"الوضع في الانتخابات الأمريكية أشبه بالسير على حافة شفرة حلاقة"، هكذا وصفت شبكة "إن بي سي" الإخبارية الأمريكية، الأوضاع بالولاياتالمتحدة، قبيل ساعات من انطلاق الانتخابات الأهم في العالم، وبينما يتوقع الجميع اندلاع أحداث شغب وفوضى، قرر أصحاب المحال في العاصمة واشنطن وضع أبواب معدنية وحديدية فوق محالهم تجنبًا لتعرضها للتخريب أثناء أحداث الفوضى المتوقعة، وشهدت الولايات كلها حالة استنفار أمني غير مسبوقة. في الوقت نفسه، تواجه الشرطة الفيدرالية "FBI" ضغوطًا متزايدة وغير مسبوقة من أجل الحفاظ على الأمن العام قبل وأثناء وبعد الانتخابات المقرر لها يوم 3 نوفمبر الجاري، وسط توقعات باندلاع حرب أهلية، خصوصًا مع تصريح المرشح الديمقراطي جو بايدن ، بأنه سيستخدم الجيش لانتزاع منافسه من البيت الأبيض وطرده في حالة إصراره عدم تسليم السلطة بشكل سلس، إذا ما كسب الانتخابات، فيما صدر المرشح الجمهوري دونالد ترامب لفكرة "إما أنا أو الفوضى"، وأنه لن يقبل انتقالا سلسا للسلطة إذا خسر في الانتخابات، ومهد لذلك بالطعن على آلية التصويت بالبريد الإلكتروني، ما يعزز فكرة حدوث أزمة تتخطى الأزمة القضائية التي حدثت بين بوش الابن وآل جور في انتخابات 2000، إلى حرب أهلية وفوضى تضرب طول وعرض دولة يتنشر فيها السلاح مثل قطع الشيكولاتة. وإذا كان الديمقراطيون ومعهم الملونون بشكل عام وأصحاب البشرة السمراء خصوصًا، سيكونون أسلحة بايدن في حرب الشوارع المتوقعة، فإن ترامب هو الآخر يتسلح بأنصاره من البيض أنصاف المتعلمين، والذين هددوا بحرق واشنطن العاصمة وباقي الولايات، باعتبار أن مرشحهم تعرض للظلم. الأحداث نفسها تكررت في سياق مختلف بولاية فلوريدا في انتخابات 2000، حيث كان هوى الولاية القريبة من الجزر الكوبية جمهوري لصالح بوش الابن نكاية في الديمقراطي آل جور، نائب الرئيس بيل كلينتون، والذي أصر وقيادات حزبه وإدارته على إعادة الطفل اللاجئ إليان جونزاليس إلى بلده كوبا بعدما قذفته الأمواج لسواحل ميامي دون أمه التي ماتت غرقًا في إحدى قصص الهجرة غير الشرعية، ما أثار غضب الأمريكان من أصل كوبي الذين يشكلون أغلبية بالولاية وخرجوا في احتجاجات ضد إدارة كلينتون، استمرت حتى حدثت أزمة عد الأصوات بين بوش وآل جور لكي يخرجوا في مظاهرات عنيفة أدت لتنصيب بوش رئيسًا. نموذج فلوريدا مرشح لأن يتكرر بشكل أعنف، وربما يتحول لحرب أهلية حقيقية مثل التي حدثت في أعقاب فوز أبراهام لينكولن عام 1860، ما دعا وزارة الأمن الداخلي للتحذير من أحداث عنف محتملة ضد أهداف انتخابية مثل التجمعات الجماهيرية المرتبطة بالحملات، وأماكن الاقتراع، وأحداث تسجيل الناخبين، خصوصًا مع تزايد التهديدات حتى في الولايات التي تفرض قوانين صارمة على حيازة الأسلحة، تلك التهديدات التي وصلت لمحاولة اختطاف حاكمة ميشيجان الديمقراطية جريتشن ويتمير، واستهداف حاكم ديمقراطي ثاني هو رالف نورثهام من فرجينيا، وهو ما نجحت السلطات الفيدرالية في إحباطه. «بوابة