مصر تفقد 17 ٪ من الأراضى الزراعية لو امتلأ الخزان خلال 6 سنوات خبراء سودانيون: السد يدمر مشروعات الرى الفيضى ونتوقع انهياره فى غضون خمس سنوات القاهرة تواجه شحا مائيا ونصيب «المصرى» هو الأدنى بين شعوب دول الحوض إثيوبيا تمتلك 12 نهرا .. ويهطل عليها 950 مليار متر مكعب أمطارا سنويا تحولات إستراتيجية فى الإقليم ومصر تمتلك يقظة الإرادة والقدرة ..والتعاون هو الحل تعيش مصر والسودان حالة أزمة، سد النهضة الإثيوبي، الأزمة فى التجربة الإنسانية الواعية، دعوة للفحص والمراجعة، والشعوب اليقظة تتحمل مواجعها بإرادة المعرفة لا بحقن التخدير، فى ساعة العسرة تضغط حقائق الأشياء بالتنبيه والتحذير، قبل أن تتراكم الخسارة على الخسارة، أكبر خطأ يقع فيه بعضهم أن ينظر إلى السد من زاوية ضيقة، بعيدا عن دوره فى عملية « الانقلاب الإستراتيجي » فى بيئة الإقليم، إنها إستراتيجية استحواذ على المنصات الحاكمة بالشرق الأوسط والقرن الإفريقي، بعد تكالب لاعبين إقليميين ودوليين على حوض النيل؛ رصاصة المشروع غادرت بندقيتها قبل تسعة أعوام، ولا سبيل أمام دولتى المصب سوى تقليل الخسائر، قبل أن يتحول من رصاصة إلى قنبلة هيدروجينية تسقط على الخرطوم وتجرف الجميع، لو صحت الآراء التى ترى أن انهيار السد الإثيوبى محتوم، طال الزمن أو قصر. مدت مصر حبال الصبر، أمام الصلف الإثيوبي، ومرة تلو الأخري، تضع لها سلما على شجرة الخلافات، لكى تهبط منها، بذل الرئيس عبدالفتاح السيسى جهدا هائلا فى هذا المضمار، وقع «إعلان المبادئ» فى الخرطوم، مع الرئيس السودانى ورئيس الوزراء الإثيوبي، ذهب إلى أديس أبابا لبناء الثقة والتأسيس عليها لمصلحة الشعبين، بل لكل شعوب النيل على قاعدة «لا ضرر ولاضرار»؛ الحقيقة البسيطة تقول إن مياه النهر تكفى الجميع، لو توافرت الإرادة السياسية.. وبعدما لاح الاتفاق النهائي- برعاية الولاياتالمتحدة والبنك الدولي- شطبت أديس أبابا تسع سنوات من المفاوضات المضنية؛ بعدم حضور توقيع الاتفاق فى واشنطن، حول آليات ملء وتشغيل السد. حضرت السودان ولم توقع، لكن مصر وقعت تأكيدا لرغبتها بإنهاء الخلاف على أسس تعاونية. ثم واصلت إثيوبيا تعنتها، أعلنت أنها ستبدأ ملء بحيرة السد، يوليو المقبل. اعترضت مصر، وسائل إعلام إثيوبية ذكرت أن القاهرة بعثت برسالة إلى مجلس الأمن، تدعو المجتمع الدولى لحث إثيوبيا على توقيع الاتفاق؛ قبل الشروع فى الملء، ضمانا للسلم والاستقرار بالمنطقة، أما السودان وإن اشترطت الوصول إلى اتفاق قبل الملء، فإن الواقع يقول إنها مازالت مترددة، لم تحسم أمرها تجاه قضية السد، برغم إعلان رئيس الوزراء حمدوك التمسك بمرجعية مسار واشنطن. تبنى إثيوبيا إستراتيجيتها على مفاجأة الدولتين؛ شرعت فى تشييد السد، دون تنسيق أو إخطار. لم تلتزم بالاتفاقية الإطارية لاستخدام مجارى الأنهار للأغراض غير الملاحية، والتى صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1997، خاصة المواد 12 و 13 و14 و 15، والتى تلزمها بإخطار البلدين عزمها إنشاء مشروع بهذه الضخامة. كما تجاهلت بذلك اتفاقية 1902م، التى تنازلت بموجبها السودان عن منطقة بنى شنقول ل إثيوبيا ، شريطة عدم إقامة أى منشآت على النيل إلا بموافقة السودان ومصر. وأنجزت أكثر من 70% من السد، تحت ظلال المفاوضات التى راحت تضع العراقيل أمامها لاستنفاد الوقت وفرض أمر واقع