وزارة المالية تعلن عن وظائف جديدة (تعرف عليها)    هذا أنا مذكرات صلاح دياب: حكاية جورنال اسمه «المصرى اليوم» (الحلقة الثالثة)    المستشار عبد الرزاق شعيب يفتتح صرحا جديدا لقضايا الدولة بمدينة بورسعيد    زيادة كبيرة ب920 للجنيه.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الارتفاع التاريخي    تباين في أسعار الخضروات بأسواق مطروح.. والبامية والليمون تكسران حاجز ال 80 جنيهًا    أرباح إيسترن كومبانى تنمو 36% خلال 9 أشهر.. بدعم 27 مليار جنيه إيرادات    تويوتا RAV4 موديل 2026 تعتمد على نظام السيارة الهجينة القابلة للشحن    بعد استهداف الوفد الدبلوماسي، كندا تستدعي السفير الإسرائيلي وتطالب بالمحاسبة    تحركات أوروبية ودولية تجاه غزة.. خبراء ل "الفجر": الدعم رمزي والمطالبات بتفعيل الضغط على إسرائيل    بعد تأهل توتنهام.. 3 فرق إنجليزية تضمن المشاركة في دوري أبطال أوروبا    ميدو يكشف تطورات أزمة الزمالك وعبدالله السعيد.. ويوجه رسالة ل إمام عاشور    «استمرار الأول في الحفر حتى خبط خط الغاز».. النيابة تكشف مسؤولية المتهم الثاني في حادث الواحات    بالأسماء.. مصرع وإصابة 4 طلاب في حادث تصادم موتسكلين| صور    ضبط 7 عمال أثناء التنقيب عن الآثار بمنزل في سوهاج    ننشر أسماء المصابين في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالعريش في شمال سيناء    سامر المصري: غياب الدراما التاريخية أثَّر على أفكار الأجيال الجديدة    محافظ الدقهلية: 1522 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية ابو ماضي مركز بلقاس    إجراء طبي يحدث لأول مرة.. مستشفى إدكو بالبحيرة ينجح في استئصال رحم بالمنظار الجراحي    رئيس جنوب أفريقيا: نرحب بالاستثمارات الأمريكية ونتوقع زيارة من ترامب    القبة الذهبية Vs القبة الحديدية.. مقارنة بين درعي حماية أمريكا وإسرائيل من الصواريخ    بأجر كامل.. تفاصيل إجازة امتحانات العاملين في قانون العمل الجديد    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بأسبوع المطبخ التركي    الهلال يتمم المقاعد.. الأندية السعودية المتأهلة إلى دوري أبطال آسيا للنخبة    الدوري الأوروبي، مدرب مانشستر يونايتد يكشف أسباب الخسارة أمام توتنهام    الاقتصاد الأخضر نحو الاستدامة (ج1)    نشرة التوك شو| لا توجد أوبئة للدواجن في مصر وافتتاح أكبر سوق جملة أكتوبر المقبل    «تعليم القاهرة» تنشر نموذج امتحان مادة الهندسة المستوية للشهادة الإعدادية 2025    اليوم.. انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل بالمحافظات    توقعات حالة الطقس اليوم الخميس    بعد صدور لائحته التنفيذية.. عقوبة اصطحاب كلب دون ترخيص    استشهاد 5 فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي على "جباليا" شمال غزة    مسلم ينشر صورًا جديدة من حفل زفافه على يارا تامر    كندا تطالب إسرائيل بتحقيق معمّق في واقعة إطلاق النار على دبلوماسيين بالضفة الغربية    مراسم تتويج توتنهام بلقب الدوري الأوروبي للمرة الثالثة فى تاريخه.. فيديو وصور    محافظ الغربية يُشيد بابنة المحافظة «حبيبة» ويهنئها لمشاركتها في احتفالية «أسرتي.. قوتي».. صور    باختصار.. أهم الأخبار العربية والعالمية حتى الظهيرة.. العالم يدين إطلاق الجيش الإسرائيلى النار على الوفد الدبلوماسى بجنين.. وحظر تصدير