هل أبالغ إذا كتبت أننا أصبحنا مثل من يحتضن قنبلة وينام آمنا مطمئنا, وانه مازالت القاعدة العريضة من ناسنا وأهلنا تحكمهم أفكار ومعتقدات بالية عن الإنجاب، والعيل الذى يأتى برزقه وانه سيتحول إلى مصدر للرزق عندما يطلق للشارع يعمل ويتكسب، وربما يسوق «توك توك» وأن الأرض واسعة والنيل يتدفق, وننتبه فقط عندما يأتى من يطلق إنذارا جديدا، فالأرض تضيق كل يوم بمن فوقها والماء يشح والرزق ينكمش, ومع كل إنذار ننتفض ونفزع وتأخذنا الحماسة... وما أسرع ما نعود لاحتضان القنبلة دون أن نصدق أن زمن انفجارها يقترب وان الكارثة اكبر من أن نأخذها بالبساطة التى نتعامل بها .. وأحدث إنذارات انفجارها وجهه الرئيس أثناء افتتاح عدد من الجامعات الأهلية وفى مقدمتها الجامعة اليابانية للعلوم والتكنولوجيا . فى أثناء الافتتاحات أراد الرئيس أن ينبه إلى الخطر الكامن أو القنبلة التى تهدد الحاضر والمستقبل رغم ما يحدث من إنجازات وكيف عاش المصريون ألآف السنين حول مجرى النيل فى مساحة لا تتجاوز 4% من مساحة مصر وان الاتساع السكانى ظل ينمو حتى وصل الى 7% وان هناك سباقا غير متكافئ بين هذه الزيادة والاستعداد لإنشاء 20 مدينة جديدة لاستيعاب الزيادة المتوقعة .. كانت الحسبة السكانية المفزعة أن 3 أو 4 ملايين مواطن يعيشون على 4 ملايين فدان منذ نحو 200 سنة والآن أصبحنا 100 مليون يعيشون على نفس المساحة وبعد ان كان نصيب المواطن فدانا من الأرض أصبح الفدان يقسم على عشرة أفراد، وبقياس النسبة العددية للزيادة السكانية فعدد السكان سيتضاعف خلال الثلاثين عاما المقبلة ومن المتوقع أن يصل عدد سكان مصر عام 2050 إلي نحو 194 مليون مواطن ويصبح على المصريين ان يعيش كل عشرين مصريا على فدان واحد تضيق فيها وتنعدم فرص الحياة والأمل ويزداد الإحساس بالعجز والضيق والفقر. منذ سنوات أعلن .د. فاروق الباز ان الأقمار الصناعية كشفت انه إذا ظلت معدلات البناء والنهب والإهدار لأراضى الوادى القديم فعام 2050 لن يتبقى شبر واحد صالح للزراعة! أى أن الدولة لو لم تقم بثورة استرجاع ما يمكن استرجاعه ووضع نهاية لجرائم نهب الأرض والبناء فوقها لكان بيننا وبين انفجار القنبلة ثلاثون عاما فقط!. لا مجال لمناقشة بديهية أن السكان ثروة وقوة بشرية إذا توافرت لها مقومات الحياة السليمة والرعاية الصحية والتعليمية والتوعية بقيمة الطفولة ومسئولية التربية تحت مظلة قوانين حاكمة وملزمة تحرم وتجرم عمالة الطفولة باعتبارها المصدر الأول للمأساة إلى جانب ما لم يتغير من عادات وتقاليد وأفكار ومعتقدات اختلط بعضها بالدين وتحول إلى جزء منه، ودون وجود المواجهات القوية والتصحيح الواجب وقوانين تطبق بحزم للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وعدم التمييز واتساع آفاق العمل والإنتاج. وبالعودة إلى ما نشر على صفحات «الأهرام» وكما جمعها المؤرخ الكبير الراحل .