هناك قاعدة أساسية مؤداها أن العمل الدرامى الناجح، سواء كان رواية أم مسرحية أم فيلما أم مسلسلا تلفزيونيا، هو الذى يحترم قيم معظم المشاهدين ويعلى من شأن الهوية الوطنية، ويتجنب فى الوقت ذاته جعل السماجة دافعا للبكاء أو الإضحاك، على حد سواء، ولأن التليفزيون اليوم يعتبر أكثر أجهزة الاتصال الجماهيرى انتشارا وتأثيرا فى مشاهد اليوم؛ نظرا لأنه يخاطب العين والأذن معا بالصوت والصورة والحركة، فطبقا لخبراء الإعلام فإن الإنسان يحصل على 90% من معلوماته عن طريق العين و8% عن طريق السمع، و2% عن طريق الحواس الأخرى، والعين بالطبع تجذبها الحركة أكثر من أى حاسة أخرى. ومن أجل ذلك كله فقد عنيت الدراما التليفزيونية المصرية مؤخرا بانتاج نوعيات من المسلسلات التى تخاطب عين المشاهد بما يحترمه عقله وينمى وجدانه ولا يسيء فى الوقت ذاته عبر نمطى الإثارة التشويق، وقد لاحظت عن كثب أن شركات الإنتاج الوطنية فهمت قواعد اللعبة الدرامية فائقة الجودة، بعيدا عن تلك السقطات المميتة التى لا يمكن تحسينها، خاصة فى دراما البطولات العسكرية التى تركز على تثبيت الهوية من خلال براعة مخرج يحسن إدارة الكاميرا وممثلين أكفاء على درجة كبيرة من الوعي، بحيث لا تغيرها فى النهاية جاذبية نجم أو نجمة، ومحبة الجمهور لوسامة واجتهاد أى منهما. ولعل الدراما المصرية نجحت مؤخرا عبر حبكة درامية متقنة فى كشف حقيقة ما حدث فى أعقاب ثورة 30 يونيو موجهة بالدرجة الأولى للأجيال القادمة، وفى سبيل ذلك راحت توثق لهذه الأحداث حتى لا تطمس الحقيقة، ومن ثم يتم تزييف الأحداث من خلال بعض الأعمال الدرامية الكاذبة التى تهدف إلى تبيض وجه الجماعة بدون وعى وإدراك منها، وتقديم صورة كاذبة عن هذه الفترة المهمة فى تاريخ مصر الحديث، حيث توضح من خلال تلك الأعمال الصورة المغلوطة التى تحاول وسائل الإعلام الإخوانية تصديرها للغرب، وهو مايؤكد عليه أرسطو فى قوله: «أن الحبكة أعظم الأجزاء الكيفية أهمية فى بناء التراجيديا، بل هى على حد قوله - روح المأساة - والحبكة مصنوعة بالضرورة مما تفعله الشخصيات وما تفكر فيه، وما تشعر به، وعلى هذا يمكن القول بأن مادة (الحبكة) هى (الشخصية) كما تجسدت فى سيرة (أحمد منسي) عبر مسلسل «الاختيار». ومن هنا جاء مسلسل (الاختيار) فى رمضان 2020، ومن قبله (كلبش) على مدار ثلاثة مواسم سابقة، بمثابة عملين وطنيين فائقى الجودة على مستوى القصة والأداء البطولى وتنفيذ معارك واقعية تكشف وجه الإرهاب القبيح، ما أحدث حالة من الغضب داخل جماعة الإخوان، لما يحمله العملان من مصداقية ورصد واقعى وصحيح لحجم الجرائم التى ارتكبت فى فترة ما بعد 30 يونيو 2013، وهو ما جعل الجماعة تتحرك من خلال وسائل الإعلام القبيحة، التى تبث من «تركيا ولندن» وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، واللجان الإلكترونية التى تشغل الفضاء التخيلي، وذلك بالهجوم الشرس على صناع العملين، بهدف تشويه الصورة الذهنية لدى بعض دول الغرب المتواطئة معها، لكن المواطن المصرى كان دائما وأبدا على وعى كبير بآلية عمل تلك اللجان والهدف الخفى من عملها، وبالتالى تأثيرها السلبى أصبح ضعيفا على عكس التصور الإخوانى البغيض. لقد جاءت سيرة الشهيد (المنسى)، والذى يحكى بطولاته الأسطورية ضد الجماعات المسلحة التى