الأهرام» تحدثت مع عدد من المتابعين والخبراء من واشنطن للكشف عن السيناريوهات المحتملة لما سيحدث في الأيام القليلة المقبلة... في البداية، يؤكد الدكتور ماك شرقاوي ، الكاتب والمحلل السياسي، إن سيناريو الفوضى المتوقع حذر منه الرئيس ترامب أكثر من مرة، حيث أكد أن الانتخاب بالبريد سيكون مدعاة لحدوث تجاوزات، وأن مكتب التحقيقات الفيدرالي استطاع بالفعل القبض على موظفين في هيئة البريد قاموا بإلقاء تسع بطاقات في القمامة كان منها سبعة لصالح ترامب، مضيفًا أن تلك الحادثة من الممكن أن تؤدي إلى تساؤل مهم وهو هل يمكن أن يكون هناك تلاعب في الأصوات؟، خصوصًا مع لجوء شريحة كبيرة من الأمريكان تصل إلى 70 مليون نسمة للتصويت المبكر بالبريد، وبالتالي فإذا كانت الانتخابات ليست في صالح ترامب فسوف يلجأ للطعن عليها بالتزوير، وهو ما يؤخر إعلان النتيجة والدخول في صراع قانوني. الدكتور ماك شرقاوي الكاتب والمحلل السياسي واستبعد ماك شرقاوي ألا يقوم ترامب بانتقال سلس للسلطة حال خسارته الانتخابات، مؤكدًا أنه سيناريو مستبعد، مبديًا تخوفه من أن مناصري دونالد ترامب خاصة من البيض المتعصبين قد يدخلوا مظاهرات مسلحة خصوصًا وأن معظمهم من حاملي السلاح، محذرًا من وقوع أحداث عنف وسرقة ونهب كالتي حدثت وقت مقتل المواطن ذي الأصول الإفريقية جورج فلويد، ومؤخرًا وقعت نفس الأحداث في ميتشجان، وحاليًا في بنسلفانيا التي أعلنت حظر التجوال. وبعكس استطلاعات الرأي التي مالت إلى بايدن، يتوقع ماك شرقاوي أن دونالد ترامب هو من سيحالفه الفوز، خصوصًا وأن تلك الاستطلاعات كشفت عن صعود ترامب مؤخرًا بنقطة أو نقطتين، ما يؤكد أن مجهودات حملة المرشح الجمهوري نجحت في إجبار «حزب الكنبة» الأمريكي على النزول والمشاركة، وأن ذلك ما سيقلب النتيجة لصالح دونالد، وأن من حقه اللجوء للقضاء والطعن على الانتخابات، والمحكمة العليا تفصل بسرعة في مثل هذه الأمور للوصول إلى النتيجة النهائية وتحقيق انتقال سلس وسليم للسلطة، مشيرًا إلى أن تعيين القاضية المحافظة إيمي كوني ليس معناه أنها والقضاء الستة الجمهوريون سيحكمون لصالح ترامب بالمخالفة للقانون، وأن القضاة عادة ما يعملون لصالح الشعب الأمريكي . وأضاف، أن استدعاء فكرة الحرب الأهلية في الوقت الحالي غير صحيحة، لأن آخر حرب أهلية وقعت في عهد أبراهام لينكولن ووقتها كان هناك صراع جوهري حول العبودية، وكان هذا سببًا طافيًا للاقتتال بين ولايات الاتحاد الأمريكي، مستبعدًا أن تصل احتجاجات مناصري ترامب لهذه الدرجة، لكن ممكن أن تكون احتجاجات عنيفة لأنهم وقتها سيرون أن بايدن سرق الانتخابات. وأضاف أن ترامب لن يفخخ منصب الرئيس قبل مغادرته البيت الأبيض في حالة خسارته، خصوصًا وأنه تعامل باحترافية عالية في الملفات الخارجية لصالح الولاياتالمتحدة، وفرض على المجتمع الدولي احترامها، لدرجة أن أحلامه باتت أوامر، بدليل أن دول العالم نفذت مطالبه مهما كانت، مؤكدًا أن العلاقات الخارجية ملف لا