أبو بكر القاضي ل "البوابة نيوز": الاحتفال بيوم الطبيب سيكون برعاية الرئيس    القومي للمرأة يشارك في اجتماع المجموعة التوجيهية لمنطقة الشرق الأوسط    بين الاستقرار والارتفاع.. أسعار الخضروات والفاكهة في دمياط    الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 60 هدفا في أنحاء قطاع غزة خلال الساعات ال24 الماضية    بعد تحقيق مكاسب سياسية.. اتهامات التطرف ومعاداة الإسلام تطارد الإصلاح البريطانى    محمد صبحي: أتشرف باللعب في الزمالك.. ولم أقصد الإساءة للنادي أو جماهيره    وزير التعليم يناقش الاستعداد للامتحانات ويعلن تعميم التغذية المدرسية الساخنة    الأرصاد: غدا طقس شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء والعظمى بالقاهرة 40    المشدد 3 سنوات لعاطل تعدى بالضرب على صديقه في القليوبية    استعدادات بعثة الحج المصرية لموسم الحج لعام 1446ه    "صورة الطفل في الدراما المصرية" ندوة بالمجلس الأعلى للثقافة    مطروح: تنظيم قافلة طبية مجانية لخدمة أهالي قرية شمس الحكمة    محافظ أسيوط يتفقد تطوير مدخل قرية بنى قرة ونقل موقف السرفيس لتحقيق سيولة مرورية    مقتل 3 مدنيين وإصابة العشرات في قصف مدفعى لميليشيا الدعم السريع على الفاشر    قانون الإيجار القديم... التوازن الضروري بين العدالة الاجتماعية والحقوق الاقتصادية    تأجيل محاكمة 9 متهمين بالانضمام لجماعة إرهابية ل24 يونيو    "بسبب ماس كهربائى" مصرع وإصابة ثلاثة أشخاص إثر نشوب حريق داخل حوش مواشى فى أسيوط    "الشناوي وسيحا وشوبير وحمزة".. يلا كورة يكشف تطورات ملف حراسة مرمى الأهلي    وفود دولية رفيعة المستوى من منظمة (D-8) تزور المتحف القومي للحضارة المصرية    أول تعليق ل أحمد داوود بعد تكريمه في مهرجان المركز الكاثوليكي.. ماذا قال؟    جدول مواقيت الصلاة في محافظات مصر غداً الأحد 11 مايو 2025    عوض تاج الدين: الدعم الرئاسي أحدث طفرة واضحة للمنظومة الصحية    وصول جثمان زوجة محمد مصطفى شردى لمسجد الشرطة    مهرجان SITFY-POLAND للمونودراما يعلن أسماء لجنة تحكيم دورته 2    قرار تأديب القضاة بالسير في إجراءات المحاكمة لا يعتبر اتهام أو إحالة    «الإحصاء»: 1.3% معدل التضخم الشهري خلال أبريل 2025    مديرية أمن القاهرة تنظم حملة تبرع بالدم بمشاركة عدد من رجال الشرطة    بيتر وجيه مساعدا لوزير الصحة لشئون الطب العلاجى    طريقة عمل الكيكة بالليمون، طعم مميز ووصفة سريعة التحضير    شئون البيئة: التحول للصناعة الخضراء ضرورة لتعزيز التنافسية وتقليل الأعباء البيئية    رئيس الوزراء العراقي يوجه بإعادة 500 متدرب عراقي من باكستان    «لوفتهانزا» الألمانية تمدد تعليق رحلاتها من وإلى تل أبيب    جامعة أسيوط تُشارك في ورشة عمل فرنكوفونية لدعم النشر العلمي باللغة الفرنسية بالإسكندرية    فيلم سيكو سيكو يواصل تصدر الإيرادات    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    صحة غزة: أكثر من 10 آلاف شهيد وجريح منذ استئناف حرب الإبادة    جيروساليم بوست: ترامب قد يعترف بدولة فلسطين خلال قمة السعودية المقبلة    أبرز ما تناولته الصحف العالمية عن التصعيد الإسرائيلي في غزة    رئيس صحة النواب: مخصصات الصحة في موازنة 2026 الكبرى في تاريخ مصر    محافظ أسوان: توريد 170 ألف طن من القمح بالصوامع والشون حتى الآن    الدستورية تلزم الشركات السياحية بزيادة رؤوس أموالها خلال مدة محددة    المتحف المصري الكبير يستقبل فخامة رئيس جمهورية جزر القمر ووزيرة التعليم والثقافة اليابانية    تحرير 16 محضرا لمخالفات تموينية في كفرالشيخ    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الكلام وحده لايكفي !?    