حق لكاتب البسطاء والفلاحين والكادحين أن يهلل بالفرحة عندما أبلغته الأكاديمية الملكية السويدية بفوزه بجائزة نوبل للآداب هذا العام ..حق للكاتب الروائى الصينى مو يان الذى يعيش فى منزل والده البالغ عمره 90 عامًا أن تستبد به البهجة ويهز والده المسن بفرحة العمر..أخيرا عرفت أم الجوائز الأدبية العالمية طريقها للصين ومنحت لمن يستحقها عن جدارة. ومع أن جائزة نوبل للآداب هذا العام اتسمت بكثير من المنطق والعدالة لأن مو يان هو أول كاتب صينى على الإطلاق يفوز بالجائزة على مدى عمرها المديد الذى بلغ 111 عاما فإن "الإبداع العربى يبقى بدوره أقرب لليتيم على مائدة أم الجوائز العالمية الأدبية"، حيث لم ينل هذا الشرف إلا مرة واحدة فى عام 1988 عندما منحت لسيد الإبداع الروائى المصرى والعربى نجيب محفوظ. وإذا كان جاو تشينجيان الذى حصل على نوبل للآداب عام 2000 ولد فى الصين إلا أنه لا يحمل جنسيتها وإنما هو مواطن فرنسى فيما كانت بيرل بيوك التى فازت بالجائزة عام 1938 وأبدعت فى الكتابة عن الحياة الريفية فى الصين لا تحمل جنسية بلاد التنين ، وإنما هى روائية أمريكية ذات نفس ملحمى فى الكتابة وصاحبة روائع أدبية عن الصين والصينيين. وحق للأكاديمية الملكية السويدية أن تنوه بعظمة الاتجاه المثالى فى الإنتاج الروائى للكاتب الصينى مو يان وبصورة تعيد للأذهان أسماء خالدة فى هذا اللون من الإبداع مثل صمويل بيكيت ودوريس ليسينج ، بل وحتى الشاعر السويدى توماس ترانسترومر الحاصل على جائزة نوبل للآداب فى العام الماضى. ومن المقولات التى اشتهر بها مو يان الذى يعنى اسمه المستعار حرفيا (لا تتكلم) أن "الرقابة شىء رائع للابداع الأدبى" فيما عرف بالمزج الحاذق بين التراث الحكائى الشعبى والتاريخ والحياة المعاصرة مع واقعية لا تخلو من تهاويم يعتبرها البعض "هلوسة" أو "هلوسة واقعية" على حد تعبير الأكاديمية الملكية السويدية فى إعلانها اليوم عن منح الجائزة لهذا الروائى الصينى. وشملت بورصة التكهنات لجائزة نوبل للآدب أيضا كاتب الأغانى والمغنى الأمريكى بوب ديلان ومواطنه الروائى توماس بينشون فيما تردد اسم الكاتب الصينى مو يان على استحياء. ويبدو أن الصحافة الثقافية الغربية لن تهاجم جائزة نوبل للآداب هذا العام كما فعلت فى العام الماضى عندما هبت بعواصف الغضب مع الإعلان عن فوز الشاعر السويدى توماس ترانسترومر ، لتؤكد أن هناك أخطاء فظيعة وخللا خطيرا فى جائزة نوبل للأدب بصورة تبرر بقوة التساؤل عن مدى صحة قرارات الأكاديمية السويدية بشأن منح هذه الجائزة لأديب ما. وحينئذ قال القاص والناقد البريطانى تيم باركز "إننى لم أعرف من قبل أى شىء عن الشاعر توماس ترانسومتر ، وباستثناء بعض القصائد الطويلة المتاحة حاليا على شبكة الإنترنت فإننى لم أقرأ له أى شىء..معتبرا أن هناك حاجة للتوقف مليا عند آليات اختيار الفائز بجائزة نوبل فى الأدب. وتناول تيم باركز الذى يعمل أيضا كأستاذ جامعى للأدب أوضاع الأكاديمية السويدية من الداخل ليقول إن كل أعضائها من السويديين ويشغل العديد منهم مناصب فى جامعات السويد ، ويعملون كأساتذة جامعيين فيما تضم هذه الأكاديمية حاليا بين اعضائها خمس سيدات غير أن أية سيدة لم تشغل أبدا حتى الآن منصب الرئاسة. وأوضح أن عضوا واحدا من أعضاء الأكاديمية السويدية الذين يقررون اسم الفائز بجائزة نوبل فى الأدب ولد بعد عام 1960 ، الأمر الذى يعنى افتقارها لدماء جديدة فيما فسر هذه الظاهرة بقوله إنها ربما ترجع إلى أن قانون الأكاديمية يحظر الاستقالة من عضويتها وكأنها حكم بالعقوبة مدى الحياة! ويمكن إدراك مدى الارتياح الذى يثيره قرار منح جائزة نوبل للآداب هذا العام لكاتب صينى للمرة الأولى بتأمل ما ذكره من قبل الناقد البريطانى ويل سكيدلسكى من أن لجنة المحكمين لجائزة نوبل للآداب تجاهلت مرارا وعلى نحو فظ من يمكن وصفهم حقا بعمالقة الأدب فى العالم .. مضيفا أن الجائزة باتت تتمحور بصورة لايمكن قبولها حول الذات الأوروبية وتتجاهل بقية العالم بما فى ذلك الولاياتالمتحدة ناهيك عن أفريقيا والعالم العربى. وخلص إلى أن الأمر قد يلحق فى نهاية المطاف أضرارا فادحة بالجائزة التى يعتبرها الكثيرون جائزة عالمية إن لم تكن أهم جائزة عالمية فى الأدب ولكن تصرفات وقرارات المحكمين تدفع أيضا الكثيرين للتخلى عن هذا الاعتقاد والنظر للجائزة كجائزة محدودة الأهمية ولاتعنى الكثير فى الواقع. ولئن كانت جائزة نوبل فى الأدب قد ذهبت من قبل لعمالقة مثل طاغور وويليام بتلر ييتس وجابرييل ماركيز ونجيب محفوظ فان هناك بين النقاد الكبار من يتذكر بمرارة منح هذه الجائزة لرئيس الوزراء البريطانى الراحل ونستون تشرشل. ولفت الناقد البريطانى جون دوجدال الى الحقيقة المتمثلة فى انه منذ حصول الأديب والكاتب المصرى الراحل نجيب محفوظ على جائزة نوبل للأدب عام 1988 لم يتوقف قطار نوبل ابدا عند اى مبدع عربى كما ان نجيب محفوظ هو الوحيد فى العالم العربى الذى حصل على هذه الجائزة واحد اربعة ادباء فحسب على مستوى القارة الافريقية كلهم توجوا بنوبل. ولعل حال افريقيا كان افضل من قارة اسيا حيث لم يحصل فى اسيا كلها على جائزة نوبل فى الأدب من قبل سوى ثلاثة ادباء انحصروا فحسب فى الهند واليابان فيما جاء الاعلان اليوم عن منح الجائزة لمو يان ليصحح خطأ تاريخيا يكاد يصل لمرتبة الخطيئة فى حق الابداع الصينى بل والإبداع الانسانى ككل.