يهم الناخب الأمريكي بقدر ما يهمه الملف الاقتصادي، مشيرًا إلى أن الأمريكان الآن باتوا يعلمون أن ترامب قد وصل بالاقتصاد لأرقام قياسية خلال مدة حكمه، والآن وبعد فترة الركود العالمي بسبب كورونا أصبحت الحاجة ملحة لشخص يقود الولاياتالمتحدة كي تقف على قدميها اقتصاديًا. فيما يقول الدكتور أشرف الأنصاري، عضو الحزب الجمهوري، وعضو التحالف الأمريكي الشرق أوسطي المؤيد ل دونالد ترامب ، إن السلطة لن تنتقل بسهولة للديمقراطيين في حالة خسارة ترامب، لأن الأخير لا يعترف بالخسارة، وبعتبرها إهانة كبيرة له، مضيفًا أن ذلك جعل الديمقراطيين يعتقدون أن المحكمة الدستورية ستتدخل في حالة حدوث مشكله في آلية فرز الأصوات، خاصة في بعض الولايات مثل فلوريدا . وأوضح أن الشعب الأمريكي على درجة من الوعي لدرجة أنه لو شعر أن بايدن فاز بأصوات صحيحة، وفي أجواء لم تشبها التزوير فسوف يحتشد لمطالبة ترامب بالخروج من البيت الأبيض، مضيفًا أن ترامب نفسه يعتبر المحكمة العليا هي معركته الأخيرة بعد الانتخابات، ولا يفكر في أن يقود بلطجية يثيرون الفوضى كما تردد، وأن اللجوء إلى المحكمة من حق أي مرشح. الدكتور أشرف الأنصاري ويضيف سعيد عريقات ، المحلل السياسي، أن الدلائل والمؤشرات تشير إلى أن بايدن هو من سيفوز في السباق الانتخابي، وفقًا لأن حظوظه الأوفر نظرًا لأن الولايات المتأرجحة تقف في معسكره مثل بنسلفانيا وميتشجان ومنسيوتا وويسكونن ونورث كارولينا و فلوريدا ، وهي الولايات التي صوتت لصالح ترامب في 2016 لكنها تميل ناحية بايدن في الانتخابات الحالية. ويؤكد عريقات، أن أجهزة الأمن سرعان ما تسيطر على أي أحداث شغب محتملة، وأنها تتدرب من الآن على جميع السيناريوهات المحتملة، مضيفًا أن المستقبل لن يحمل انتقالا خشنًا للسلطة لأنه لم يحدث على مدار حكم ال44 رئيسا السابقين، متوقعًا ألا يصل الأمر للمحكمة العليا لأن الفوز سيكون محسومًا وبفارق كبير لصالح بايدن. سعيد عريقات المحلل السياسي من جانبه، يشير بول سالم ، رئيس مركز واشنطن للدراسات الإستيراتيجية، إلى أن سيناريوهات يوم 3 نوفمبر وما بعده صعب توقعها، وأن أكثرها سلمية هو اكتساح بايدن بفارق عن ترامب بما يجعله يقبل بالنتيجة، وأنه وقتها سيلقي باللوم على الظروف وجائحة كورونا دون أن يلوم نفسه. ويؤكد أن ترامب نفسه غير واثق من الفوز بنسبة كبيرة ويرتب نفسه لمرحلة ما بعد الرئاسة، متوقعًا أن يتحول إلى زعيم المعارضة في الحزب الجمهوري، ويقود الرأي العام المعارض لإدارة بايدن من خلال وسيلة إعلامية قوية سوف يشتريها، حتى تستمر الهالة السياسية والإعلامية حوله حتى 2024 عندما يكون قادرًا على ترشيح نفسه مرة أخرى رغم تقدمه في السن. ويضيف، إن المؤسسات الشرعية عليها أن تضمن الانتقال السلمي للسلطة في حالة الوصول لمرحلة المحكمة مثلما حدث في انتخابات بوش وآل جور، وأنه بعدما تقرر المحكمة فوز أو خسارة أي منهما من الصعب أن تسير تلك المؤسسات التي تتضمن الجيش والشرطة الفيدرالية