تعرف على مواعيد مباريات الزمالك المقبلة في الدوري المصري.. البداية أمام بيراميدز    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب    اليوم.. انطلاق الجولة 35 ببطولة دوري المحترفين    استثمارات 159 مليون دولار.. رئيس الوزراء يتفقد محطة دحرجة السيارات RORO    «الصحة»: تدريب 5 آلاف ممرض.. وتنفيذ زيارات ميدانية ب7 محافظات لتطوير خدمات التمريض    خبر في الجول - زيزو يحضر جلسة التحقيق في الزمالك    الرمادي يعقد جلسة مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة بيراميدز    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    حاجة الأمة إلى رجل الدولة    تفاصيل مفاوضات الأهلي مع جارسيا بيمنتا    بكام الفراخ البيضاء؟.. أسعار الدواجن والبيض في أسواق الشرقية السبت 10 مايو 2025    موعد مباراة الاتحاد السكندري ضد غزل المحلة في دوري نايل والقنوات الناقلة    حبس لص المساكن بالخليفة    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسطورة رفاعة الطهطاوى
نشر في بوابة الأهرام يوم 19 - 02 - 2021

ولد رفاعة الطهطاوى (1801 1873) يوم 15 أكتوبر وهو يوم رحيل الحملة الفرنسية عن مصر. وإذا كانت الحملة صدمة حضارية وماس الكهرباء إلى العقل المصرى لإيقاظه من خمول الحكم العثمانى والمملوكي، فإن رفاعة الطهطاوى هو المصباح الذى حمل النور إلى عموم البلاد لتدخل إلى عصر النهضة والحداثة وتزيح ظلام العصور الوسطي.
ولد الطهطاوى فى طهطا لعائلة من الأشراف لها امتيازات كثيرة فى الأرض. ولكن طفولته شهدت إلغاء محمد على نظام الإلتزام، وسحب الالتزامات التى كان يتمتع بها الأشراف ومشايخ الأزهر.
لتصبح أسرته فقيرة فى غمضة عين ويضطر الأب بدوى رافع أن يهجر موطنه ويرحل من قريته. أخذ الأب ابنه رفاعة وعمره 12 سنة ثم رحل راكبا حمارا حينا، وحينا سائرا على قدميه، ولجأ إلى أقربائه فى قنا، ثم رحل مرة أخرى إلى فرشوط، وخلال هذا الترحال استطاع الطفل رفاعة أن يتعلم القراءة والكتابة ويحفظ القرآن فى هذه البلاد التى كانت أكبر من قريته. ليصبح الترحال هو الأسطورة التى تحكم مجرى حياة رفاعة الطهطاوي، فكل رحيل سوف يكون انفتاحا على عالم أكبر وأكثر تقدما، لينهل منه صاحبنا وليصنع أسطورته التى سوف تضع مصر على أبواب النهضة والحداثة.
ويحدث أن يموت الأب فجأة فتعود الأم بطفلها إلى طهطا مرة أخري، ورغم حالة الفقر الذى تعيش فيه إلا أنها تصمم على تعليمه فتبيع ما لديها من عقار ومصاغ قليل وترسله إلى القاهرة ليتعلم فى الأزهر..
ويرحل الطهطاوى من الصعيد إلى القاهرة فى رحلة ملاحية شاقة استغرقت أسبوعين على ظهر مركب بدائي، خلال هذين الأسبوعين كان يهضم أسطورته جيدا وهو يمسح بعينيه وقلبه وعقله البلاد التى يراها على النيل طوال الرحلة ساعتها أدرك جمال هذا الوطن وسحره.
فالوطن مثل النيل قوى وعفى لكن بيوته فقيرة مثل مركبه، والناس حائرون مثله فوق هذا المركب لا يجدون بديلا عنه للوصول إلى ما يريدون.
والتحق رفاعة بالأزهر عام 1817 وكان أثناء الدراسة يقوم بالتدريس أيضا، يعبر كل يوم النيل إلى الجانب الغربى ليعطى دروسا لأبناء الأغنياء بما يعينه على مساعدة نفسه حتى يصل إلى حلمه.
وفى الأزهر سوف يلتقى الطهطاوى بالشيخ حسن العطار الذى سوف يصبح صانع الأسطورة.
