أعلن البنك المركزى المصرى مؤخرا أن الاحتياطيات الدولية للبلاد قد ارتفعت الى 38.2 مليار دولار خلال شهر يونيو مرتفعة بنحو 2 مليار عن مايو، ومنخفضة بنحو 7 مليارات عن يناير 2020. وهو ما دفع البعض للتساؤل عن اثر هذا الانخفاض على السلامة المالية وقدرة الدولة على سداد الالتزمات المستحقة عليها خلال الفترة القادمة. وهل المستوى الحالى لهذه الاحتياطيات يتناسب مع الاهداف المنوطة بها؟ والاهم من ذلك هل هناك مستوى معين للاحتياطيات لاينبغى النزول عنه؟ وماهو هذا المستوى وكيف يمكن تحديده؟ ان الاجابة عن هذه التساؤلات تحتاج لفهم الدور الذى تلعبه الاحتياطيات وتكلفتها. الاحتياطيات الدولية هى أصول مقومة بالعملات الأجنبية تسيطر عليها السلطة النقدية وتقع تحت تصرفها للاستخدام فى اغراض محددة يأتى على رأسها مواجهة الصدمات المحتملة فى الأوضاع الخارجية او التحركات غير المتوقعة فى اسعار صرف العملة المحلية كنتيجة للمضاربة عليها من جانب مجموعات من المتعاملين بالاسواق. وهى تنقسم الى شقين احدهما الاحتياطى الاستراتيجى لتغطية الاحتياجات الضرورية والدورية للبلاد والآخر احتياطى رئيسى لمواجهة اى صدمات طارئة او عوامل غير متوقعة تؤثر على اوضاع ميزان المدفوعات. ولذلك فإن هذه الاموال يجب ان تدار بشكل آمن وسريع السيولة، وهو ما يضع قيودا شديدة على استخداما بطريقة مفتوحة. وتتكون هذه الاحتياطيات من الذهب المحتفظ به فى خزائن البنك المركزى والعملات الاجنبية وحقوق السحب الخاصة التى تملكها الدولة وصافى الموقف لدى صندوق النقد الدولي. وهنا نلحظ ان نصيب الذهب من هذه الاحتياطيات قد ارتفع من 7.1% نهاية عام 2019 الى 10.7% نهاية يونيو 2020 حيث وصلت قيمة الذهب فى الاحتياطى الى 4.076 مليار دولار كنتيجة اساسية لارتفاع كميات الذهب لدى البنك المركزى بنحو 933 اوقية خلال يونيو بمفرده ونحو 28 الف اوقية خلال لعام 2019/2020 باكمله، بالاضافة الى ارتفاع سعره بالاسواق العالمية وفى المقابل انخفض نصيب العملات الاجنبية فى الاحتياطى من نحو 92% يناير 2020 الى 89% يونيو 2020 يغلب عليها الدولار بنحو 83% واليورو 2%. ويتوقف الحكم على مدى ملاءمة رصيد الاحتياطى على عدة امور اساسية هى درجة استقرار الصادرات والميل للاستيراد وتكلفة الاقتراض الخارجى واعبائه المستقبلية وتحركات الصرف الاجنبي. وبالتالى فلايوجد مستوى معين من الاحتياطيات، كنسبة معينة من الناتج وغيرها، يمكن اللجوء اليها ويطلب من الدولة الاحتفاظ بها. وبعبارة اخرى فان مناقشة المفهوم الأمثل لاحتياطيات العملات الأجنبية لابد ان يتم فى ضوء عدد من العوامل مثل الأهداف الاقتصادية لدى راسمى السياسات، الهيكل الاقتصادى للدولة، مصدر الصدمات التى تلحق بالاقتصاد... الخ. من هذا المنطلق تم وضع عدة معايير للحكم على هذه المسألة وهى عدد اشهر تغطية الواردات ونسبة الاحتياطى الى عجز الميزان التجارى او نسبة الاحتياطيات الى الدين الخارجى وتكلفة الاحتفاظ بهذه الاموال مقابل تكلفة الفرصة البديلة لاستثمارها. ويعد مؤشر تغطية الاحتياطيات لعدد اشهر الواردات هو الاكثر شيوعا وهنا يشير العديد من الدراسات