انقضى الموسم الدرامي ال رمضان ي، والذي لم يكن يشبه مثيله في أي عام سابق، ما بين أجواء عزلة إجبارية جراء الأزمة الحالية التي تعيشها البلاد جميعًا، والذي أدى بالطبع لتأجيل عدد من الأعمال وغياب نجوم كثر عن المشهد، ولكن بالرغم من هذه الأجواء إلا أن الموسم ال رمضان ي حظى بنِسَب مشاهدة عالية، ولاشك أن العام الحالي عِوَض ما أفتقدته الدراما المصرية من مستوى سيئ أصاب الكثيرين بالإحباط في رمضان الماضي. أمير كرارة فى مشهد من مسلسل الاختيار هناك العديد من الملاحظات على الموسم الدرامي المنقضي يمكن رصدها في 30 ملاحظة كما يلي: 1-الجمهور هذا العام كان مختلفًا عن الأعوام السابقة، فمن خلال فترة الحجر الإجبارية بالمنازل، منح المشاهد فرصة أعظم لمتابعة الأعمال الدرامية سواء سينمائية أو تليفزيونية عربية وأجنبية عبر الكثير من المنصات الإلكترونية قبل انطلاق الموسم ال رمضان ي، مما سمح له بفرصة أكبر في التقييم الجيد والمتوازن للأعمال التي عرضت خلال الشهر الكريم سواء على مستوى الرؤية النقدية التي تشكلت لديه خلال الفترة السابقة من جانب، ومن حيث كونه يتمتع بمدد زمنية أطول في تسمح له بفرص أعظم في المشاهدة. 2- المميز في دراما الموسم ال رمضان ي لهذا العام، عودة الطبقة المتوسطة بقوة في الأعمال المقدمة بعد سنوات من غيابها على المشهد الذي كانت تتواجد فيه على استحياء أو ينعدم وجودها من الأساس فهناك العديد من الأعمال التي عرضت في الشهر الكريم كانت الطبقة المتوسطة محور أحداثها، أبرزها مسلسل "ليالينا 80" وهو صاحب النصيب الأكبر، بخلاف العديد من الأعمال الأخرى مثل "100 وش "ممثل في نموذج آسر يس "عمر" الذي هبط بمستواه من الطبقة الأرستقراطية إلى المتوسطة، "لما كنّا صغيرين" من خلال شخصية نسرين أمين "نهى"، و"فرصة تانية" ممثلًا في نموذج أحمد مجدي "زياد" وعائلته وغيرها من الأعمال. آسر ياسين ونيللى كريم فى مشهد من مسلسل 100 وش 3- للعام الرابع يثبت المشاهد تشوقه لنموذج البطل القومي والشعبي، فبعد ثلاث سنوات من نجاح مسلسل "كلبش" وتقديم تضحيات ومهام رجل الشرطة، يتكرر الأمر هذا العام مع نموذج لبطل آخر من أبطال القوات المسلحة، فالأمر يختلف هذه المرة خصوصًا وأن الدراما التليفزيونية كم من أعمال منحت فيها رجل الشرطة فرصته في الظهور بعكس رجل الجيش الذي انحسر ظهوره في الأفلام التي ظهرت عقب حرب أكتوبر وغاب عن الدراما التلفزيونية تمامًا باستثناء مشاهد كان يظهر فيها على استحياء. ونجح مسلسل " الاختيار " الذي لعب بطولته الفنان أمير كرارة في تحقيق هذه المعادلة بما حظي به من اهتمام وتلاحم مع شخصية البطل الشهيد أحمد المنسي. ياسر جلال فى مشهد من مسلسل الفتوة 4- من مسلسل " الاختيار " مكسب آخر هام بخلاف الاحتفاء بنموذج البطل القومي، ممثل في فكرة التأويل وإعادة تصحيح المسار لدى بعض العقول التي يغيب عنها المفاهيم الصحيحة في الدين والانتماء للوطن، ولعل مشهد المواجهة الذي ظهر في نهاية الحلقات بين شخصية المحقق الذي لعب بطولته الفنان أحمد السقا وبين الإرهابي هشام عشماوي يلخص هذا الأمر بما حاول فيه الأخير من ترديد مغالطات أبرزها رفع الرسول سيفه، حيث قال: " الرسول صلى عليه وسلم رفع سيفه، ليقاطع المحقق: الرسول فرض سيفه لحماية الاختيار ". 