تدين بالولاء للجماعة الإرهابية، لتزلزل على أثرها كواحدة من بطولات القوات المسلحة عرش الإخوان حيا وميتا، وأيضا شخصية (سليم الأنصارى) فى تصديه للعناصر الإرهابية فى مختلف المواقع تأتى هى الأخرى بمثابة بطولة خاصة للشرطة المصرية، وهو الأمر الذى جعل قنوات الجماعة تخرج عن طورها بعد عرض (كلبش) ومن بعده مؤخرا (الاختيار)، ومن هنا تم توجيه الذباب الإلكترونى لخلق نوع من الدعاية الفجة، التى تفتقد للرصانة، وتنحدر لمستوى (ردح الحواري)، وما يلزمه من أساليب سوقية وكأنهما أول عملين فى تاريخ الدراما المصرية، وقبلهما كان العدم الدرامى الذى يركز على الهوية. والشاهد من ذلك أن الدعاية الإخوانية السلبية ضد هذين العملين الدراميين، من خلال استهداف متعمد قامت به اللجان الإلكترونية، والذباب الإلكتروني، قد قامت بإدخال الغش والتدليس على الناس، ومحاولة دفعهم بالزيف للاعتقاد أن مسلسل (الاختيار) قام بطريقة غير مباشرة بالترويج لهشام عشماوى باعتباره واحدا من رموز الإخوان، إنما سيظل فى الصورة بالشكل الذى قدمه المسلسل بمثابة كشف حقيقة الحرب التى تخوضها مصر ضد الإرهاب القبيح، وهو ما يشبه إلى حد كبير الدعاية الفجة ضد الإسلام بعد أحداث سبتمبر 2011، والتى نتج عنها قيام الغربيين فى محاولة التعرف على هذا الدين، ونتج عن هذه الدعاية دخول أعداد كبيرة فى الإسلام. وإذا كان البسطاء من المصريين قد ينطلى عليهم الأمر فى البداية، ويعتقدون أن (عشماوي) من (الإخوان)، فماذا لو دفعهم الاهتمام للبحث عن الحقيقة، وماذا لو وصلوا إلى أنه ليس منهم، مع ما ينتجه هذا من آثار تؤدى بالضرورة إلى عدم اتساع رقعة التعاطف معهم!، ولعلنا نذكر هنا أنه قد أنتجت إحدى الشركات الوطنية المصرية مسلسل (الجماعة) فى عهد مبارك، وهو عمل فنى بديع كتبه الراحل وحيد حامد، وهو وإن كان ينتمى لمدرسة التوجيه السياسى فى الكتابة الدرامية، إلا أنه فى النهاية قد نجح إلى حد كبير فى كشف غموض تلك الجماعة الإرهابية على مستوى العنف الذى تسعى دوما من خلاله لخراب مصر. ظن هؤلاء الإرهابيون بخيالهم المريض أنه يمكن أن يتحقق المراد فى احتشاد الذباب الإلكترونى فى مهمة الترويج ل (الاختيار) باعتباره عملا فنيا كبيرا يروج لهم بطريقة غير مباشرة، لكنه فى الحقيقة قد أوقع بمعسكر الإخوان خسائر كبيرة طوال 30 يوما من العرض على شاشة التليفزيون، ونال بالفعل من شعبيتهم التى تآكلت تماما، لنتأكد من مدى نجاح المسلسل فى تحقيق أهدافه على مستوى التأكيد على الهوية الوطنية، وتوضيح جوهر العقيدة العسكرية لدى الإنسان المصري، ولا تزال راسخة فى وجدان هذه الأمة منذ فجر التاريخ وحتى اليوم. الأمر المؤكد أن نوعية دراما البطولات العسكرية أصبحت تلعب دورا مهما فى التأكيد على التفاعل من جانب الجهور المصرى مع تلك النوعية التى افتقدناها طويلا، ما فتح شهية شركات الإنتاج إلى توجيه الدفة نحو إظهار أجمل مافى حياة الإنسان المصري، ولقد شجعها فى ذلك تلك الإشادات عبر مواقع التواصل الاجتماعى لمثل هذه النوعية من الدراما، وهو ما يشى بتحول الجمهور إلى موقف حازم ضد الإرهاب الذى تمارسه الجماعات المتطرفة، وفى النهاية فإن هذا كله يعكس وعى الشعب المصري، وتقديره لحجم التضحيات التى يقدمها رجال الجيش والشرطة، لمواجهة العمليات الإرهابية.