غير قابل للتفاوض. على مدى سنوات حكم جبهة الإنقاذ فى السودان، انتهج نظام المعزول عمر البشير سياسات معادية لمصر، لكن موقفه تجاه سد النهضة كان غائما مائعا، فى البداية؛ ولما زال حكم الإخوان بمصر، فى 30 يونيو2013، تحول الموقف السودانى للتأييد الكامل للجانب الإثيوبي، غاضا الطرف عن الإضرار بمصالح بلاده وأمنها المائي. سقط نظام البشير فى أسر الأيديولوجيات البلهاء، وغواية التاريخ أو غواية الجيوبولتيكا، قصف الشعب السودانى بالأكاذيب؛ عداء لمصر وانبطاحا ل إثيوبيا ، حركة بغير حكمة، فعل لاإرادي، عصبي، أقرب إلى التشنج منه إلى القصد، سئم الشعب السوداني- كما شقيقه المصري- ترهات الإخوان، فأزاحهم عن الحكم، فى ثورة مجيدة، تغير كل شيء فى الخرطوم. أمر واحد بقى على حاله، الموقف المتهاون من سد النهضة !. أرجع مراقبون سودانيون ذلك إلى أن «نظام الإنقاذ» أقنع قطاعا واسعا من السودانيين بأن مزايا السد لهم تماثل فوائد السد العالى لمصر، كالرى الدائم وحماية سدودها من الطمي، وأن إثيوبيا وعدت الخرطوم، بألفى ميجاوات من 6 آلاف ينتظر أن يولدها السد، بأسعار زهيدة... لكن طارئا جدّ على الساحة، ارتفعت أصوات محذرة من أن سد النهضة كارثة محدقة بالسودان، ومن الاستمرار داخل اللعبة الإثيوبية العبثية. خبير التنمية العالمية الدكتور الوليد أدم مادبو، قال إن أمر السد يتعدى حق الانتفاع إلى تهديد حياة الشعوب، فقد تنقلب وفرة المياه إلى جفاف يحرم السودان من زراعة دورة واحدة، دعك عن دورتيْن، بل قد تنعدم الكهرباء إذا ما قرر الإثيوبيون استخدام السد كسلاح، فى محاولتهم للاستيلاء على موارد السودان الأخري، وهذه نيتهم؛ رفضت إثيوبيا إيراد أى فقرة فى إعلان المبادئ عن التزامها عدم الإضرار بمصالح دول المصب. وكان مستشار الأممالمتحدة ووزير الرى السودانى الأسبق يحيى عبد المجيد قد حذر من انهيار السد، فالهضبة الاثيوبية هشة جدا، وتراكم الطمى بالخزان يقلل عمر السد. وبينما أكد الدكتور أحمد المفتى العضو المستقيل من اللجنة الفنية للسد أن مخاطر السد وسلبياته تحيط بالسودان إحاطة السوار بالمعصم. قدم الخبير العالمى البروفيسور محمد الرشيد قريش الحجة الدامغة التى فضحت الأساطير المؤسسة والفوائد المزعومة للسد، واحدة تلو أخري: ضياع حقوق السودان المائية، مع فقدان نصف الأراضى الزراعية التى ترتوى من النيل الفيضى الذى يعتمد عليه الفقراءُ بحجة زيادة الدورات الزراعية، لتعطش المشاريع وينتشر الجوع فى البلد. وأكد قريش أن سدا بحجم 90 مليار متر، المعلن 74 مليارا، بُنى بأرض بركانية هشة، على طريقة «سلق بيض» مع أخطاء فادحة، لا يُمكن أن يصمد أكثر من خمس سنوات، سينهار بعدها أو قبلها بقليل، مُحدثا دمارا هائلا، وتصل قوة اندفاع الماء إلى الخرطوم فى 9 ساعات، وتغمرها بارتفاع «العمارة الكويتية»، بعرض 15 كيلومترا، مما ينذر باندثار حضارة وادى النيل بأكملها. .............. يُعتقد أن إحدى دراسات البروفيسور قريش حول السد تسببت فى طرد المقاول المحلى (الأثيوبي). أما جسم السد فلا يزيد معامل الأمان فيه على 1.5%، توقعت تقارير أمريكية صموده نحو 20 إلى 25 عاما، قبل الانهيار. لكن تقريرا ألمانيا يتسم بحسابات أكثر دقة، أكد بقاء السد بين 7 و12عاما فى الحد الأقصي. ................ يعضد هذا الرأى المهندس دياب حسين دياب عضو لجنة الخبراء الدوليين لتقييم سد النهضة ، ف إثيوبيا لم تقم بمسح مائى لمنطقة السد، وتوجد بها فوالق وشقوق وكهوف داخل البحيرة، مما يهدد أيضا السد (المكمل) بالانهيار، وقال إن اللجنة الدولية طالبت إثيوبيا بعمل دراسات وتعديل التصميم، لكنها تواصل المراوغة، دون دراسة جدوى أو تصميم أو تأثيره على السودان ومصر. وفجّر دياب مفاجأة من العيار الثقيل بأن اللجنة الفنية السودانية منذ عهد البشير وحتى الآن، تدلّس على الشعب، وتغامر بمحو السودان النيلى من الوجود، لافتا إلى أن السد سيكون كارثة على إفريقيا. اتفق معه الدكتور محمد عبدالحميد خبير الحد من الكوارث، فقال إن السد إن لم يهلك السودان غرقا، فسوف يهلكه عطشا، مستشهدا بشعار الحملة السودانية لمناهضة السد، بقيادة الدكتور أحمد المفتي: «لا غرقا.. ولا عطشا»، مبينا أن إثيوبيا تحصر خيارات الآخرين فى دفع ثمن الماء أو العطش. ونبهت الكاتبة لبنى أحمد إلى التلاعب بالسودانيين، و(العشم) فى كهرباء إثيوبيا دون اتفاق مكتوب، وقالت إن ما يجرى هو (أحلام ظلّوط)، أى مجرد أوهام، لاسيما أن قدرة السد لا تتعدى 1800 ميجاوات لا تكفى حاجة إثيوبيا . وكان الدكتور فيصل حسن عوض قد قال إن نُذُر كوارث السد بدأت بالظهور، وأن المُتأسلمين باعوا الوطن وأهله بدُرَيهمات معدودة، فالسد يضر السُّودان، زراعيا وبيئيا واقتصاديا واجتماعيا، وضياع أراضى الجروف، مع فُقدان الرى الحيضى والفيضي، كذلك مشروعات النيل الأزرق: الجزيرة والرهد والسوكي، وصعوبة ملء خَزَّانى الروصيرص وسِنَّار، وبالتالى توليد الكهرباء منهما. خبير الرى المهندس عبدالكافى الطيب عضو مجموعة «مناهضى ترتيبات سد النهضة »- مجموعة تشكلت حديثا وتضم متخصصين وخبراء سودانيين فى عدة مجالات، لاسيما السدود والأمن المائي- اتهم الفريق التفاوضى فى وزارة الرى السودانية بالتبعية ل إثيوبيا ، وحذر مما سماه «مجموعة أديس أبابا» فى دهاليز الحكم بالخرطوم، والتنسيق المشبوه بين وزيرى الرى الإثيوبى والسوداني، وقال إن المخطط الإثيوبى الأساسى من وراء السد هو السيطرة على شرق السودان جنوب وشمال السد، كما فعلوا فى الفشقة وقمبيلا، أى 15 مليون فدان أراض خصبة، ملمحا لأن زراعة تلك الأراضى كافية لقطع النيل الأزرق عن مصر تماما. وطالب عبدالكافى الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة بأخذ زمام الأمور، مؤكدا أن إعلان أديس أبابا بدء ملء بحيرة السد دون اتفاق «إعلان حرب» يهدد وجود السودان!. ................ أشارت وسائل إعلام إلى انخراط مستثمرين عرب بمشروعات زراعية ضخمة تقوم على استنزاف حصة معتبرة من مياه النيل، وتعضد موقف إثيوبيا فى هذا الوقت الحرج لدولتى المصب. ............ إن عودة الوعي، بعد عودة الروح، إلى النخب المدنية بالسودان الشقيق هو خبر سار، لمصلحة السودانيين أنفسهم، ذلك أن تجاهل حسابات المخاطر التى تطول الوجود الوطني، يعد أخطر عملية ابتزاز فى التاريخ؛ هناك من يجلس على رأس النهر، ممسكا بسكين حاد (السد) قادرا طوال الوقت على قطع شريان الحياة، بل يكفى التلويح باستخدام السكين ليصبح رادعا؛ كمية المياه المسموح بمرورها خلف السد، لن تحددها حقوق أو حاجات، إنما تحددها درجة امتثال المتلقي، لما يفرض عليه إستراتيجيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، هذا هو التحدى الوجودى نفسه. ........... وصف عدد من أقطاب النخبة السودانية مواقف حكومة عبدالله حمدوك بأنها تضرب مصالح البلاد فى الصميم، وطالبوها بالانحياز لمصلحة السودان، وبتضافر الجهود مع القاهرة، لفرض حل عادل على إثيوبيا ، يحفظ حقوق الدول الثلاث، ويكون مدخلا لتنمية شاملة محورها مياه النيل؛ وتساءل بعضهم: ماذا سيكون الوضع المائى للسودان لو أتت كمية مياه أقل من حصة السودان ومصر؟!