5- تقليل المدة الزمنية للحلقة ما بين "32-36" دقيقة على حد أقصى بعكس الأعوام الماضية، وهو الأمر الذي يحتمل تأويلين، إما تغيير انتباه القائمين على الأعمال الدرامية خصوصًا مع ازدياد مشاهدة الجماهير للأعمال التلفزيونية على المنصات والتي تتميز بتقليل مددها الزمنية أو أنه بسبب أزمة "كورونا" تم اجتزاء كثير من المشاهد بسبب ظروف الحجر والعزل وهو احتمال آخر. 6- بالرغم من ظروف كورونا وما أعقبها من توتر وقلق يساور الجميع، إلا أن هناك العديد من النجوم الذين اجتهدوا للحفاظ على أدائهم بالأعمال الدرامية حتى يقدمون متعة حقيقية للمشاهد الذي يعيش ظروفًا مضطربة. 7- هناك أزمات في السيناريو بعدد من الأعمال التي حدث فيها نوع من المط والتطويل المبالغ فيه وكانت مثارًا لسخرية المشاهد أو انصرافه عن متابعتها، ما يشير لضرورة إعادة ضبط العملية الكتابية بشكل أكثر وعيًا ودقة. يسرا فى مشهد من مسلسل خيانة عهد 8- ومن النقطة الماضية، فلعل أزمة كورونا تبقى درسًا مستفادًا لدى القائمين على صناعة الأعمال الدرامية بضرورة البدء في التحضير لها مبكرًا سواء بكتابتها وتصويرها بشكل يحمل أريحية وعلى فترات زمنية متقطعة خوفًا من تكرار الأمر خصوصًا وأن هذه الأزمة يشار إلى احتمالية وجودها فترة زمنية أطول. 9- لا تزال أزمة الكوميديا تلقي بظلالها على الدراما المصرية بشقيها "تلفزيون، سينما" ما يشير لافتقاد هذا النوع لكتاب يجيدون تقديمه خصوصًا مع ثورة الإيفيهات التي ظهرت بقوة طيلة السنوات الماضية، وذلك باستثناء مسلسل "100 وش" الذي تجاوز تلك الأزمة. 10- هناك نجوم أثبتوا قدرتهم على التشكل بصورة صحيحة تحمل قدرًا من الجرأة منهم نيلي كريم وآسر يس اللذان أثبتا تجاوزهم الوقوف عند تقديم أنماط درامية معينة خصوصًا وأن الدراما الكوميدية ليس من السهل على أي ممثل تقديمها أو تصديقها من قبل الجمهور. 11- العمل الجماعي هو بطل أساسي هذا العام بما يمحو فكرة التوحد مع البطل المطلق، ويزيد من فرص هذا العمل وجود خط مواز من الأبطال الرئيسين يحمل توازن وفرص أكبر للمتعة الجماهيرية، خصوصًا مع وجود فرصة لتباين الأجيال في أكثر من عمل ما بين نجوم صف أول ونجوم مساعدين ووجوه جديدة والأمثلة على ذلك كثيرة منها مسلسلات: البرنس، خيانة عهد، 100 وش، لما كنّا صغيرين. 12- هناك نجوم كتب لهم النجاح هذا العام بشكل كبير بالرغم من سنوات عمل طويلة لم قدموا فيها العديد من الأدوار لكنهم لم يحظوا بهذه الشعبية، منهم الفنان ضياء عبد الخالق الذي تألق في دور التكفيري في مسلسل " الاختيار " وكان له ظهور مميز في مسلسل "الفتوة"، وسلوى عثمان في "البرنس"، شريف دسوقي في "100 وش" وآخرون. 