أدى عشرات الآلاف صلاة التراويح مساء أمس خلف القارئ محمد جبريل في مسجد عمرو بن العاص بمنطقة مصر القديمة، ولم تخل قراءة جبريل الذي يتمتع بشهرة واسعة من إشارات سياسية في آيات القرآن التي تلاها وهو يؤم المصلين لأول مرة في جامع عمرو بعد الحكم على الرئيس المخلوع حسني مبارك بالسجن المؤبد. وقد تزاحم عشرات الآلاف للصلاة خلف جبريل الذي يُحيي ليلة 27 رمضان- التي يعتقد أنها ليلة القدر ذات القدسية عند المسلمين- في جامع عمرو منذ أكثر من 20 عامًا. وقد افترش المصلون الأرض في المسافة بين محطتي مترو الملك الصالح ومار جرجس وهي مسافة تزيد عن كيلو متر وتضم كنيسة أبي سيفين والروم الأرثوذكس إضافة إلى الكنيسة المعلقة التي أنشأت على حصن بابليون الأثري. اختار جبريل أن يبدأ الصلاة بسورة القصص التي تقع في الجزء العشرين من المصحف الشريف وهي سورة مكية ونزلت منها الآية رقم 85 في أثناء الهجرة، وتحكي السورة عن بعض قصص الأنبياء لكنها تبدأ بقصة النبي موسى مع فرعون مصر. وبدأ جبريل الذي فاز بلقب القارئ الأول في العالم الإسلامي في مسابقة أقيمت بمكة المكرمة منذ أكثر من 20 عاما، بصوت هادئ، لكن صوته علا لأول مرة في نهاية الآية 19 التي تقول (يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) وهو حوار بين موسى ورجل من بني إسرائيل كان قد نصره عندما قتل رجلا في اليوم السابق، وقد ارتفع صوت جبريل بلهجة التهديد في الشطر الأخير من الآية. وفي نهاية الآية 25 بدا الشيخ يهمس بصوت رخيم وهو يقرأ (قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، لكن صوته علا بشدة في الآية التالية وهو يقرأ (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ)، وهي عبارة قالتها ابنة النبي شعيب لأبيها متحدثة عن النبي موسى بعد أن ساعدها هي وأختها في السقاية. بصوت من يلقي درسا على مسامع الناس ليتعظوا قرأ جبريل الآية 39 من سورة القصص (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ)، حتى وصل في الآية 42 (وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ). وتحكي الآيات السابقة كيف خسف الله بفرعون وجنوده وأغرقهم في البحر. وفي لهجة من يقدم النصيحة قرأ جبريل الآية 55 (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ). وقد دعا الإمام في الركعة الأخيرة لوسائل الإعلام بالهداية والبعد عن ما وصفه ب"التضليل". بصوت محذر قرأ الآية 59 (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ)، وعندما وصل إلى الأية 70 بدا كقاض يلقي حكما على مسامع الناس (وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). وبالرغم من أن محمد جبريل لا يلجأ لتكرار الآيات التي يقرأها إلا نادرا وبسبب أحكام الوقف والتلاوة التي قد تجبره على وصل أو قطع آية إلا أنه كرر آية واحدة 4 مرات إذ قرأها في الركعة الثالثة ثلاث مرات قبل أن ينهي الركعة ثم عاد ليقرأها للمرة الرابعة في الركعة التالية، والآية تقول (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). وكان يطيل في كلمة "فسادا" بحركتي مد بالرغم من أنها لا تحوي مدا في تشكيل المصحف العثماني، بما يوحي أنه كان يقصد التركيز على معنى "الفساد". بعد أن أنهي محمد جبريل سورة القصص قرأ سورة الدخان من الجزء الخامس والعشرين وهي سورة مكية عدد آياتها، 59 وتتحدث في معظم آياتها عن قصة فرعون وبني إسرائيل وعن قوم تبع وعن العذاب والنعيم الذي ينتظر الجميع "يوم الفصل". بدت لغة القارئ فيها قدر من الشماته لا يمكن أن تتجاوزه أذن السامع (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ، فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ). وفي دعاء ليلة القدر في ركعة الوتر الذي امتد لنحو ساعة قام جبريل بالدعاء مرتين على الرئيس السوري بشار الأسد قائلا (اللهم عليك بالطاغية بشار) في الدقيقة 28 ثم عاد بعد نحو ثلث ساعة ليدعو عليه مرة أخرى مذكرًا بما حاق بالشعب السوري من ظلم وقمع على يديه وداعيا لنصرتهم ومؤبنا لشهدائهم. كما دعا جبريل وخلفه المصلون لرئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي بالتوفيق والسداد، وأن يهيئ الله له البطانة الصالحة، كما تذكر شهداء الهجوم على نقطة عسكرية في رفح ودعا لأمهاتهم بالصبر والسلوان. يذكر أن الرئيس السابق حسني مبارك قد حكم عليه بالسجن المؤبد في قضية قتل المتظاهرين في 2 يونيو الماضي، كما أن هذه هي المرة الأولى لمحمد جبريل الذي يؤم فيها هذا العدد بعد أن أصبح رموز عهد مبارك داخل السجون ينفذون أحكاما قضائية بالحبس، مثل وزير داخليته حبيب العادلي ورئيس الديوان زكريا عزمي، وأحمد عز القيادي بالحزب الوطني المنحل.