كان العطار احتك بعلماء الحملة الفرنسية ورأى ما وصل اليه الفرنسيون من علم وتقدم. وكان واسع الأفق بعلوم لا يعرفها رجال الأزهر مثل التاريخ والجغرافيا والهندسة والزراعة والمعادن، وعمل على تعليم هذه العلوم للنابهين من الأجيال الجديدة ومنهم رفاعة الطهطاوى الذى كان يفضله عن سائر التلاميذ، ويلازمه فى منزله فى غير أوقات الدروس ليطلعه على الكتب الغربية التى لم تكن متداولة فى الأزهر..
تخرج الطهطاوى فى الأزهر سنة 1821 وأحب التدريس فى الجامع الأزهر وألقى دروسا فى الحديث والمنطق والعروض وكان مدرسا بارعا،
لكن بسبب ظروفه المادية الصعبة توسط له الشيخ حسن العطار ليصبح واعظا فى جيش محمد على بمرتب أكبر. وترك الطهطاوى التدريس حزينا، لكنه كان ذاهبا إلى أسطورته دون أن يدرى فقد قررت الحكومة عام 1826 إيفاد أكبر بعثاتها العلمية الى فرنسا، ودفع الشيخ حسن العطار بالطهطاوى ليكون واعظا وخطيبا لهؤلاء الطلاب فى بلاد الفرنجة، لتتحقق أسطورته ويصبح هو الطالب والواعظ والعالم والمترجم وناقل شعلة الفكر والحضارة من فرنسا إلى مصر.
كان الشيخ حسن العطار نصحه قبيل سفره بأن يسجل كل شيء يراه، وبالفعل قام الطهطاوى بذلك وكانت النتيجة كتابه المتفرد «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز»
منذ البداية قرر الطهطاوى أن يتجاوز مهمة الواعظ فقرر تعلم الفرنسية، وأمام ذلك صدرت أوامر الحكومة المصرية بضمه طالبًا إلى البعثة. وأن يتخصص فى الترجمة.
وكان الطهطاوى ما يكاد يفرغ من قراءة كتاب أعجبه حتى يقوم بترجمته، مما أبهر الجميع حتى كتب عنه «جومار» المشرف على البعثة وأحد علماء الحملة الفرنسية قائلا: ممن امتازوا بين هؤلاء الشباب الشيخ رفاعة الذى ترجم عن الفرنسية كتاب «مبادئ العلوم المعدنية».
وفى نهاية البعثة عام 1830 تقدم الطهطاوى إلى لجنة الامتحان ب 12 كتابا مترجما ومخطوط كتاب «تخليص الإبريز» ونجح نجاحا مبهرًا وعاد إلى مصر تسبقه تقارير أساتذته واستقبله فى الاسكندرية ابراهيم باشا ابن محمد علي.
وكان الشيخ حسن العطار أصبح شيخا للأزهر وقدم تلميذه الطهطاوى إلى محمد على باشا الذى قرأ كتابه «تخليص الابريز» وأعجب به رغم أنه يتحدث عن الدستور والديمقراطية ومراقبة الحاكم وإدارة الدولة. وأمر بطبعه وتوزيعه على الدواوين والمواطنين والانتفاع به فى المدارس المصرية ثم ولاه وظيفة مترجم بمدرسة الطب، وكان أول مصرى يعين فى هذا المنصب.
ثم أصبح ناظرا لمدرسة الألسن عام 1835 لتستيقظ الأسطورة كالمارد عندما يوافق محمد باشا على إنشاء مدرسة الألسن، ليعود رفاعة الطهطاوى من رحلة نيلية أخرى فى مركب أكثر متانة هذه المرة بالتأكيد يتجول بنفسه فى قرى مصر، يدخل الكتاتيب ويمتحن التلاميذ ويختار أكثرهم ذكاء فيأخذهم معه ليضمهم إلى مدرسة الألسن. فى البداية كان عدد التلاميذ 50 تلميذا ثم ارتفع العدد إلى 150 تلميذا وكان رفاعة يقيم مع تلاميذه ليلا ونهارا، يناقش، ويحاضر، والدراسة تبدأ بعد صلاة الفجر لمدة 6 ساعات، وبعد صلاة العشاء لمدة ثلاث ساعات.
والنتيجة قائمة كبيرة من المترجمين الذين أصبحوا أنوار العصر بما قدموه من ترجمات متنوعة فى شتى العلوم والمعارف.