13- نجاح النجوم هذه المرة كان مختلفًا بسبب فكرة العمل الجماعي، وخير دليل على ذلك أن الفنان أحمد زاهر قد تصدر إعجاب الجمهور وتريندات مواقع التواصل الاجتماعي بشكل فاق بطل العمل ذاته محمد رمضان ، وكذلك الفنانة روجينا، والأمر ذاته في مسلسل "100 وش" على سبيل المثال فقد تخطى نجاح إسلام إبراهيم "حمادة" وشريف دسوقي "سبعبع" أبطال العمل الأساسين نيلي كريم وآسر يس في كثير من الحلقات. 14- هناك أعمال منحت نجاحًا خاصًا بسبب التوازن في مساحات الأبطال منها مسلسل "خيانة عهد" للفنانة يسرا ، وكذلك "البرنس" لمحمد رمضان الذي وللمرة الأولى يظهر في ترتيب مختلف من أبطال العمل الذي منح لكلًا منهم فرصته الكاملة في الظهور والتعبير الدرامي، الأمر ذاته في مسلسل "فالنتينو" للزعيم عادل إمام . 15- هناك مبدعان موسيقيان هذا العام في مقدمتهم كالعادة الموسيقار تامر مروان بإبداعه بموسيقى الأوركسترا في مسلسل " الاختيار " وكذلك مسلسلات 100 وش، ونحب تاني ليه بما يحمله من تنوع وبصمة موسيقية خاصة، أما المبدع الثاني هو هشام خرما والذي اتسعت قاعدته الجماهيرية في السنوات الأخيرة، حيث قدم موسيقية عصرية تمزج بين التكنولوجيا والتنوعات الشرقية ضمن مسلسل " النهاية ". 16- تثبت دراما الغموض والتشويق نجاحها وتربعها في صدارة المشهد والمشاهدة الجماهيرية، بل هي تثبت نجاح القائمين على صناعتها ما يشير لارتفاع وتطور مستواها في مصر فقد حقق مسلسلي: لما كنّا صغيرين، ولعبة النسيان حالة من التشويق والشغف الجماهيري الكبير على مدار 30 حلقة. 17- يبدو أن جمهور أعمال الخيال العلمي لا يزال محدودًا في مصر، فبالرغم من الإمكانيات الضخمة والموضوعات الهامة التي طرحها مسلسل " النهاية " إلا أن نسبة متابعته الجماهيرية لم تكن بالقدر المتوقع وذلك لأنه يحتاج إلى حالة من الذهن الصافي لاستقبال وهضم كل النقاط الهامة التي يناقشها، لذلك هو عمل لا يصلح للعرض في رمضان لأهميته أو على الأقل لابد من وجود تبسيط أكبر في محتواه المقدم. 18- لا يزال الجمهور يتشوق للدراما الرومانسية التي يفتقدها بشكل كبير منذ سنوات ذهب فيها يجول بين الأعمال المدبلجة لتعويضه هذا الأمر، لكن يعود الكاتب عمرو محمود يس ليعوض هذا الغياب فقد أصبح واحدًا من أهم الكتاب المتخصصين في هذا النمط الدراني، بل إنه كاتب يجيد التعبير عن موضوعات وتفاصيل خاصة في حياة الرجل والمرأة، ونجح الكاتب من خلال مسلسل "ونحب ليه تاني "لشريف ومنير وياسمين عبد العزيز وكريم فهمي في تحقيق متابعة ومشاهدة جماهيرية كبيرة، وإن كان هناك تحد من صناع العمل في تقديمه بالموسم ال رمضان ي إذ كان من الممكن أن يفتقد جزءًا هامًا من مشاهداته. 19- هناك تنويع واضح بدا في الموسم ال رمضان ي ما بين أعمال كوميدية، تشويق وجريمة، اجتماعية، وطنية، رومانسية وهو أمر أفتقده أيضًا الدراما في سنوات كثيرة. 20- لا يوجد إبهار حقيقي في دراما الموسم ال رمضان ي المنقضي على مستوى الديكورات أو الإضاءة أو التصوير باستثناء مسلسلي " الاختيار " و" النهاية " الذين نجوا من هذا المأزق بتقديم حالة خاصة في العناصر المذكورة كانت هي البطل الأساسي في العمل. 