الأسلحة إلى الاحتلال والتهدئة فى الهند وأوكرانيا والتفاوض مع إيران    لحظة وصول بعثة بيراميدز إلى جوهانسبرج استعدادا لمواجهة صن داونز (صور)    في الجول يكشف آخر تطورات إصابة ناصر ماهر    بعد مطاردة بوليسية.. ضبط سيارة تهرب 8 آلاف لتر بنزين قبل بيعها في السوق السوداء بدمياط    حريق هائل في مطعم مأكولات سورية بالإسكندرية وإنقاذ 10 طلاب داخل سنتر مجاور    الهلال ينجو من خسارة جديدة في الدوري السعودي    "من أجل المنتخبات".. ورش عمل لتطوير مسابقات الناشئين 24 و25 مايو    كيف تغلبت ياسمين صبري على التصميم الجريء لفستانها في مهرجان كان؟ (صور)    عادات المليونيرات.. 4 مفاتيح مالية يتجاهلها معظم الناس (تعرف عليها)    ياسمين صبرى فى العرض الخاص لفيلم the history of sound بمهرجان كان السينمائى    28 يونيو.. ماجدة الرومي تحيي حفلا غنائيا في مهرجان موازين بالمغرب    أسماء بنات على «فيسبوك» توحي بالثقة والقوة.. تعرف عليها    اليوم.. العرض المسرحي "العملية 007" على مسرح قصر ثقافة بورسعيد    كيف كان مسجد أهل الكهف وهل المساجد موجودة قبل الإسلام؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل به شبهة ربا؟.. أمين الفتوى يحسم حكم البيع بالتقسيط وزيادة السعر (فيديو)    وزير الزراعة يرد على جدل نفوق 30% من الثروة الداجنة في مصر    وزير الزراعة يحسم الجدل حول انتشار وباء الدواجن في مصر    محافظ الدقهلية: 1522 مواطنا استفادوا من القافلة الطبية المجانية ب«بلقاس»    كواليس خروج مسمار 7 سم من رأس طفل بمعجزة جراحية بالفيوم -صور    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محفوظ وماركيز وجويس.. أحلام هؤلاء المبدعين
نشر في بوابة الأهرام يوم 19 - 02 - 2021

الأحلام الكبيرة فى مجال الإبداع قد تتحقق بنضج الموهبة، والوعي، والدأب. وقد تتضاءل بالممارسة فلا تفصح عن المعنى الذى تصوره الكاتب. أما الأحلام الصغيرة فتظل فى دوائرها المحدودة، وقد لا تتحقق.
ولعل المعنى الذى يربط بين كتابات هؤلاء المبدعين هو المغايرة، الكتابة على نحو لم تألفه الرواية فى العالم، إطلاق الخيال دون ضوابط ولا كوابح تقيد الواقعية، ولا تتيح لها حرية الحركة، واتخاذ المواقف، والإفادة من الخيال فى صياغة رؤى وذكريات وتصورات، وما تتيحه الموهبة من القدرة على الاستعادة والتشكيل. كانت «دون كيخوته» من البدايات الروائية المهمة التى ظلت حلماً لسرفانتس فى انشغاله بإبداعات أخري، قبل أن تلح فى طلب النور. وكان فلوبير يحلم بأن يؤلف كتابًا عن لا شيء، وإن جاء كتابه عن كل شيء. ولعلى أشير إلى «أوليس» جيمس جويس. إنها تبدو استثناءً وتفردًا بين أعمال جويس، ليس لحجمها فحسب، وإنما لقيمتها الفنية الاستثنائية .
وتخيل الأوروجوانى خوان كارلوس أونيتى (1909 - 1994 ) مدينة يتحرك فيها العديد من الشخصيات والأحداث الروائية. وثمة المدينة المتخيلة «دكوما» التى تمنى كتابتها خوان رولفو. وطالما اعتزم همنجواى أن يكتب قصة عن كل شيء يعرفه. وعندما رفعت المدرسة الحديثة فى 1917 شعار «لا للتقليد والمحاكاة.. نعم للأصالة والمعاصرة» كانت تعنى الخروج من شرنقة القديم إلى براح الجدة والحداثة. بل إن نجيب محفوظ قدم لنا - قبل أن يودع الحياة - » أحلام فترة النقاهة«، وهى الأحلام التى شغلت باله - خيالًا أو واقعًا - عقب محاولة اغتياله فى أواسط التسعينيات.
