د. إسلام عوض في مثل هذه الأيام من كل عام تتعطر المحروسة بعبير النصر، وترتدي ثوب العزة في يوم عرسها، وتطوق عنقها بِعِقد الكرامة والفخر؛ وتسير رافعة رأسها يناطح السحاب ينازع النجوم في عنان السماء، فمن حق مصر أن تفخر وأن تمشي مزهوة؛ وقد حباها الله على مر العصور والأزمان ب " خير أجناد الأرض ". هذه هي مصر يا سادة التي رفع الله شأنها وحفظها وحفظ أهلها من كل مكروه وسوء، إنها مصر الوحيدة التي ذكر الله اسمها في قرآنه الكريم، ليس مرة واحدة؛ بل أكثر من 25 مرة ما بين تصريح وتلميح. مصر يا سادة هي خزائن الأرض؛ ألم يطلب النبي يوسف "عليه السلام" من ملك مصر أن يجعله مسئولًا عن خزائن الأرض؛ قال تعالى: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف - 55)، وقال السيوطي إنه جاء في بعض الكتب الإلهية ( مصر خزائن الأرض كلها فمن أرادها بسوء قصمه الله). وأوصى رسولنا الكريم محمد "صلى الله عليه وسلم" بأهلها خيرًا، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: "إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمةً ورحمًا" (صحيح مسلم)، كما أثنى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" على أهل مصر وجيشها قائلًا: (الله الله في قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله). (أخرجه الطبراني). وجاء في العهد القديم – سفر إرميا 42 : 18 تحذير الرب لبقيّة يهوذا من محاولة دخول مصر قائلًا: ".. كذلك ينسكب سخطي عليكم إذا ذهبتم إلى مصر، فتصبحون مثار سبّة ودهشة ولعنة وعار..). وقال فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - عن مصر: " مصر الكنانة ، مصر التي قال عنها رسول الله "صلى الله عليه وسلم" أهلها في رباط إلى يوم القيامة، مصر التي صدرت الإسلام للدنيا كلها؛ هي التي صدرت لعلماء الدنيا كلها علم الإسلام، صدرته حتى للبلد التي نزل بها الإسلام. وتابع فضيلة الإمام متسائلًا: "من الذي رد همجية التتار؟ إنها مصر.. من الذي رد هجوم الصليبيين على الإسلام والمسلمين؟ إنها مصر.. وستظل مصر دائمًا رغم أنف كل حاقدٍ أو حاسدٍ أو مُستغِلٍ أو مُستغَلٍ أو مدفوعٍ من خصوم الإسلام هنا أو في الخارج." أما المفكر الكبير الدكتور جمال حمدان – رحمة الله عليه – فقال في مؤلفه "شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان": "موقع مصر المتميز ومناخها المعتدل جعلها قبلة شعوب العالم، سواء كان ذلك عن طريق السياحة، أو عن طريق عبور قناة السويس، أو من خلال الغزو، فذلك أدى إلى احتكاك ثقافات كثير من الشعوب بثقافة المصري؛ مما أكسب المصري الكثير من الثقافات والخبرات في شتى المجالات، سواء كانت عسكرية أو اجتماعية أو سياسية. وتابع "حمدان" قائلًا: "حبا الله مصر بكثير من النعم التي حُرمت منها كثيرٌ من الدول؛ فمن هذه النعم على سبيل المثال لا الحصر نهر النيل بمياهه العذبة، مما أتاح للمصري الأرض الخصبة التي أتاحت له العمل بالزراعة التي وفرت له صفات خير أجناد الأرض ". وسجل التاريخ لبعض القادة العسكريين شهادة فخر وإعزاز وشجاعة وبطولة وإقدام للجندي المصري وحده دون غيره من جند العالم، من هؤلاء القادة على سبيل المثال لا الحصر: أدولف هتلر: "لو كان لدي السلاح الروسي، والعقل الألماني، والجندي المصري، لغزوت العالم"، ونابليون بونابرت: "قل لي من يسيطر على مصر أقل لك من يسيطر على العالم"، وكلوت بك الطبيب الفرنسي: "المصريون أصلح الأمم وخير جنود الأرض؛ لأنهم يمتازون بقوة الأجسام، وتناسق الأعضاء، والقناعة، والقدرة على العمل، واحتمال المشقة، ومن أخص صفاتهم الامتثال للأوامر العسكرية، والشجاعة، والثبات عند الخطر، والتذرع بالصبر في مواجهة الخطوب والمحن". أما البارون بوالكونت فقال: "إن المصريين هم خير من رأيت من الجنود، فهم يجمعون بين النشاط، والقناعة، والجلد، والصبر، على المتاعب، مع انشراح النفس، فهم بقليل من الخبز يسيرون طوال النهار، يحدوهم الشدو والغناء، ولقد رأيتهم في معركة "قونية"، وقد استمروا في تلك المعركة ما يزيد على سبع ساعات متوالية في خط النار محتفظين بشجاعتهم، ورباطة جأش تدعو إلى الإعجاب، دون أن تختل صفوفهم، أو يسري إليهم الملل أو يبدو منهم أي تقصير في واجباتهم أو حركاتهم الحربية". وبارك الله أرض مصر بمرور العديد من الأنبياء بها ومنهم إبراهيم ويوسف وموسى وهارون وإدريس وعيسى وأمه السيدة مريم - عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام - وإدريس هو أول من بعث بأرض الكنانة مصر، واستمر فيها داعيًا إلى الله، إلا أن ملكها في هذا الوقت حاول قتله، وبعد ذلك عاد بعد أن أهلك الله ملكها الظالم، ومكث إدريس فيها قرابة العشرين عامًا. تحية من شعب المحروسة الأبي إلى كل ضابط وجندي من جيش مصر، وإلى كل شهيد ضحى بروحه من أجل أن تحيا بلادنا حرة أبية.