21- بسبب ظروف كورونا، فأن أغلب الأعمال المعروضة تصدرت المشاهد الداخلية فيها محور الأحداث وذلك نظرًا لظروف حظر التجول المفروضة ومحدودية الانتقال في ظل القلق من انتشار الفيروس. 22- للمرة الأولى، وبعيدًا عن البيانات الإعلامية التي تعظم من نجم بعينه وتضع مسلسله في الصدارة، يكون الجمهور عبر تريندات تويتر هو الناقد الحقيقي الذي يختار العمل وبطله صاحب التريند، وقد انحصر ذلك في خمسة أعمال منهم ثلاثة حافظوا على التريند طوال شهر رمضان وهي : " الاختيار " في المقدمة يليه "100 وش" يليه " النهاية " ويأتي مسلسلي البرنس والفتوة في مرحلة لاحقة. 23- هناك نجوم لابد من مراجعة حساباتهم خصوصًا بعد النقد اللاذع الذي لاقوه هذا العام من الجمهور الذي لن يغفر لهم إلا بعودة قوية تمحي هذا الخطأ مثل واقعة مسلسل "رجالة البيت" والتي اعتذر فيها بطله أحمد فهمي في شجاعة كبيرة منه مما حسن كثير من نظرة وتقدير الجمهور له الذي تأكد من احترام الفنان له، وهو ما يحتاجه فنانون آخرون. 24- هناك عدد من المخرجين المميزين هذا العام في مقدمتهم كاملة أبو ذكري وهي المخرجة التي تحيد فكرة إدارة مشروع جماعي كما في مسلسل "100 وش" ، وكذلك ياسر سامي في " النهاية " بما أحدثه من ثورة تكنولوجية في المحتوى المقدم، ومحمد سامي في "البرنس" وتوظيفه الجيد للأبطال، وكذلك سامح عبد العزيز في "خيانة عهد"، ومحمد علي في "لما كنّا صغيرين". 25- هناك نجوم دائمًا يغردون في سرب منفرد يحملون ألق وسحر خاص لإطلالتهم في مقدمتهم الفنانة يسرا ، وكذلك محمود حميدة وخالد النبوي وكلها أسماء كانت وظلت تحافظ على مكانتها الجماهيرية بمبدأ "الكبير كبير". 26- النجاح الذي حققه مسلسل "100 وش" يثبت تعطش الجمهور للدراما الكوميدية الاجتماعية البسيطة التي تقوم على كوميديا الموقف وليس الإيفيهات وهو سبب أساسي في نجاح العمل وأبطاله. 27- يثبت أمير كرارة أنه بات في مرتبة ومكانة جماهيرية خاصة فقد بات اسمه يقترن بفكرة البطل والرمز الشعبي وبالرغم من ميزة هذا الأمر لعله يضعه في مأزق فترة ما في اختيار أوضاع تبتعد عن هذا الفكر. 28- أثبتت دراما رمضان الحالي تراجع نسبة المشاهدة التلفزيونية فقد باتت المنصات الإلكترونية هي المنافس الأكبر مما قد يغير ثقافة القائمون على الأعمال الدرامية في السنوات المقبلة. 29- بالرغم من وجود العديد من التترات الغنائية إلا أن تتر مسلسل "100 وش" وهو من غناء نيلي كريم وآسر يس وفريق المدفعجية صدارة المشهد، وباتت الأغنية هي صاحبة النصيب الأعظم من الشهرة والتفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بل أنها أصبحت في مقدمة المقاطع الصوتية المستخدمة في التقليد والغناء. 30- الموسم الدرامي المنقضي أفتقد كثير من وهجه بسبب الأوضاع التي تعيشها البلاد جميعًا جراء انتشار وباء كورونا إلا أنه رغم ذلك خلق فرص أعظم في المشاهدة والتواصل الاجتماعي للأعمال من الجماهير داخل وخارج مصر.