هل فشل الرهان على القطاع الخاص فى التعامل مع مشكلات سوق العمل ؟ هذا هو التساؤل المطروح الآن على الساحة المصرية فى ظل التطورات الأخيرة. خاصة فى ظل السياسة الاقتصادية الحالية القائمة على إفساح المجال للقطاع الخاص للإسهام بالنصيب الأكبر فى العملية الإنتاجية ، وبالتالى القيام بالمهام الاقتصادية الأخرى باعتباره القادر على تحريك النمو واستيعاب العمالة ومن ثم منحته العديد من الحوافز لتشجيعه على الاستثمار الجيد والجاد، بل وقدمت العديد من التسهيلات والإجراءات ل تلافى الآثار السلبية لفيروس كورونا ، وذلك مقابل الاحتفاظ بالعمال وعدم التلاعب فى أجورهم. ويصبح التساؤل هو إلى أي مدى نجح فى التعامل مع هذه المشكلة؟ وتشير الإحصاءات إلى أن معدلات التشغيل «وهى عبارة عن إجمالي المشتغلين منسوبا إلى السكان فى سن العمل» فى تراجع مستمر حيث هبطت من 45% عام 2010 الى نحو 39% عام 2019، واستمرت فى التراجع لتصل الى 35% خلال الربع الثاني من عام 2020. وهو ما يشير إلى أن الاقتصاد المصري غير قادر على توليد فرص عمل جديدة لجذب الداخلين الجدد للسوق، مما أدى لانسحاب شريحة لابأس بها من العاملين، خاصة النساء،تحت وطأة الظروف السائدة. لذلك تراجعت قوة العمل من 29 مليونا عام 2017 الى 28 مليونا عام 2019، واستمرت فى التراجع لتصل الى 24 مليونا خلال الربع الثانى من عام 2020. هذا فضلا عما شهدته الأسواق خلال الفترة الحالية من تراجع فى اعداد المشتغلين بنحو 2.7 مليون، وكان التراجع بالاساس لدى القطاع الخاص المنظم والذى فقد نحو 1.8 مليون فرصة عمل. ولذلك ارتفعت نسبة المتعطلين، ممن سبق لهم العمل لتصل إلى 74% من إجمالي المتعطلين، هذا فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة اصلا. وعلى النقيض من ذلك فقد ارتفعت أعداد العاملين بالقطاع الحكومى. الأمر الذى يشير الى امرين اولهما فشل القطاع الخاص المنظم فى استيعاب المزيد من العمالة، والاهم هو تسريح عدد لابأس به من العمال. وبعبارة اخرى فقد فشل هذا القطاع فى الحلول مكان الحكومة واستيعاب العمالة، ويمكننا إرجاع السبب فى ذلك الى مجموعتين من الأسباب بعضها يتعلق ب القطاع الخاص نفسه والبعض الآخر يتعلق بالسياسات الحكومية المطبقة. ففيما يتعلق ب القطاع الخاص فقد ركز على القطاعات والانشطة التى تتسم بضعف قدرتها على استيعاب العمالة او التى تنخفض فيها مرونة التشغيل للناتج، وذلك لاعتماده على مشاريع إنتاجية ذات كثافة رأسمالية مرتفعة وهو ما ادى إلى ارتفاع تكلفة التشغيل. فضلا عن عزوف الأفراد عن العمل لديه لتراجع ظروف العمل وعدم الشعور بالأمان المستقبلي، حيث إن العديد من المنشآت لا توفر البيئة المناسبة والتى تضمن له الاستقرار والتحوط نحو المستقبل، وهو ما تطلق عليه منظمة العمل الدولية العمل اللائق وهنا يشير بحث القوى العاملة عن الربع الثاني من عام 2020 إلى أن نسبة المشتغلين بأجر وبعقد قانونى لدى القطاع الخاص المنظم تصل الى 31.6% مقابل 98.7% لدى الحكومة والقطاع العام، كما تشير أيضا إلى أن نسبة المشتركين في التأمينات الاجتماعية لدى العاملين بأجر فى القطاع الخاص المنظم تصل الى 36.8% مقارنة بنحو 98% لدى القطاع الحكومى والعام، وتصل نسبة المشتركين فى التأمين الصحى لدى هذا القطاع الى 29.5% مقابل 98% لدى الحكومة والقطاع العام. وكلها مؤشرات تدل على أن بيئة الأعمال لدى القطاع الخاص المنظم مازالت دون المأمول ولا توفر الحد الأدنى من متطلبات العمل اللائق، فما بالنا ب القطاع الخاص غير المنظم!. وينبغي ألا يفهم من ذلك أننا ضد القطاع الخاص ودوره فى المجتمع، بل على العكس من ذلك تماما ولكننا نحاول الحديث عن مدى توافر شروط العمل اللائق التى تجعل هذا القطاع أكثر جاذبية مقارنة بالقطاع الحكومي. وقد لعبت السياسات الحكومية دورا أساسيا فى تغذية هذه العملية، فعلى سبيل المثال مازالت سياسات الأجور لدى القطاع الحكومى والعام افضل بكثير من السائدة لدى القطاع الخاص ، وخير دليل على ذلك قيام الحكومة بتطبيق الحد الأدنى للأجور والذى وصل الى 2000 جنيه شهريا، بينما مازال القطاع الخاص لا يطبق هذه السياسة، وهنا تشير البيانات إلى أن المتوسط الشهرى للأجور النقدية لدى القطاع العام والحكومة أعلى من مثيله فى القطاع الخاص . ناهيك عن المعاملة الضريبية للأجور والتى تجعلها أكثر انحيازا للعاملين بالحكومة مقارنة ب القطاع الخاص .هذا فضلا عن أن بعض القوانين السارية حاليا والتى توفر مزايا عديدة لا تتاح للعاملين في القطاع الخاص . وتوفر الوظائف العامة ظروف عمل أفضل بكثير من القطاع الخاص ، فبينما يحصل 94% من العاملين بالقطاع العام على إجازات مدفوعة الأجر، فإن 47 % فقط من نظرائهم ب القطاع الخاص الرسمى يحصلون على هذه الميزة.وتؤدى ظروف العمل الجيدة فى القطاع الحكومى إلى تزايد الطلب على الالتحاق بهذا القطاع ورفع شعار «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه» وفشلت كل الخطط الحكومية فى إلغائه. كل هذه الأمور وغيرها توضح لنا بما لا يدع مجالا للشك أن هناك إمكانات كبيرة لمساهمة القطاع الخاص فى امتصاص قدر لابأس به من البطالة بالبلاد.وقد يرى البعض ان الظروف الحالية غير مشجعة على ذلك فى ضوء الزيادات المستمرة فى تكاليف المدخلات سواء تعلق ذلك بأسعار الطاقة او غيرها من مستلزمات الإنتاج، وعلى الرغم من الوجاهة النظرية فى هذه المقولة إلا أنها ليست صحيحة على الإطلاق، فمازالت معظم التكاليف الأخرى ثابتة ومعقولة الى حد كبير ومازالت أسعار مدخلات الإنتاج، رغم زيادتها خلال الفترة الماضية، مناسبة تماما إذا ما قورنت بالبلدان المنافسة. خاصة فى ضوء الامتيازات الأخرى التى يحصل عليها هذا القطاع. وبالتالى يجب عليه أن يتحمل المسئولية الملقاة على عاتقه، خاصة خلال المرحلة الراهنة، والتى تتطلب مشاركة فعالة وقوية لهذا القطاع إذا أراد أن يكون شريكا حقيقيا وفاعلا فى العملية التنموية. * نقلًا عن صحيفة الأهرام