وللكاتب التركى إسماعيل قدرى قصة بعنوان« الكتاب العظيم »، لخص صديق الراوى ما يشغله بأنه مشروع أضخم من اللازم، ويحتاج إلى جهد معرفى وإبداعى فوق الطاقة، يتخيل فناء الكرة الأرضية لسبب ما، يختفى كل البشر، لا يبقى سوى شخص واحد، يرى أن عليه أن يتحدث عما كان، عن صورة الحياة على الكرة الأرضية قبل أن تدين للفناء، يروى الحكاية من بداياتها، ميلاد الخليقة، وتوالى الأنبياء والزعماء والقادة والمفكرين والمبدعين والعلماء والأقوام والأديان والحروب والاختلافات السياسية والأمراض والأوبئة والفنون والمخترعات.
كان الصديق يثق فى إمكان تأليف كتابه الشامل كما سماه يحفزه إلى تأليفه أن البشرية فى حاجة إليه. ولأن الصديق فيما يبدو أدرك طول الفترة منذ بدء الخليقة، فقد قرر أن يقصر جهده على فترات التاريخ المكتوب. لكن طموح الرجل دفعه إلى مجاوزة ما كان قد اعتزمه باختزال الفترة الزمنية للكتاب الشامل، بدأ منذ إنسان «النانيدرنال» إلى الزمن الحالي، جعل لكل مائة ألف سنة مائتى صفحة، ولكل ألفية صفحتين، وبذلك صار التاريخ المعروف للبشرية فى ثمانى صفحات، وحصل تاريخ القرن العشرين على خمسة أسطر.
مع أن كمال عبد الجواد فى ثلاثية نجيب محفوظ [أذكرك بقول الفنان: أنا كمال عبدالجواد]، حاول الحصول على موافقة أبيه بالالتحاق بمدرسة المعلمين، فإن مهنة المعلم فى الحقيقة لم تكن تجذبه. كان يحلم والتعبير للفنان أن يؤلف كتابًا، يهز الأرض، لم يخمن مادته، وإن تصوره فى حجم القرآن الكريم، تحدق بصفحاته هوامش الشرح والتفسير مثلما كانت عليه الكتب التراثية التى شكلت بعدًا مهمًا فى قراءات كمال هذه هى الحقيقة. أى كتاب؟، لن يكون شعرًا؛ إذا كانت كراسة أسراره تحوى شعرًا، فمرجع ذلك إلى أن عايدة محبوبته تحيل النثر شعرًا، لا إلى شاعرية أصيلة فيه. فالكتاب سيكون نثرًا، وسيكون مجلدًا ضخمًا فى حجم القرآن الكريم وشكله، وستحدق بصفحاته هوامش الشرح والتفسير كذلك. ولكن عم يكتب؟ ألم يحو القرآن كل شيء؟. لا ينبغى أن ييأس، ليجد موضوعه يومًا ما، حسبه الآن أنه عرف حجم الكتاب وشكله وهوامشه، أليس كتاب يهز الأرض خيراً من وظيفة، وإن هزت الأرض؟. كل المتعلمين يعرفون سقراط ولكن من منهم يعرف القضاة الذين حاكموه».
تصور نجيب محفوظ تلك البداية فى سلسلة الروايات التى حاول فيها أن يعرض للتاريخ المصرى عبر العصور أشبه بما فعله السير ولتر سكوت فى تناوله التاريخ البريطاني. ثم تصوره ربما فى روايات مرحلة الواقعية الطبيعية محاكاة لرواد تلك المدرسة: بلزاك وزولا وديكنز وستندال وفلوبير وغيرهم، ولعله وجد المعنى فى «أولاد حارتنا» التى عرضت رحلة الإنسان على الأرض بحثًا عن اليقين الديني. وإذا كان الجبلاوى قد قتل فى نهاية الرواية، فإن الذات الإلهية لا تجسد، لكنه اليقين الدينى الذى يتصور الإنسان أنه قد استغنى عنه، لكن الرحلة تظل قائمة، وممتدة، حتى يأتى الصوت فى قلب الخلاء: إن كنت تريدينى حقًا فلم هجرتني؟، وتبين الرحلة أبعاد أخرى مهمة فى رواية «رحلة ابن فطومة». وكما أشرت فى كتابى نجيب محفوظ.. صداقة جيلين «فإن» ملحمة «الحرافيش» إعادة أشد فنية من أولاد حارتنا. عابت آراء على الفنان أنه أعاد فى «أولاد حارتنا» كتابة تاريخ الإنسانية من خلال سير الأنبياء. عرض للحكايات المعروفة بما يشبه الحافر على الحافر على حد التعبير اللغوى واستبدل بأسماء الأنبياء ما يقاربها فى شخصيات الرواية. فحاولت «الحرافيش» أن تجاوز بفنيتها ولغتها ما تخلل «أولاد حارتنا» من شبهة التقريرية.
