ليس شائعا أن يذهب الصحفيون أو الإعلاميون إلى القرى التي ترجع أصول المشاهير إليها، ولم تخرج قرية باسوس مقر أسرة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، عن هذه القاعدة فاستقبلتنا باندهاش واستغراب وبعدوانية انقلبت إلى "قفشات" قروية خففت من حرارة الشمس بالقرب من الطريق الدائري شمال القاهرة. وإيبسوس" هو الاسم الفرعوني للقرية الواقعة في الطرف الشمالي من محافظة القاهرة وتتبع إداريا القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية هي قرية ريفية في أغلبها ولكن لم تخل من مظاهر الحضر متأثرة في ذلك بجارتها من حيث المكان شبرا الخيمة. قرية باسوس تطل برأسها على الطريق الدائري وأغلب مساحاتها مدقات رملية ترابية تعتبرها السيارات والمارة طرقا يمكن السير فيها وإن لم تكن كذلك ولكن لا بديل. بمجرد أن تجاوزنا مدخل قرية باسوس - التي ذهبنا إليها بمناسبة بلوغ محمد حسنين هيكل سن التسعين - حاصرتنا نظرات أهالي القرية المدفوعة بفضول ريفي للكاميرا الصحفية والحامل الخاص بها وتجولنا في المكان بصورة فضحت أمرنا كأغراب متطفلين على المكان. "بتصور ليه؟" هذا هو السؤال الذي لم يمل الأهالي من توجيهه لنا، أينما رأوا مصور "بوابة الأهرام" يوجه عدسته نحو منزل أو نحو شارع أو نحو نهر النيل. كان القرويون الطيبون يسارعون بتوجيه السؤال بشكل عدائي سرعان ما يتبدد بمجرد أن ننطق بالمبرر والإجابة "موضوع عن قرية الأستاذ هيكل بمناسبة عيد ميلاده التسعة وتمانين". ردود الفعل على زيارتنا لباسوس لم تخل من طرافة، "عيد ميلاد الأستاذ يعني هتجيبولنا جاتوه" كانت تلك أحد التعليقات التي واجهتنا بعد فاصل من الاستفسارات والاستجوابات، نطقت بهذه الجملة سيدة ريفية تواري خجلها وضحكها المستمر من هيئتنا وعدم انتمائنا للمكان قبل أن تتدخل سيدة أخرى في الحوار "يا بت عيب هما برضه اللي يجيبو، ده احنا اللي نودي للأستاذ، بس مش هنوديله جاتوه ده تلاقيه غرقان فيه، احنا هنوديله زلعة مش وفطير مشلتت" قالتها قبل أن تواصل فاصل الضحكات الذي لم يتوقف أبدا. لم يفهمنا أحد المارة الذين سألناه عن الطريق للوصول لنهر النيل قبل أن يجيب علينا بامتعاض وبعد طول انتظار "آاااه قصدكو الجسر" وعرفنا فيما بعد أن هذا هو الاسم الرسمي لنهر النيل في قرية باسوس، استخدمنا المصطلح مرة أخرى حتى نبعد عن أنفسنا شبهة أننا غرباء عن المكان. الطابع المعماري لقرية باسوس مثل قرى كثيرة فقدت هويتها فلم تصبح حضرية بنسبة مائة في المائة ولا تمكنت من الحفاظ على نقاء الريف كما هي، فتجد المنازل خليطا من بيوت طينية وأخرى خرسانية، ومزيجا من "حواري" ضيقة وشوارع واسعة، جلابيب وبناطيل، فلاح وموظف. ال"توك توك" وسيلة الانتقال الرسمية في قرية باسوس فهو يتناسب مع طبيعة الطرق الرملية وضيق الشوارع والحواري التي لا تصلح في كثير منها لاستخدام السيارات. في كل منزل في باسوس يوجد ورشة لصناعة مدخلات الأجهزة الكهربائية من سيور وأجهزة مقاومة حتى إن البعض أطلق على باسوس تايوان شبرا الخيمة. وفى نهاية الجولة يمكن القول باختصار: إن قرية باسوس وقعت بين مطرقة المدنية وسندان الريفية بعد أن استضافت أسرة الأستاذ هيكل لعشرات الأعوام ولم تستضفه مقيما بل زائرا.