التي لن تقف في صف ترامب إذا ما تحدى قرار المحكمة. بول سالم رئيس مركز واشنطن للدراسات الاستيراتيجية ويشير الدكتور حنا حنانيا ، مدير المجلس الأمريكي الفلسطيني، إلى أن بايدن وترامب لدى كل منهما فريق محامين جاهز بالولايات والمحاكم الفيدرالية للمعارك القانونية المرتقبة، مضيفًا أن هناك مسارا قانونيا متبعا لإجبار ترامب على الخروج من البيت الأبيض، مستبعدًا استعانة بايدن بالجيش لتنفيذ ذلك، وأنه يستبعد أيضًا الوصول لهذه المرحلة، لأن ترامب ينتظره مستقبل زاهر إذا خرج من البيت الأبيض. الدكتور حنا حنانيا مدير المجلس الأمريكي الفلسطيني أما الدكتور إدموند غريب ، المحلل السياسي، فيرى أن التحذيرات والتهديدات التي صدرت مؤخرًا، وتبني البعض اتخاذ منهج عنف وإحداث فوضى، قد يكون مستخدمًا لإرهاب الناخب الأمريكي وإجباره على التصويت لصالح مرشح دون الآخر، مضيفًا أن الفترة الماضية وقت مقتل فلويد حدثت أحداث فوضى وعنف وتعرضت أقسام شرطة للحرق، ولكن في النهاية تمت السيطرة على الموقف. وتوقع أن يكون الصراع داخل أروقة المحاكم، موضحًا أنه إذا كان ترامب قد هدد باللجوء للمحكمة العليا إذا ما خسر الانتخابات، فإن هيلاري كلينتون مرشحة الرئاسة السابقة نصحت بايدن أيضًا أن يلجأ للمحكمة في حالة خسارته، وأن ذلك يؤكد أن المطبخ السياسي داخل الحزبين يتم تهيئته في الوقت الحالي لمرحلة المناوشات بالمحاكم، ويتجهزان بكتائب من المحامين لرفع دعاوي في محاكم الولايات. الدكتور إدموند غريب المحلل السياسي ويؤكد على أن الأزمة الحقيقية الأخرى تكمن في أن هناك عددا كبيرا من الأسلحة في أيدي المواطنين الأمريكان، والذي يصل إلى من 400 إلى 650 مليون قطعة سلاح، وهو الأمر الذي تسمح به المادة الثانية من الدستور الأمريكي، موضحًا أن نزول الجيش إلى الشارع لضبط الأمن وإعادة الاستقرار سيحدث فقط في حالة حدوث حالة تمرد واسعة، وأن ترامب نفسه لوح باستخدام الجيش بعد الأحداث اللاحقة لمقتل فلويد، وأن ذلك كان مصدر عدم ارتياح داخل الأوساط العسكرية. ويوضح الدكتور إدموند غريب ، أن الولاياتالمتحدة لاتزال دولة مؤسسات، وهناك قوانين لتفعيل الحرس الوطني للقيام بمهام انتخابية، وهو الحرس الموجود في كل ولاية، وهو قوة عسكرية مسلحة أيضًا، وهناك قانون قديم يقتضي بأنه في حالة حدوث تمرد فلابد أن تتدخل تلك القوات لحماية الحدود الأمريكية. فيما يقول توفيق البرقاوي ، عضو مجلس إدارة اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز، إن ترامب سيتعمد عرقلة الانتقال السلمي للسلطة، بالتشكيك في نزاهة الانتخابات، عكس الدارج في السنوات السابقة لكل الانتخابات الرئاسية، مشيرًا إلى أنه إذا تم حسم الولايات المتأرجحة مثل فلوريدا وبنسلفانيا وميتشجان لصالح بايدن ستنتهي الانتخابات لصالح الأخير دون الدخول في تلك السيناريوهات المقلقة، متوقعًا حدوث مشاكل في الجنوب، حيث إن معظم الداعمين لترامب مليشيات مسلحة من البيض المتعصبين. توفيق البرقاوي