وبالطبع، فقد ذوى حلم الكتاب الكبير الذى شغل كمال عبد الجواد، صار الشاب الصغير، المتحير بين الفلسفة والإبداع السردي، أهم روائيى العربية، حقق فى مجموع أعماله ما جاوز فكرة الكتاب الكبير، الذى لم يكن قد استقر على مضمونه ولا شكله.
تعددت مؤلفات نجيب محفوظ، جاوز بعضها مثل الثلاثية مئات الصفحات، وتضخم عدد صفحات روايات مثل »أولاد حارتنا« و« ملحمة الحرافيش«، واقتصر العديد من الروايات على القليل نسبيًا من الصفحات. ظنى أن مجموع الروايات الذى يقارب الخمسين يمثل ذلك الكتاب الكبير الذى حلم كمال عبد الجواد بتأليفه.
فى مايو 1967 صدرت الطبعة الأولي، الإسبانية، من رواية جابرييل جارثيا ماركيث «مائة عام من العزلة». نفدت بعد أسبوع واحد، وبيع منها فى مدى العقود الثلاثة التالية نحو ثلاثين مليون نسخة.
تشير الباحثة والمترجمة الجادة د. عبير عبد الحافظ إلى ولع ماركيث الصغير بالقراءة وتأمل الواقع من حوله، والاكتشاف، فضلًا وأنا أنقل عن الدكتورة عبير عن القراءات المتعددة للكلاسيكيات الإسبانية، وعلى رأسها الكتاب المقدس، ورائعة سرفانتس «دون كيخوتة»، وألف ليلة وليلة وهو الكتاب الذى أكد ماركيث فى أكثر من مناسبة أنه لعب دورًا بارزًا فى تشكيل خياله الروائى [أذكر شخصيًا قول ماركيث: قرأت ألف ليلة وليلة، فصرت أديبًا] وهو ما أكده زميله ماريو بارجاس يوسا فى رسالته للدكتوراه التى نوقشت بمدريد فى سبعينيات القرن الماضي.
كانت ألف ليلة وليلة انطلاقة ماركيث إلى قراءات تتصل بها، وتوسع من دوائرها. قرأ فى الفنون الحديثة مثل التعبيرية والماورائية والدادية والتكعيبية والسوريالية، وانغمس فى الإبداعات المغايرة لما يبدعه أدباء أمريكا اللاتينية وأوروبا. وامتدت قراءاته من خلال نشاطه الصحفى إلى الآداب الأوروبية والأمريكية. شكل ذلك كله خلفية، ونسيجًا متداخلًا فى مشروعه الخاص، إلى جانب إفادته من الإنثروبولوجى الأمريكى اللاتيني. ثم بدأ فى منتصف الخمسينيات برواية «ليس لدى الكولونيل من يخاطبه»، والعديد من الروايات والقصص القصيرة.
ثم كانت «مائة عام من العزلة» تحولاً حقيقيًا فى إبداع ماركيث، وفى الرواية العالمية جميعًا، وأكسبها النقاد تسمية «الواقعية السحرية» نتاجاً للمستحدثات الإبداعية والفلسفية، بل إنه اخترع مدينة تخصه باسم ماكوندو، المدينة التى تحركت فى مدن تشابهها روايات مثل «مملكة هذا العالم» للكوبى أليخو كارينتيير، و«بدرو بارامو» للمكسيكى خوان رولفو.
بدأ ماركيث حياته كالعادة مقلدًا، لكن رواياته الأولى واجهت نقدًا عنيفًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.