* عنانى: أدباء الغرب استلهموا الأدب العربى * عزة هيكل: دانيل ديفو تأثر بابن سينا والمعرى * درويش: إيسوب ولافونتين تأثرا ب «كليلة ودمنة» هل أثر الأدب العربى قديما فى الأدب الغربى؟ وإلى أى مدى؟ «الأهرام» طرحت السؤال على متخصصين فى الدراسات الأدبية والأدب المقارن فأكدوا استلهام أدباء الغرب روح الشرق وسحره وحب المغامرة من نصوص الأدب العربى، وانعكس ذلك على أعمالهم الإبداعية. فى البداية يؤكد د. محمد عنانى أستاذ الأدب الإنجليزى بجامعة القاهرة هذا التأثير قائلا: إن فتح العرب إسبانيا كان فى نحو عام 711م، بداية اتصال الثقافة العربية بالآداب الأوروبية التى لم تكن قد شهدت اللغات الأوروبية الحديثة. فكانت العلوم والفلسفات العربية تترجم إلى اللاتينية وأحيانا إلى اليونانية. وفى العصور الوسطى التى تمتد من القرن الثالث عشر إلى مطلع القرن الخامس عشر ، كان الفرسان العائدون من الحروب الصليبية وزوار بيت المقدس من الحجاج يعودون إلى أوروبا بقصص وروايات و مشاهدات عن الشرق وما به من غرائب وأعاجيب. وعندما اشتد ساعد اللغات الأوروبية اعتبارا من القرن السادس عشر، بدأ الأدباء يستلهمون الشرق بآدابه وفلسفاته غير المألوفة، فنشط المستشرقون الأوائل فى ترجمة ما قرأوه وما سمعوه، فترجموا «ألف ليلة وليلة»، وهى أم الروايات، وما بها من أشعار بدت لهم غريبة وجذابة، اعتبارا من القرن الثامن عشر، وأخذ رواد الحركة الرومانسية فى آخر ذلك القرن ومطلع القرن التالى يترجمون الشعر العربى ويحاكونه محاكاة مذهلة، مازالت آثارها قائمة فى أشعار اللوردات بايرون وكيتى وشلى. كان العنصر الأساسى فى هذا كله الخيال، أو ما أطلق عليه فيما بعد الخيال الرومانسى، وإن تكن أصوله عربية. د.عزة هيكل أستاذة الأدب المقارن وعميدة كلية اللغة والإعلام بالأكاديمية البحرية تصف تأثير الأدب العربى فى الأدب الغربى بأنه جاء بعد فترة طويلة من الاجتهادات العربية تمتد لأكثر من 800 عام عندما تمت ترجمة جميع الأعمال الفارسية والإغريقية والرومانية خلال الفترة العباسية إلى العربية، وبعد فتح العرب الأندلس بدأ نقل كل هذا التاريخ والثقافات إلى الحضارة الأوروبية، وتوضح أن من أهم الأعمال الأدبية تأثرا قصة «روبنسون كروز» للكاتب البريطانى دانيل ديفو المأخوذة من رسالة «حى بن يقظان» لابن سينا، و«الكوميديا الإلهية» لدانتى المستوحاة من «رسالة الغفران» للمعرى، حيث تم المزج بين الدين والمجتمع والخيال، وهى أفكار لم يكن يتطرق لها أدب الغرب من قبل. وتضيف: أيضا ظهرت كتابة القصة القصيرة والمغامرات، وكانت بدايتها مع قصة «ألف ليلة وليلة»، التى تعد تركيبة الرواية الحديثة من خلال «دون كيشوت» حيث فكرة المغامرة والشخصيات، كما تأثرالشاعر الإسبانى الشهير ميجل ثربانتس بالموشحات والأزجال العربية الأندلسية، وبدا التأثر فى الصور الشعرية وأساليب وفلسفات الكتابة. ويمكن القول إن أغلب الآداب الأوروبية تأثرت بالأدب العربى كأدب إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا، لكن انجلترا كانت أقل تأثرا. ويقول د. أحمد درويش أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم: هناك تبادل بين الحضارات فى الأخذ والعطاء، وهذه سنة التجديد الحضارى، فلكل حضارة فترة زمنية يفيض منها الإشعاع على الحضارات الأخرى، تتداخل معه الظروف الاقتصادية. ويتابع: كانت العقلية العربية