تحتفل منظمة التعاون الإسلامي، ثاني أكبر منظمة دولية سياسية ودبلوماسية بعد الأممالمتحدة، في 25 سبتمبر الحالي بذكرى تأسيسها الثالثة والأربعين وبالجهود التي قام بها المؤسسون الذين تحركت مساعيهم الخيّرة إثر محاولة حرق المسجد الأقصى عام 1969، وتكللت بقيادة الملك فيصل بن عبد العزيز مع عدد من قادة الدول الإسلامية بإنشاء المنظمة كمظلة جامعة للأمة في مواجهة الأخطار، وكمحفل للتباحث والتشاور وتنسيق المواقف والجهود إزاء مختلِف قضايا الأمة. وعلى امتداد السنوات الثلاث والأربعين الماضية، حققت المنظمة نجاحات كبيرة لتوحيد مواقف المسلمين وتقوية التضامن والتفاهم الإسلامي وتنمية الجوامع المشتركة بينهم. كما حققت نجاحات على مستوى علاقاتها الدولية وأصبحت شريكاً أساسياً لعدد من المنظمات الدولية الإقليمية، وفي مقدمتها العلاقات الإستراتيجية مع الأممالمتحدة. ونتيجة للتطورات التي شهدها العالم مع مطلع الألفية الجديدة وشيوع التوجه السياسي لكثير من الدول، ومنها بعض الدول الإسلامية، نحو التعددية وتعزيز حقوق الإنسان والانفتاح الاقتصادي، تأكدت الحاجة إلى تبني المنظمة لبرنامج إصلاحي يضعها على مسار ثابت لتحقيق الأهداف السامية المنوطة بها، وبما يجعل منها قاطرة التقدم والازدهار للأمة الإٍسلامية. وتوجت محاولات إصلاح المنظمة وتطويرها في انعقاد القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة بمكة المكرمة في عام 2005، وذلك بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وقد دشنت هذه القمة عهداً جديداً في عمل المنظمة من خلال إطلاق برنامج العمل العشري ولاحقاً اعتماد الميثاق الجديد للمنظمة في القمة الإسلامية الحادية عشرة المنعقدة في العاصمة السنغالية دكار في عام 2008. وتجلى ذلك العهد بانعقاد الدورة الاستثنائية الرابعة للقمة الإسلامية في منتصف أغسطس 2012 سعي قادة العالم الإسلامي نحو التصدي لمخاطر التناحر بين أبناء الأمة الواحدة، وذلك في ضوء الخشية من تحول الخلافات المذهبية بين المسلمين إلى مواجهات لا تبقي ولا تذر. وقد توجت أعمال هذه القمة بقرار إنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية. وحققت المنظمة، تنفيذاً لبنود ميثاقها الجديد، تطوراً مؤسساتياً هاماً بإنشاء الهيئة المستقلة الدائمة لحقوق الإنسان. ويعتبر هذا الإنجاز نقطة تحول فاصلة في تاريخ المنظمة، لأن مثل هذه الهيئة ستصبح إحدى الدعائم الراسخة للتوجيه السياسي للحكم الرشيد. كما تقوم المنظمة بمعالجة بعض القضايا السياسية ضمن دورها في تعزيز السلم وفض المنازعات وهو الدور الذي يستدعي أيضاً معالجة قضايا الجماعات والمجتمعات المسلمة في البلدان غير المسلمة في مختلِف أنحاء العالم. وقد برز بصورة جلية دور المنظمة البارز في معالجة أزمة مسلمي الروهينغا، حيث تمكنت المنظمة بعد زيارة بعثتها لتقصي الحقائق إلى ميانمار من التوقيع على مذكرة تعاون لتنفيذ برنامج إنساني في هذا البلد. وفي غمرة تخليد المنظمة لذكرى تأسيسها الثالثة والأربعين، تحتدم في عدة دول إسلامية موجة غضب عارمة في أعقاب صدور الفيلم المسيء للإسلام في الولاياتالمتحدة والرسوم الكرتونية في مجلة فرنسية، وهما يجسدان بشكل سافر تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا كأحد التحديات الجديدة التي يواجهها العالم الإسلامي. وقد سارعت المنظمة إلى التنبيه على خطر هذه الظاهرة وتهديدها للسلم والأمن في العالم، ولاسيما بعد تفاقمها بعد ما أضحت جزءاً من برامج الأحزاب السياسية اليمينية في الغرب، وقد بذلت المنظمة جهوداً مكثفة بالتعاون مع أطراف دولية فاعلة، وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة. وتوجت هذه الجهود باستصدار القرار رقم 16/18 من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في مارس 2011. وقد نص هذا القرار على "مكافحة التعصب والقولبة النمطية السلبية والوصم والتمييز والتحريض على العنف وممارسته ضد الناس بسبب دينهم ومعتقدهم". كما انطلق مسار اسطنبول في العام الماضي بمشاركة رسمية أمريكية وأوروبية لتنفيذ هذا القرار، كما تعزز هذا القرار بإصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة وبالإجماع قرارها رقم 66/167A في ديسمبر 2011.