عملية الترجمة التى قام بها وأشرف عليها الطهطاوى هى التى وضعت أسس النهضة الحديثة فى مصر، وتواكبت نهضة الترجمة والفكر مع النهضة السياسية العسكرية التى قامت فى دولة محمد علي.
وحتى ندرك عظمة الدور الذى قام به الطهطاوى فى الترجمة علينا أن نعلم أن الدولة العثمانية التى عرفت الطباعة قبل مصر كانت حصيلة المطابع فى تركيا خلال قرن (1728 1830) لم تتعد الأربعين كتابا، بينما قام الطهطاوى ورجاله بترجمة أكثر من ألفى كتاب خلال أقل من أربعين عاما، طبقا للدكتور محمد عمارة محقق أعمال الطهطاوي.
وقد وصف صالح مجدى أستاذه الطهطاوى بأنه قليل النوم كثير العمل فى التأليف والتراجم حتى إنه لم يكن يعتنى بملابسه مثل كل المبدعين الذين ينشغلون بما هو أهم.
وكان الطهطاوى يعمل بجد فى كل عمل يتولاه فعندما كلفه محمد على بالاشراف على جريدة الوقائع جعلها جريدة عصرية، أدخل عليها المقال السياسي، وأصبحت تصدر أسبوعيا، وجعل لها مندوبين فى الدواوين الحكومية لجمع الأخبار، وأصبح لها تبويب صحفى ثابت كما اهتمت بنشر الشعر لأول مرة. شخصية أسطورية مثل الطهطاوى فى حاجة إلى حاكم اسطورى مثل محمد على لتستيقظ أسطورة مصر وتصبح من أكبر القوى السياسية والعسكرية، لكن عندما يأتى حاكم رجعى متخلف اسمه عباس بعد وفاة محمد على فإنه يغلق مدرسة الألسن وينفى الطهطاوى مدرسا لمدرسة ابتدائية فى السودان!
ثم يأتى الخديوى سعيد ويعود الطهطاوى إلى مصر ويصبح وكيلا لمدرسة الحربية وكان ناظرها سليمان باشا الفرنساوى قائد الجيش.
وعندما يأتى الخديو إسماعيل الذى كان مغرما بالحضارة الغربية ينفتح الطريق مرة أخرى أمام الطهطاوى مثلما كان أيام محمد على فتتم إعادة إنشاء ديوان المدارس، ويقوم بإنشاء قلم الترجمة لترجمة القوانين الجديدة لإصلاح القضاء، كما يرأس تحرير مجلة روضة المدارس ويضم عليها كما فعل فى جريدة الوقائع صفوة المتخصصين فى الثقافة والإدارة والتاريخ.
ولم يتوقف الطهطاوى لحظة واحدة عن العمل والجد طبقا لأسطورته التى ارتحلت به صغيرا من قرية إلى مدينة إلى الأزهر الى باريس حتى وضع أسس وقواعد نهضة مصر الفكرية ودخل بها طور الحداثة والتقدم، فكان أول مترجم وأول منشئ لصحيفة مصرية وأول مصرى يكتب عن تاريخ بلاده بفخر، وأول من فتح الباب لنشر الثقافة السياسية وتعليم المصريين علم السياسة الذى يهدف إلى حسن إدارة البلاد، يقول الطهطاوى : إن الأصول والأحكام التى بها إدارة المملكة تسمى فن السيادة وتسمى فن الإدارة وتسمى علم تدبير المملكة أو البحث فى هذا العلم، ودوران الألسن به، كل ذلك يسمى (بوليتيقه) أى سياسة.
لقد وضع بلاده على طريق الحداثة رغم أنه ذهب إلى باريس لا يحسن استخدام الملعقة، لكنه عاد حاملا شعلة الحضارة، يعمل بلا كلل ويقول: الكاتب مثل الدولاب: إذا تعطل تكسر، وكالمفتاح الحديد إذا ترك ركبه الصدأ.
وظل حتى آخر لحظة فى حياته كالمصباح، حملت إليه الحملة الفرنسية صدمة الحضارة فذهب إلى فرنسا بعقله واسطورته ينهل من هذه الحضارة ويضيء الوطن ولعل أفضل تعبير على أنه أب للثقافة المصرية هو ما قاله شوقى فى رثاء على فهمى رفاعة ابن رفاعة الذى مات عام 1903 فقال شوقى:
يا ابن الذى ايقظت مصر معارفه
أبوك كان لأبناء البلاد أبا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.