، وأجابوا: إنها فتنة جديدة بين البلدين الشقيقين!. ............... لماذا نذهب بعيدا، فما فعلته إثيوبيا مع كينيا درس قاس، يجب أن يعيه العالم. إذ ينبع نهر «آومو» من إثيوبيا ، وهو مصدر 80% من مياه «بحيرة توركانا»، أقامت إثيوبيا سدودا على النهر، فتشرد نصف مليون كينى كانوا يعتاشون على البحيرة، استغاثت كينيا من الأضرار الرهيبة، ولا حياة لمن تنادي. تقلّد إثيوبيا تركيا الأردوغانية، التى قلصت مياه نهرى دجلة والفرات المتدفقة إلى سوريا والعراق، عن طريق سدود جنوب الأناضول، أضرت بهما ضررا جسيما، ناهيك عن دورها فى تدمير البلدين، مرة بالإرهاب وأخرى بالجفاف. لم تكتف إثيوبيا بذلك، بل شرعت فى إبرام اتفاقات إقليمية لبيع المياه، دشنت مشروعا لنقل100 ألف م3 يوميا إلى جيبوتى برعاية صينية. إثيوبيا هى «نافورة مياه إفريقيا »، تهطل عليها نحو 950 مليار متر من الأمطار سنويا، فى المتوسط، وتملك 12 نهرا أساسيا، ويذكر أن إثيوبيا قد انخرطت بالفعل فى مشروع لتسعير المياه عام 2007 عبر الأممالمتحدة، بهندسة إسرائيلية كادت تكون مرئية، أحبطت مصر هذا المسعى فى حينه، إذ يستحيل مساواة الماء الذى ترتبط به حياة البشر والكائنات وينزل من السماء، بالبترول؛ فلا الإثيوبيون استنزلوا المطر، ولا نحن شققنا النهر. هكذا تتكشف الأحلام الإثيوبية أن سد النهضة لم يكن من أجل الكهرباء فحسب. الكهرباء شرك خداعى يخفى الحقائق. لذلك رفض هؤلاء الخبراء السودانيون النظر إلى السد بوصفه قدرا لا فكاك منه، قالوا إنه قنبلة دمار شامل، سوف تطول شظاياها القاتلة خلايا الجسد السودانى ووظائفه الحيويّة، ونتائجه الوخيمة أقرب إلى الإبادة الواسعة، لأدوات الحياة ولملايين السودانيين والمصريين؛ فلا أحد يستطيع أن يجزم باستبعاد انهيار السد، سواء بفعل القدر أو البشر، على غرار تفجير برج التجارة العالمى بنيويورك، لتحدث الإبادة. أن تُمسك بذراع النيل وتعبر شمالا، حيث مصر «هبة النيل»، فستجد أن الظروف المائية فى منتهى القسوة، حصة الفرد 500 متر مكعب سنويا. وتدنى نصيبه من الأراضى الزراعية إلى 1.5 قيراط، وزادت الفجوة الغذائية إلى نحو 20 مليار دولار، مع الزيادة السكانية ارتفعت نسبة مياه الشرب إلى 20% من الحصة المائية، وانخفضت مياه الرى إلى 75%، هى الأدنى بدول حوض النيل؛ ولشح المياه لم تستكمل مشاريع زراعية عملاقة مثل توشكي. وبرغم هذا الوضع المرير، وافقت مصر على بناء السد الإثيوبي، شريطة عدم الإضرار بحصتها المائية. كررت أديس أبابا التعهد بهذا (لفظيا)، لكن راوغت فعليا؛ امتنعت عن التوافق حول آليات ملء السد وتشغيله، محاولة الهيمنة المطلقة على النيل الأزرق؛ برغم أن كل الدراسات تشير إلى أن السد يضر بمصر، بصورة أو بأخري؛ توقعت دراسة نشرتها «الجمعية الجيولوجية الأمريكية» فى مايو 2017 أن تنقص حصة مصر 25%، إذا امتلأ الخزان خلال فترة بين خمس إلى سبع سنوات، وأضافت أن هذا النقص «خطر كبيرعلى الدلتا»، التى تقع على ارتفاع متر واحد فوق مستوى سطح