د. أحمد سيد أحمد تنفست إيران الصعداء مع هزيمة الرئيس ترامب فى الانتخابات وفوز المرشح الديمقراطى بايدن ، انطلاقا من أن ترامب اتبع سياسة أقصى الضغوط عبر العقوبات تجاهها وتجاه أذرعها فى المنطقة، بينما تراهن أن يعود بايدن إلى الحوار و الاتفاق النووى الذى تم توقيعه فى عام 2015. حالة التفاؤل ال إيران ى تعتمد على تصريحات بايدن قبل الانتخابات وأشار فيها إلى خطأ سياسة ترامب تجاه إيران ، وأنها أدت لقيام طهران بالمزيد من عمليات تخصيب اليورانيوم أضعاف ما كانت عليه قبل توقيع الاتفاق وأنه مع الحوار والعودة للاتفاق النووى إذا التزمت إيران بكل بنوده أولا. لكن فى الواقع أن هناك حدودا للتغير فى السياسة الأمريكية تجاه إيران فى عهد بايدن لعدة اعتبارات: أولا: أنه فى عقب انسحاب ترامب من الاتفاق النووى فى عام 2018 وفرض العقوبات قامت إيران بالتحلل التدريجى من بعض التزاماتها فى الاتفاق وقامت بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم لأكثر من 4.5%، كما زادت من عدد أجهزة الطرد المركزى ، وبالتالى امتلاك كميات أكبر من اليورانيوم المخصب تتجاوز 300 كيلو جرام المنصوص عليها فى الاتفاق، كما أنها أعادت العمل فى مفاعل نطنز للأبحاث و تخصيب اليورانيوم بالمخالفة للاتفاق. وقد اشترط وزير الخارجية ال إيران ى محمد جواد ظريف عودة إيران إلى الالتزام بكل بنود الاتفاق النووى برفع العقوبات الأمريكية، والسؤال من سيبدأ أولا فى اتخاذ المبادرة أمريكا أم إيران ؟، فإدارة بايدن سترهن رفع العقوبات بمدى التزام إيران ببنود الاتفاق، بينما تشترط طهران رفع العقوبات أولا وهو ما يمثل عقبة كبيرة أمام الحوار فى ظل حالة عدم الثقة بين الطرفين ويعيد تكرار سيناريو أمريكا و كوريا الشمالية . ثانيا: عودة بايدن للاتفاق النووى المبرم فى 2015 لن تعنى العودة للحالة الأمريكية قبل انسحاب ترامب، فبايدن مع تعديل الاتفاق الحالى بصيغة جديدة تشمل ضمانات صارمة وآليات محددة لمنع إيران من امتلاك السلاح النووى، وذلك بتعديل البند المتعلق بمدة الاتفاق، بند الغروب، والمفترض أن ينتهى فى 2025 ويمكن ل إيران بعدها زيادة عمليات التخصيب، وهو ما كان أحد العيوب الخطيرة فى الاتفاق التى دفعت ترامب للانسحاب منه، ولذلك سيتفاوض بايدن على جعل التزام إيران بعدم زيادة التخصيب بشكل دائم، خاصة أن الاتفاق أسهم فى تحجيم قدرات إيران فى مجال التخصيب، لكنه لم يلغ تماما تلك القدرات وهو ما يعنى أن إيران لديها البنية التحتية القوية لبرنامجها النووى ومن ثم القدرة على امتلاك السلاح النووى فى أى وقت، ودليل ذلك قيام إيران بتطوير أجيال أكثر تقدما من أجهزة الطرد المركزى . كما ستفاوض إدارة بايدن على وجود ضمانات قوية للدخول لكل المواقع ال إيران ية العسكرية ذات الصلة بالأنشطة النووية عبر مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى ظل تعنت إيران ومنع مفتشى الوكالة من الدخول لبعض المواقع العسكرية تحت الأرض. كما أن إدارة بايدن ستربط الاتفاق أيضا بالملفات الأخرى خاصة برنامج إيران الصاروخى الباليستى ودورها فى زعزعة الاستقرار ودعم الإرهاب فى المنطقة عبر أذرعها الإرهابية فى العراق واليمن ولبنان وسوريا. ووفقا لقرار مجلس الأمن 2231 الذى اعتمد الاتفاق النووى فقد نص على ألا تقوم إيران بتطوير برنامجها الباليستى ومنع تصدير الصواريخ إلى الخارج، وهو ما اخترقته طهران وطورت أجيالا متعددة من الصواريخ الباليستية، كما أنها زودت ميليشيات الحوثى الانقلابية فى اليمن بتلك الصواريخ والتى استهدفت بها الأراضى السعودية والأهداف المدنية ومنها المطارات والمنشآت النفطية. فى المقابل ترفض إيران إجراء أى تعديل على الاتفاق النووى وتصر على الاتفاق الحالى بكل بنوده، ورغم أنها قد تبدى مرونة فيما يتعلق بتمديد مدة الاتفاق فإنه من الصعب عليها تقديم تنازلات فيما يتعلق ببرنامجها الباليستى وهو أهم سلاح تمتلكه القوات ال إيران ية، كما أنها لن تتنازل عن دعم أذرعها الإرهابية فى المنطقة خاصة ميليشيا حزب الله وبعض فصائل الحشد الشعبى فى العراق مثل حزب الله العراقى وعصائب أهل الحق والنجباء وميليشيا الحوثى فى اليمن والتى أنفقت عليها المليارات لتوظيفها فى خدمة الأجندة ال إيران ية وتعظيم دور إيران الإقليمى فى المنطقة، وهو ما يمثل أيضا عقبة أمام الحوار مع إدارة بايدن. ثالثا: العقوبات التى فرضها ترامب على إيران طالت كل أوجه الاقتصاد ال إيران ى، خاصة القطاعات الأساسية مثل النفط والغاز والبنوك، وليس من السهل على إدارة بايدن رفع كل تلك العقوبات، خاصة أن قانون مواجهة خصوم أمريكا فى الخارج عبر العقوبات، الذى أقره الكونجرس الأمريكى فى أغسطس 2017 بأغلبية ساحقة، يشمل فرض عقوبات على روسيا و إيران و كوريا الشمالية ، كما أن شراء إيران أسلحة من روسيا يعرضها لمزيد من العقوبات الأمريكية وفقا لهذا القانون. رابعا: ستراعى إدارة بايدن مخاوف إسرائيل ودول الخليج فيما يتعلق ببرنامج إيران النووى إضافة إلى تركيزه سيكون بالأساس على الداخل الأمريكى ومواجهة جائحة كورونا، وكل هذه العوامل تضع حدودا على التقارب والتغير فى السياسة الأمريكية تجاه إيران فى عهد بايدن. * نقلًا عن صحيفة الأهرام