الى ان الحجم الامثل هو الذى يغطى مابين ثلاثة لستة اشهر من الواردات السنوية من السلع والخدمات، وتشير الاحصاءات المصرية الى ان هذه النسبة تصل الى 8 اشهر اى انها اعلى من النسبة المطلوبة وهو مايراه البعض مغالى فيه كثيرا ويمكن بالتالى الاستغناء عن جزء من هذه الاموال واستثمارها بما يعود بالنفع على الاقتصاد القومى ككل. وقد انتهج البنك المركزى سياسة استثمارية لإدارة هذا الاحتياطى تهدف الى الخروج من النمط الاستثمارى التقليدى الى أدوات استثمارية أخرى ذات درجة مخاطر منخفضة جدا وتتمتع بعائد استثمار أفضل. وتوزيع الاحتياطى على عملات أخرى بجانب الدولارعن طريق استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار توزيع العملات وفقا للديون المستحقة وكذلك حسب التبادل التجارى وكلها أمور تشير إلى تحسن ملموس فى هذا السياق. ويرجع الانخفاض فى الاحتياطيات الدولية الى الإجراءات التى قام بها البنك المركزى للتعامل مع اثار فيروس كورونا والتى عصفت بالعديد من مصادر النقد الاجنبى مثل السياحة وتحويلات المصريين العاملين بالخارج ناهيك عن انسحاب المستثمرين الاجانب من الاستثمار فى ادوات الدين العام الحكومى حيث تشير الاحصاءات الى هبوط هذه الاستثمارات من نحو 27 مليار دولار نهاية فبراير الماضى الى نحو 10.5 مليار نهاية يونيو2020. وكذلك قيام البنك المركزى بتلبية احتياجات السوق المصرية من النقد الاجنبى لضمان استيراد السلع الاستراتيجية وسداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية وغيرها من الاجراءات، وقد خفف من وطأة الأزمة حصول مصر على نحو 13 مليار دولار فى صورة قروض من صندوق النقد الدولى او عبر طرح سندات دولارية بالاسواق الدولية.. وهنا نلحظ انه وعلى الرغم من ان السياسة النقدية القائمة على استخدام الأساليب غير المباشرة تضمن فى جانبها الأساسى التحكم فى النقد الاحتياطى إلا إن الفترة الاخيرة قد شهدت زيادة فى النقد الاحتياطى بمعدلات متزايدة حيث ارتفعت من نحو 15 مليار دولار نهاية يونيو 2013 الى 45.5 مليار فى نهاية فبراير 2020 قبل ان تتأثر بالتأثيرات السلبية لفيروس كورونا، كما اوضحنا سلفا. كنتيجة للتحسن فى الميزان الجارى بميزان المدفوعات فانخفض العجز فيه من نحو 20 مليار دولار عام 2015/2016 الى عجز بنحو 8.2 مليار دولار خلال عام 2018/2019 وسجل نحو 4.6 مليار خلال النصف الاول من العام المالى 2019/2020 وهو ما ادى إلى تحسن أوضاع ميزان المدفوعات ككل والذى حقق فائضا كليا بلغ 13 مليار دولار خلال العام المالي2017/2018 مقابل عجز كلى بلغ 102.5 مليون دولار خلال العام 2018/2019 وفائض بنحو 411 مليون دولار خلال النصف الاول من العام المالى 2019/2020. وذلك قبل ان يتأثر بانخفاض العناصر الرئيسية المغذية للاحتياطى وعلى رأسها تحويلات العاملين بالخارج والسياحة والصادرات ورسوم المرور فى قناة السويس. وبالتالى ماقام به البنك المركزى من إجراءات فى هذا المجال تتفق تماما مع الاهداف الاساسية لاستخدامات الاحتياطيات الدولية فى ظل الظروف الاستثنائية التى يمر بها الاقتصاد العالمى ككل. نقلا عن صحيفة الأهرام