بعد أن اعتاد المصريون على انقطاع الكهرباء لمدة تتجاوز 8 ساعات، وأحياناً يوم كامل، أصبح استعمال الشموع من أجل الإنارة شر لا بد منه بالنسبة للأغلبية الساحقة من العائلات المصرية، خصوصًا الفقيرة منها والتي لا يمكنها اقتناء مولد كهربائي لتعويض انقطاع الكهرباء. وأمام أزمة الكهرباء، وقبول الأسر المصرية أن يكون ضوء شمعة واحدة أفضل بكثير من الظلام الحالك الذي تشهده أغلب أحياء القاهرة ومحافظات الجمهورية تشهد تجارة الشموع تطورا كبيرا لدرجة أن أزمة انقطاع التيار الكهربائي قابلتها ندرة حادة في الشموع، وارتفاع وصلت نسبته إلى 100%، وأحيانًا 300% نظرا للطلب المتزايد على شراء الشموع بهدف الإنارة وتفادي العيش على وقع الظلام. تعلق هويدا عبد الحميد الموظفة قائلة: "حتى الشمع.. كل حاجة ماشية بالمقلوب اشمعنى الشمع اللي هيمشي مظبوط.. خليه يشوف له يومين زي كل حاجة.. وبعدين الحكومة قررت أن تحقق مبدأ العدالة الاجتماعية فقامت بقطع الكهرباء عن الجميع"، مشيرة إلى أنها تذهب إلى نحو 5 أو 6 محلات لشراء الشمع، بأسعار تزيد بنسبة 300% على أسعاره قبل بدء انقطاع الكهرباء، وأحيانًا يكون غير موجود إطلاقا. وتذكر عبد الحميد أنه في جميع الأحوال، فإن المواطن البسيط من يدفع دائما فاتورة انقطاع التيار الكهربائي وكذلك ندرة الشموع وغلائها في الأسواق، فأسعار الشموع أحرقت ميزانية الأسرة شهريًا، وبسبب تزايد الطلب بعد أن كان حجم الشمعة طبيعيا ويكفي للإنارة لمدة تزيد على ساعة انخفض حجمها وزاد سعرها في الوقت الذي تنقطع فيه الكهرباء لمدة طويلة، وبالتالي أصبح استهلاك متوسط 5 شمعات يوميًا يتفاوت سعرهم حسب المنطقة والندرة ويمثل عبئا كبيرا على ميزانية الأسر. وكما يقول المثل "مصائب قوم عند قوم فوائد" يوضح الحاج رمضان سيد صاحب محل عطارة، أن كل الشمع الذي كان لديه نفد سريعًا بعدما كان مكدسًا لعدة أشهر، مشيرًا إلى أن تجارة الشمع ازدهرت كثيرا منذ بداية شهر رمضان، لكن بعض المصانع لم يتوانوا عن استغلال الفرصة من خلال رفع سعر الشمع والمضاربة فيه، فبعدما كان سعر دستة الشمع الصغيرة قبل الأزمة 2.5 جنيه "جملة" أصبح الآن يترواح مابين 5.5 و6 جنيهات. ويقول سيد إن هناك رحلة وصفها ب"العذاب" تبدأ يوميًا بعد الإفطار حينما يذهب لمصنع الشمع ليحجز دورة في طابور الحاضرين وتنتهي مع وقت السحور بعد أن يحصل على الكمية التي يحتاجها وأحيانًا نصف الكمية، مشيرا إلى أنه بسبب تزايد الطلب يقوم أصحاب مصانع الشمع ببيع الأخير بالكيلو بعدما كان يباع بالدستة، وقد وصل سعر الكليو من الشمع الصغير 25 جنيها لتباع الشمعة بأسواق "التجزئة" بجنيه. يقول أحمد بن الحاج محمد الشماع صاحب مصنع شمع ب"درب البرابرة": منذ أن بدأت الكهرباء في الانقطاع وتزايد الطلب على الشمع بحوالي 4 أضعاف، نافيًا الاتهام الموجه لمصانع الشمع باستغلال الفرص ورفع الأسعار على التجار. ويوضح أن الأسعار عبارة عن منظومة لابد أن تحكمها رقابة. فارتفاع الأسعار بدأ من شركات تكرير البترول الموردة للشمع الخام (وهو عبارة عن مادة من مشتاقات البترول تسمي شمع البرافين) مع حلول أزمة انقطاع الكهرباء، حيث قامت الشركات بتأخير توصيل طلبيات الخام، ثم لجأت بعد ذلك إلى رفع الأسعار "مدعية حجج واهية" على حد قوله، فضلاً عن ارتفاع باقي مكونات صناعة الشمع من الخيط ومادة البودرة دون وجود أي مبرر لهذا الارتفاع ونحن مضطرون لذلك وإلا سيتوقف العمل وبالتالي ارتفاع الأسعار لسنا نحن السبب فيه. ويشير إلى أن الطلب على الشمع تزايد بشكل أكبر في ال10 أيام الأخيرة من رمضان استعدادًا لانقطاع الكهرباء في أيام العيد وتوقف مصانع الشمع عن العمل في العيد. ويقول المهندس خالد عبد العزيز: إن كل مصري يجلس في انتظار دوره لتقطع الكهرباء عنه وما يسببه ذلك من انقطاع المياه وتلف الأجهزة الكهربائية، وعدم قدرة ربات البيوت على الطهو أو حتى مشاهدة التلفاز في نهار رمضان الطويل. ويشير إلى المساجد الخاوية من المصلين في رمضان هذا العام بعد أن كانت تعج بهم في الأعوام الماضية وذلك بسبب ضعف إمكانيات العديد من المساجد والتي لا تقوى ماكينات المولد الكهربي بها على تشغيل الإضاءة والمراوح والسماعات، وكذلك حالة الاستياء بين المواطنين، الذين أدوا صلاة التراويح في وجود حالة من الهرج بسبب الظلام. ويوضح عبد العزيز أن المصريين لم يسلموا في الليل من نفس المصير ليضيع عليهم فرصة التعبد وقراءة القرآن لساعات قد تطول، متسائلا هل من المعقول أن نعيش في دولة توفر الضوء لبلاد أخرى، ونجلس نحن في الظلام؟