خطاب الرئيس هادى أمام الوزراء الجدد تبنى لغة صريحة دون اللجوء إلى الدبلوماسية بأداء حكومة الكفاءات الجديدة المكونة من 24 وزيرا، مناصفة بين ممثلى الشمال والجنوب، اليمين الدستورية أمام الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى بالرياض يوم السبت الماضى، بحضور رئيس مجلس النواب الشيخ سلطان البركاني، واستعدادها للانتقال إلى العاصمة المؤقتة - عدن - يتجه اليمن، إلى إعادة صياغة المنظومة الوطنية التى تعرضت خلال العامين المنصرمين، إلى قدر من الترهل والاحتقان عسكريا وأمنيا وسياسيا، فضلا عن التردى الاقتصادي، الذى يخيم على مختلف المحافظات محررة أو غير محررة، على نحو يفضى إلى حشد الصفوف والطاقات والقدرات، لاستعادة سيطرة الدولة على مفاصلها وجميع أراضيها خصوصا فى العاصمة صنعاء، وبعض المحافظات الشمالية، من قبضة المشروع الحوثى المهيمن عليها منذ سبتمبر2015. مع اقتراب عودة الحكومة برئيسها الدكتور معين عبد الملك، ووزرائها إلى عدن بشكل عاجل - وفق تعبير الرئيس هادى - فإن الخطوة الأولى التى ستقدم عليها، تتمثل فى إلقاء بيانها عن برنامج عملها أمام مجلس النواب، لا سيما أن الحكومات المتعاقبة منذ سبتمبر 2014 كانت تعمل دون ظهير برلمانى، ما جعلها موضع تشكيك فى شرعيتها من خصوم الدولة، ثم تبدأ على الفور فى تطبيق الأهداف والأولويات، والتى تجلت فى خطاب الرئيس هادى أمام الوزراء الجدد، والذى تبنى لغة صريحة دون اللجوء إلى الدبلوماسية، مثلما هو معتاد فى مثل هذه المناسبات، وتكمن أهم هذه الأولويات فيما يلى: أولا: أهمية أن تتحرك الحكومة كفريق واحد متناغم ومتجانس، بعيداً كل البعد عن التخندق الحزبى والمناطقى، وضرورة أن يسودها التآخى والتآلف والتناغم والانسجام، ونبذ الانقسام والفرقة، عوضا عن حالة الغناء خارج السرد التى عاش فيها بعض الوزراء، ومنهم من تولى حقيبة سيادية، فقد كان يطلق سهامه المناهضة للشرعية، ويتبنى فى بعض الأحيان مواقف تتعارض مع رؤية الحكومة والقيادة السياسية. ثانيا: متابعة ما تبقى من استحقاقات اتفاق الرياض - الذى يشكل السياق الإطارى للحكومة، بعد التوقيع عليه من قبل الشرعية والمجلس الانتقالى فى الجنوب بالعاصمة السعودية فى نوفمبر 2019 - خصوصا فى الجانب العسكرى والأمني، بما فى ذلك استكمال الانسحابات وجمع السلاح وتوحيد كل التشكيلات العسكرية، تحت إطار وزارة الدفاع، والمكونات الأمنية تحت إطار وزارة الداخلية وفقًا للاتفاق، وجعل العاصمة المؤقتة عدن، أولاً خالية من كل الوحدات العسكرية، وتمكين الأجهزة الأمنية من القيام بدورها، وفى هذا الشأن ينبه الرئيس هادى الحكومة قائلا: "لا نريد صراعا، ولا قطرة دم بعد اليوم، لابد أن تتوجه الجهود لتطبيع الأوضاع فى المحافظات المحررة لإنهاء سيطرة الحوثي". ثالثا: العمل بقوة على تعزيز البناء المؤسسى للدولة، وتوحيد أجهزتها الأمنية وعودة كل المؤسسات للعمل الجاد، وطبقا لتأكيد هادى، فإنه لن يكون هناك وزير فى الحكومة يمارس عمله من خارج الدولة والعاصمة، وسيعود