تتساءل مزحة شهيرة عن ردة الفعل، إذا ما سقطت حشرة فى كوب القهوة الخاص بأحد الأشخاص، وتقول إن هذا الشخص إذا كان إنجليزياً، فإنه سوف يلقى بالكوب ويغادر المقهى على الفور، أما إذا كان أمريكياً، فإنه سوف يخرج الحشرة ويكمل قهوته، ولو كان صينياً، فإنه سوف يأكل الحشرة ويلقى بالقهوة، أما إذا كان إسرائيليا، فإنه سوف يبيع القهوة أولا إلى الأمريكان، والحشرة إلى الصينيين، ثم يملأ العالم بكاء وعويلا، حول أمنه الذى أصبح معرضاً للخطر، ويتهم الفلسطينيين بإلقاء الحشرة فى القهوة، ويعيد احتلال الضفة وغزة، ثم يطلب من صاحب المقهى، أن يسمح له بشرب القهوة مجاناً مدى الحياة على سبيل التعويض. على الطريقة نفسها خرج رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو قبل أيام، ليغرد بعد ساعات من الإعلان عن بدء التطبيع الرسمى بين الدولة العبرية والسودان، ليقول فى لهجة لا تخلو من صلف، إن إسرائيل تتطلع إلى إقامة سلام دافئ مع الخرطوم، وإنها على سبيل التحية والمبادرة بمد جسور الصداقة والتعاون، سوف ترسل بشكل فورى إلى الأصدقاء الجدد فى السودان طحينا بقيمة خمسة ملايين دولار.!. على هذا النحو من الغرور والكبرياء الزائف، تنظر الدولة العبرية إلى سباق الهرولة الذى انضمت إليه دول عربية عدة، مع الأسف الشديد، خلال الشهور الماضية، من أجل تطبيع شامل ومجانى فى العلاقات، لم يخل من مبالغات، لم تتوقف عند حد تبادل السفراء ورسائل التهنئة بفتح صفحة جديدة، بل وإضاءة معالم تاريخية وعصرية بألوان العلم الصهيوني ، للإيحاء بالاحتفال الشعبى بمثل هذه الخطوة، رغم أن إسرائيل تعلم أكثر من غيرها، أنها مجرد خطوات بائسة، لأسباب انتخابية بحتة، ل دعم الرئيس ترامب فى معركته الملتهبة، أمام خصمه اللدود جو بايدن ، الذى ينظر إليه كثير من السياسيين فى المنطقة، باعتباره العدو الأكبر للعرب، ويرون أن بلوغه سدة الحكم فى البيت الأبيض، سوف يجلب الوبال على كثير من البلدان العربية، ويتسبب فى نهاية القضية الفلسطينية .! لا يفلت رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومن خلفه جوقة من قيادات حزب الليكود فرصة، إلا وأطلق مثل تلك التصريحات، التى تقترب إلى حد كبير من المكايدة السياسية للشعوب العربية، التي يعرف هو أكثر من غيره، أنها لا تعبأ كثيرا بقرارات تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، ولسان حالهم يقول: ليعلن الطرفان ما يشاءان من اتفاقات، لأنها تظل فى النهاية مجرد حبر على ورق، حتى عودة آخر شبر من الأراضى العربية المحتلة، وحتى يعود العربى المشرد إلى داره، والمزارع المغدور إلى بيارته، ويرتفع العلم الفلسطيني على دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.. رغم أنف نتانياهو وعربون صداقته مع السودان، الذي كان حتى وقت قريب، وسيظل رغم كل المحن، سلة غذاء العالم. * نقلًا عن صحيفة الأهرام