منفتحة فترجمت الحضارات الفارسية والهندية إلى العربية؛ خاصة فى العصر العباسى (العصور الوسطى الأوروبية) ، وكانت الحضارة العربية سببا فى يقظة الحضارة الأوروبية الحديثة. وعلى سبيل المثال: العمل العظيم «كليلة ودمنة» الذى ترجمه عبد الله بن المقفع من الفارسية إلى العربية ترجم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من العربية إلى لغات عدة منها الإسبانية والايطالية والفرنسية، وترجمة الاديب الفرنسى «لافونتين» باسم «خرافات لافونتين (Les fables de la Fontaine)» . وقد فرد الكاتب اليونانى «إيسوب» الذى ادعى أنه مصرى وقت فترة الاختلاط هذه الحكايات وكتب الجزء الأول منها باسم «مرشد الملوك» أو «الأنوار»، ولكن اتضح أنه نقله من كتاب «كليلة ودمنة» واعترف بذلك فى الجزء الثانى والثالث منه. أما ترجمات لافونتين لابن المقفع، فدخلت الى اللغة العربية من خلال كتاب مترجم لمحمد عثمان جلال فى القرن التاسع عشر بعنوان «العيون اليواقظ فى الأمثال والمواعظ»، وجاءت الترجمة قريبة إلى العامية. د. عمرو نور الدين حسين أستاذ الترجمة المساعد بآداب القاهرة أشار إلى تآثير الأدب العربى فى الأدب الغربى عندما بلغت الحضارة العربية أوج ازدهارها ابتداء من القرن العاشر الميلادى، وكانت وراء نهضة أوروبا، وكان تألق حضارة الأندلس العامل الأهم والأكثر تأثيرا فى الأدب والثقافة فى أوروبا، واعتمد انتشاره فى المقام الأول آنذاك على الرواية الشفوية، ونهض به الشاعر الجوال، كما حملته الأغانى فى رحلتها من الجنوب إلى الشمال. ويضيف: يمكن القول أيضا إن العناصر الثقافية التى تكونت منها الحياة العقلية الأوروبية فى مجالات الفكر والفلسفة، والشعر والقصة، فى القرن الحادى عشر الميلادى وما تلاه، وحتى فى الأدب المعاصر، تعود فى جانب كبير منها إلى الحضارة الراقية التى توهجت عند جيرانهم الإسبان المسلمين، وكان الشعر، والزجل منه خاصة، القناة الأولى التى تدفقت عبرها ملامح التأثير، نظراً لكونه أكثر ألوان الفنون رواجاً وقتها، وكان الزجل الأندلسى وراء ازدهار حركة الشعر «البروفنسالى» فى فجرها، التى حملت اسم شعر «التروبادور»، وشملت القرنين 12 و13 الميلاديين. وأشارت الدراسات إلى أهم الوسائط الحضارية التى كانت حلقة الوصل بين «ألف ليلة وليلة» و«حكايات كانتربرى»، وساعدت تشوسر فى الاطلاع على «ألف ليلة» بطريق مباشرة أو غير مباشرة. وهذه الوسائط هى: كتاب «مجموعة السندباد» القصصية الذى ترجم إلى الإسبانية عام 1253م بأمر فيدريكو أخى الملك ألفونسو العالم، فعبر إلى أوروبا فى شكل حكايات مستقلة، قبل أن يصبح جزءاً من ألف ليلة وليلة. وكتاب «تربية العلماء» لموسى سفردى واعتمد فيه على كتاب «محاسن الكلم» لبشر بن فاتك وعلى مجموعة السندباد، وعلى «كليلة ودمنة»، وكان كتابه أول ما ذاع فى أوروبا المسيحية من القصص المستقى من أصول عربية. ويذكر أن المؤرخ الإسبانى خوان أندريس (Juan Andres) وهو من بين من اهتموا بالتأريخ للحضارة والآداب العالمية فى القرن الثامن عشر- قرر تأثير الأدب العربى فى الآداب الأوروبية، فى كتابه «أصول كل الآداب وتطورها وأحوالها الراهنة« الذى ألفه بالإيطالية ونشره بين 1782و1798م ، وأثبت ذلك على نحو منهجى، متتبعاً مصادر التأثير وروافده، قائلا بالنص الحرفى: «إن الفكر الحديث يعترف ببنوته للعربية، لا فى العلم فحسب وإنما فى الأدب أيضا».