صدر عن دار الثقافة الجديدة كتاب جديد للدكتور وحيد عبد المجيد بعنوان "ديمقراطية القرن الحادى والعشرين". ويؤكد عبد المجيد وهو أحد أبرز خبراء مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، أن الأزمة التى تواجه الديمقراطية منذ بداية القرن الحادى والعشرين تختلف عن تلك التى ظهرت فى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى، مشيرا إلى أن الأزمة السابقة كانت نتيجة تحد واجه الديمقراطية من خارجها، مع ظهور الفاشية والنازية فى أوروبا. أما الأزمة الراهنة فهي تأتي من داخل الديمقراطية نفسها، نتيجة تراكمات خلقت حالة جمود في النظم السياسية في الدول التي وصلت ممارسة هذه الديمقراطية فيها إلى مدى بعيد، وأدت هذه الحالة إلى تمكين نخب سياسية واقتصادية محترفة من فرض نفوذها، وتفريغ الممارسة الديمقراطية من محتواها. وتتعلق الأزمة الراهنة فى جوهرها بالديمقراطية التمثيلية التى بدأ الغرب يعرفها منذ نهاية القرن الثامن عشر، وتطورت ممارستها على مدى قرنين، وامتدت إلى دول أخرى غير غربية... إنها، إذن، كما يوضح عبد المجيد، أزمة هذا النمط الديمقراطى، الذى يقوم على التمثيل السياسى، أى أن ينتخب المواطنون من يمثلونهم لفترة محددة، وينتظرون حتى موعد الانتخابات التالية إذا أراد بعضهم أو كثير منهم تحقيق تغيير، أو الاعتراض على سياسة ما. وموضوع الكتاب هو تحليل هذه الأزمة، وما يمكن أن يترتب عليها، وما سيكون عليه النظام الديمقراطى بعد سنوات، أو ربما عقود قليلة، وهو ما نعني به - يقول المؤلف - ديمقراطية القرن الحادى والعشرين. وينطلق البحث فى الكتاب من أنها أزمة تطور ترتبط بعملية تاريخية ستفضى إلى تطعيم الديمقراطية التمثيلية، التي بلغت أعلى مراحل تطورها في دول باتت راسخة فيها، بأشكال من الديمقراطية المباشرة. والفكرة الأساسية في الكتاب هي أن الأزمة تكمن في نظام التمثيل السياسي، وليس في الديمقراطية نفسها، وأن حلها سيحدث عن طريق آليات محددة نتوقع أن تكون في قلب التطور الذى سيغير مسار النظام الديمقراطي، ويؤدي إلى تطعيم الديمقراطية التمثيلية التي بلغت منتهاها بأشكال من الديمقراطية المباشرة. ومن أهم هذه الآليات: الاستفتاء العام المتكرر على قرارات تنفيذية، وتشريعات أساسية تمس قطاعات واسعة من المواطنين، بحيث تطرح للاقتراع عليها قبل أن تصدرها الحكومة أو يناقشها البرلمان، استدعاء الناخبين للاقتراع على أداء أي مسؤول تنفيذي أو عضو في مجلس تشريعي، سواء على المستوى الوطني أو المحلي، وسحب الثقة منه بدون انتظار إجراء الانتخابات التالية في موعدها أو حدوث تعديل في تشكيل الحكومة أو أي من المجالس والهيئات التنفيذية. وتتضمن الآليات كذلك فتح مجالات جديدة ومتجددة باستمرار للحوار السياسى والاجتماعى على المستوى الشعبي، وتوسيع نطاق الحركة في المجال العام، أي إكمال تحرير هذا المجال على نحو يدعم فرص وصول المشاركة الشعبية في إدارة الشأن العام إلى أعلى مستوى يمكن أن تبلغه. وكذلك شفافية كاملة بشأن الإنفاق العام، وكلما توسع نطاق هذه الشفافية أمكن تعميق الممارسة الديمقراطية عبر توفير أعلى درجات الرقابة على المال العام، وضمان إنفاقه في المجالات المخصصة لها، ووضع حد للفساد في استخدامه.