د. يونان لبيب رزق نكتشف قدم المأساة وان تعبير الانفجار السكانى ليس وليد عصرنا وأن التعداد السكانى الأول جرى عام 1800 أيام الحملة الفرنسية وبلغ فيه عدد السكان نحو مليونين ونصف المليون وجرى التعداد الثانى عام 1821 ولم يزد عدد السكان خلال هذين العقدين أكثر من سبعين ألفا بزيادة قدرها 1٫45% ولم يكن الإحصاء دقيقا فكما وصفته «الأهرام» جرى حسب كشوف الممولين وتم الإحصاء الثالث بعد ربع قرن عام 1864 وبلغ عدد المصريين ما يقرب من خمسة ملايين أما التعداد الأول الذى تعتبره «الأهرام» تنطبق عليه القواعد والنظم المعروفة فتم بعد أكثر من ثلث قرن عام 1882 وبلغ السكان نحو سبعة ملايين بزيادة وصلت الى 11٫18% مما شكل بدايات ما اصطلح على تسميته الآن بالانفجار السكانى غير ان هذا الانفجار أصبح حقيقة واقعة فى التعدادين التاليين فبعد خمسة عشر عاما وصل المصريون إلى ما يقرب من عشرة ملايين كان هذا فى تعداد 1897 وفى تعداد 1907 زاد العدد عن أحد عشر مليونا وقبل إجراء تعداد 1917 نبهت «الأهرام» الى مخاطر الزيادة غير المحسوبة للمصريين والآثار السيئة لمن لا يدركون أهمية التعداد أو يرفضون تقديم معلومات صحيحة. وفى يوم 6 مايو عام 1917 وبعد أربعين يوما كاملة من إجراء الإحصاء أعلنت المصلحة نتائجه الأولى التى اتضح ان عدد المصريين زاد إلي ثلاثة عشر مليونا وهو العدد الذى زاد كثيرا عما كان منتظرا لو استمر متوسط الزيادة على ما كان عليه قبل عشر سنوات حيث كان مقدرا أن يصل المصريون لنحو اثنى عشر مليونا ونصف المليون وأن الزيادة أكبر كثيرا فى الحواضر الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية وبورسعيد عنه فى الأقاليم ويستفاد من ذلك ان الاهالى فى مصر قد بدأوا ينزحون نحو المدن نزوحا واسع النطاق وكانت الدلالة واضحة .. علامات حمل مبكر فى الانفجار السكانى. بماذا نصف ما وصلنا اليه الآن وبعد ان أصبحنا 100 مليون يعيشون على نفس المساحة تقريبا وبعد ان كان نصيب المواطن من الأرض فدانا أصبح الفدان يقسم على عشرة وبمعدلات الزيادة السكانية سيتضاعف عدد السكان خلال الثلاثين عاما المقبلة حيث المتوقع ان يصل عدد سكان مصر عام 2050 الى 194 مليونا ...!! والى أن نستطيع ان نجعل من السكان قوه ضاربة أليس من حقنا أن نتساءل أين أجهزة إيقاظ الوعى بالمأساة وهل استطعنا أن نغير ما داخل الرءوس من معتقدات بالية وعادات وتقاليد ومفاهيم خاطئة وظالمة للدين، والى متى ستظل لا توجد قوانين حاسمة وباترة تمنع وتجرم عمالة الطفولة، وهل تستطيع خطط الدولة الآن إنقاذ القرى الأكثر فقرا وأن تخلق فرص عمل وحياة ونموا واستقرارا فى الريف والصعيد توقف الهجرة إلى المدن الكبرى، وهل تركز مؤسسات مسئوله كالمجلس القومى للمرأة وإدارة السكان بوزارة الصحة على إيقاف تفاقم المأسآة ومثل كل الأدوار المسئولة والغائبة غاب الخطاب الدينى المستنير الذى يندد بالكثرة الضعيفة ويشيد بالقلة القوية. نقلا عن صحيفة الأهرام