بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.. (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) صدق الله العظيم على مدار شهر رمضان الكريم نقدم لكم كل يوم حلقة عن سبب نزول آية من آيات القرآن الكريم؛ لنتعلم منها الحكمة، ونعرف سبب نزولها. سبب نزول آية من سورة " المدثر" قال تعالي: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا)، أي - دعني يا "محمد" أنا والذي خلقته في بطن أمه وحيداً فريداً لا مال له ولا ولد، وجعلت له مالاً مبسوطاً واسعاً وأولاداً لا يغيبون عنه، ويسرت له سبل العيش تيسيراً. نزلت الآيات في عدو الله " الوليد بن المغيرة " عليه من الله ما يستحق، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه النبي القرآن الكريم، ولما سمع من رسول الله كأنه رق قلبه، قال مجاهد: إن الوليد بن المغيرة كان يأتي إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" وأبا بكر بن أبي قحافة وكان يُصيب أي- يأكل من طعامهما حتى حسبت قريش أنه أسلم، فلما بلغ أبوجهل ذلك انطلق أبوجهل بن هشام فذهب إلى الوليد بن المغيرة حتى دخل عليه في بيته وأتاهُ وهو حزيناً فقال له: مالي لا أحزن وقال ابن هشام : للوليد أي عمّ إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً، قال: لمَ؟.. قال: يعطونكَ إياه، وهذه قريش يجمعون لك نفقة يُعِينوك بها علي كبر سنك ويزعمون أنك زينت كلام محمد، وتدخل علي بن كبشة أي- النبي محمد وبن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهما، فغضب الوليد وحزِنَ ثم قال: أقد تحدثت بهذا عشيرتي؟ فقال: قد علمت قريش إني أكثرها مالاً فأنتم تَعرفون قدر مالي، قال أبوجهل : فقل فيه قولا يعلمُ قومك أنك مُنكر لما قال وأنك كاره له قال فماذا أقول فيه، والله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم بزجرهُ ولا قصيدهُ ولا أشعار الجن، والله وما يشبه الذي يقوله محمد شيئاً، ثم قال: "والله إن قوله الذي يقول إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وان أسفله لمغدق، وإنه ليعلو وما يُعلي عليه". قال أبوجهل : والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه قولا فكان أبوجهل رجلا خبثا وصديق سوء، قال: فدعني حتى أفكر فيه فلما خرج عليهم في دار الندوة وهم يجمعون رأيهم على قول يقولونه قبل أن تأتي عليهم وفود العرب للحج ليصدوهم عنه وعن الدعوة لدين الله، فقال قائلون إنه شاعر، وقال آخرون إنه كاهن، وقال آخرون إنه مجنون كل هذا والوليد يفكر فيما يقوله في محمد ثم تكبر وقال: أنتم تزعمون أنه مجنون فهل رأيتموه جُنّ قط قالوا: اللهم لا، ثم قال: وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه نطق بشعر قط قالوا: اللهم لا، ثم قال: تزعمون أنه لكاذب فهل عهِدتم عليه كذباً قالوا اللهم لا، وقال: بل كانت قريش تُطلق عليه الصادق والأمين، فقالت قريش للوليد: فما هو؟. ففكر في نفسه ثم نظر، ثم عبس فقال: ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه كيف يُفرق بين المرء وأهله وولده ومواليه فقال: هذه المقولة: (ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ). وهكذا دعاه الكِبر والعناد وتأثير أصدقاء السوء عليه إلى قول الزور، فمات على الكفر ويُخلد في نار جهنم بسبب من ؟ ... بسبب صديق السوء، بعد أن كاد يُسلم لكن صديق السوء؛ ولأنه شخصية خبيثة لا يرضى إلا أن يجد غيره أحط منه ولا يقتصر إفساده على واحد؛ بل ما يبتغيه أن يرى الناس كلها أحط منه، أبوجهل بسببه الكثير ماتوا على الشرك والكفر وليس الوليد فقط؛ بل مات عمّ النبي أبوطالب على الكفر أيضاً، ولذلك حذرنا النبي من صديق السوء فقال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدُكم من يُخالل"، وقيل أيضاً: الصاحب ساحب إما إلى جنة وإما إلى نار، وقيل أيضاً من أراد الترقي فليصاحب الأخيار. فتوعده الله تعالي وأنزل فيه: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)، أي- سأدخله جهنم كي يصلى حرّ ها ويحترق بنارها، فهي لا تبقي لحماً ولا تترك عظماً إلا أحرقته.