الجميع ويعملون بطاقة إضافية لبناء هذه المؤسسات وفق الإمكانات المتاحة، لأن مواجهة التحديات الكبيرة لا تتم إلا بعمل مؤسسى منظم لكل أجهزة الدولة المركزية، وفى إطار من التعاون والتكامل مع السلطات المحلية وعلى مستوى كل محافظة. رابعا: التحرك سريعا لوقف تدهور الحالة الاقتصادية، ودعم العملة الوطنية (الريال)، التى وصلت إلى أدنى قيمة أمام الدولار، وبناء وتعزيز إيرادات الدولة ومؤسساتها المختلفة، للتخفيف من معاناة المواطن وتحسين الخدمات وتحقيق الأمن، وفى ضوء ذلك، فإن تعليمات الرئيس اليمنى كانت شديدة الوضوح للوزراء، فقد طالب كل وزير "بأن يكون قدوة لكل وزارته، ويداوم رسمياً وينسى السفريات، ويقرب منه الكوادر المؤهلة ويبنى وزارته بناء حقيقيا لا وزارات فى حقائب الوزراء، وأن تكون الوزارات فاعلة وحقيقية وهياكل حقيقية ودواما حقيقيا رسميا ومقرات معروفة للجميع، متعهدا برصد موازنة خاصة بالنفقات التشغيلية للوزارات برغم شحة الإمكانات". خامسا: ضرورة إحداث نقلة نوعية لاستئناف بناء المؤسسات اليمنية، وترسيخ العمل الإدارى فى الوزارات المختلفة، بما يتفق مع مبدأ المحاسبة ومكافحة الفساد بعيدا عن التجاذبات السياسية والحزبية، واتخاذ خطوات عملية باتجاه تفعيل إيرادات الدولة، سواء عبر تحصيل الرسوم القانونية وتنشيط عمل الموانئ، أم عبر التصدير لمزيد من شحنات النفط والغاز، وتعزيز فاعلية البنك المركزى ووضع حلول صارمة، تكفل عدم عبث الجماعة الحوثية بالاقتصاد الوطنى، وحسم ملفات واردات موانئ الحديدة لمصلحة رواتب الموظفين المتوقفة منذ بضعة أشهر. وقد حظيت الحكومة الجديدة بدعم إقليمى وعربى ودولى، سواء من عدد كبير من الدول العربية المؤثرة، أم من الدول الكبرى فى الغرب، أم من الجامعة العربية أم منظمة التعاون الإسلامى أم البرلمان العربى، بحسبانها خطوة مهمة باتجاه التوصل لتسوية سياسية شاملة للأزمة اليمنية - حسب رؤية البيان الذى أصدرته الخارجية المصرية فى أعقاب الإعلان عن تشكيلها الأسبوع قبل الماضى - والذى، ثمن حرص مختلف الأطراف على إعلاء مصلحة اليمن، وتحقيق تطلعات شعبه نحو إنهاء أزمته سعيا لاستعادة الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية، ولم تخرج معظم البيانات المرحبة بالحكومة عن هذا السياق. وفى ظل هذا الترحيب الإقليمى والدولى، فقد تسعى الأطراف المتقاطعة مع الأزمة اليمنية إلى توظيف الحالة الإيجابية، التى نجمت عن تشكيل حكومة الكفاءات، نحو إنعاش المفاوضات الشاملة، وممارسة الضغوط على الميليشيا الحوثية، للعودة مجددا للمفاوضات بمشاركة جميع الأطراف، بما فى ذلك المجلس الانتقالى الجنوبى، الذى بات شريكا رسميا فى معادلة السلطة الشرعية، فضلا عن ذلك، فإن سرعة الانتهاء من تنفيذ الشق العسكرى فى اتفاق الرياض، والمضى قدما فى استكمال ترتيبات اتفاق الرياض، الذى تأخر تنفيذه أكثر من 13 شهرا، سيكون من شأنه تعزيز ثقة الأطراف الموقعة عليه، بما ينعكس إيجابيا على التعامل مع أى محاولات تخريبية، تستهدف إعادة عجلة الزمن.