ونجح تدريجيا على مدى العقد التالي، فى إظهار العمق وما يعرف ب «الأبعاد الثلاثية» فى شخصية الرجل الأسود على الشاشة، وهو ما كان غائبا من قبل. ثم بدأ بواتييه يواجه معضلات أخرى، فقد كان يتم التندر بأن أدواره تغلب عليها «المثالية» المبالغ فيها، وهى التهمة التى لاحقت دوره كحبيب لفتاة بيضاء فى «خمن من سيأتى للعشاء؟» ولكن فى سياق السخرية، قد تغيب بعض الحقائق المحورية، مثل أن قبل ستة أشهر من طرح الفيلم، كان الزواج بين الأعراق مازال غير قانونى فى ثلث ولايات أمريكا، ما جعل الفيلم بمثابة خطوة حقيقية فى سبيل الانفتاح. أما فيلمه « فى دفء الليل»، فقدمه كمحقق فى جريمة قتل، يواجه العالم بقدر كبير من اعتداد يستحقه بفضل ذكائه وإتقانه عمله. وفى أحد مشاهد الفيلم، يقوم رجل أبيض بمواجهته وصفعه، ليرد بواتييه، أو شخصية فيرجيل تيبس التى يلعبها، برد الصفعة بصفعة أقوى لتحدث صدمة فى أوساط الجمهور، والبعض استقبل المواجهة بكثير من الارتياح، لكونها مؤشرا على التغيير وحق السود فى رد الصفعة صفعات. حقق بواتييه الكثير من الإنجازات، ولكن يؤكد صناع الترفيه والسينما فى أمريكا، أن الإنجاز لم يتم بعد وبقى على إتمامه كثير من الخطوات. فى مشهد من «سيأتى للعشاء ؟»