البحر. وأوضح تقرير لوكالة «رويترز» فى أبريل 2018، أنه سيتم تدمير 17% من الأراضى الزراعية بمصر، إذا ملأت إثيوبيا الخزان خلال ست سنوات؛ ترتفع إلى 51% لو ملأته فى ثلاث سنوات، بمعنى فقدان ملايين الفلاحين أرزاقهم وفرص عملهم، واتساع الفجوة الغذائية وتراجع إنتاج الكهرباء من السد العالى والقناطر، إلخ. تحولت إثيوبيا إلى التحكم فى النيل الأزرق شريان حياة السودان ومصر، وتركت العنان لوسائل إعلامها ترمى القاهرة بالأباطيل؛ لإثارة بقية دول الحوض ضدها، ولصنع خلاف متوهم عربي- إفريقي، فى تصرف مكشوف لتمديد الأزمة حتى الانتهاء من بناء السد وتشغيله. أصبح اليقين الوحيد فى الشرق الأوسط أن المياه صارت «سلعة» بالنسبة لمن يمتلكونها، و«أمن قومي» يجب زيادة المتاح منها بالنسبة لمن يفتقرون إليها، هذان الاهتمامان يتصارعان، والإجابة هى التعاون السلمى لبناء الحاضر والمستقبل؛ الكل رابح أو الكل خاسر!. تحتاج مصر إلى حملة عالمية لتبصير الأفارقة والعرب والعجم بحقيقة وضعها المائى الحرج، وفضح الدعاية المضادة. قدر مصر أنها دولة بحوض نهر تشاركها فيه دول كثيرة، ليس لأى منها نفس حاجتها إلى مياهه، أو محورية الدور الذى يلعبه فى حياتها، وليس لأى منها أزمة مياه يمكن أن تدفعها لإثارة مشكلة مع مصر؛ النيل فيه وفرة كافية، إيراده السنوى 1665 مليار متر، تستهلك منها مصر والسودان 82 مليار متر مكعب، والفواقد كبيرة. مع ذلك ظلت مياه النيل أداة ضغط على مصر تحركها اعتبارات السياسة والاقتصاد. إنها سياسة «شد الأطراف»، بهدف نقل مركز النفوذ الاستراتيجى بالشرق الأوسط لعواصم أخري، وإبقاء القاهرة تحت ضغط من الداخل والخارج، مثل «كسارة البندق»، بالإرهاب وغيره، على نحو تتصدع معه المصالح المصرية والعربية. يرى الخبير الاستراتيجى أحمد عز الدين أنه من سوء التقدير، أن ينظر بعضنا للأمر خارج حركة التاريخ وصراعاته المتصادمة، مع الكتلة الحضارية المصرية، فلم تتوقف، عبر تاريخ الاستعمار فى مصر وجوارها الإفريقي، محاولة استخدام شريان الحياة كسلاح سياسي، وتوجيهه إلى صدر المحروسة؛ هدف الاستعمار القديم والحديث واحد، تهديد مصر وكسر إرادتها الوطنية، خلال الكشوف الجغرافية والدوران حول رأس الرجاء الصالح، حاولت البرتغال والحبشة تغيير مسار النيل للبحر الأحمر، وعقب تأميم قناة السويس، سعت بريطانيا لمنع تدفقه كى نهلك عطشا وجوعا؛ ومشروع السدود الإثيوبية ال26 هو خلاصة تقرير أمريكى قدم ل إثيوبيا فى أوج معركة السد العالي. دفاتر الأزمة تحوى أوراقا كثيرة، والدول الناهضة تتأهب لكل الاحتمالات، تعمل ألف حساب حماية لأمنها مهما يكلف من جهد، لا تحتاج إلا «يقظة الإرادة»، ومن ثم لايمكن التعويل على وعود أثيوبية بعدم المساس بحصة مصر من المياه دون اتفاق مكتوب؛ فالإنسان ذئب لأخيه الإنسان، كما قال توماس هوبز، والحقوق التاريخية والمعاهدات السابقة وإعلان المبادئ والقانون الدولى إلى جانب دولتى المصب. الإرادة فى مصر يقظة، تمتلك القدرة والعقل والخبرة والفرصة، لتغيير المعادلات ليس فى النيل، بل جميع ملفات الإقليم، تتحرك بهدوء نعم لكن بثقة، بحثا عن حل سلمى لمصلحة شعوب النيل وكل إفريقيا، ولا غرو؛ فتنمية الموارد المائية فى أحواض كولورادو وتينيسى والسند كانت لها آثار بعيدة المدي، إلى ما وراء حوض النهر. وبعيدا عن سياسة «جزّ الأعشاب» قد يقرر رحم أزمة النيل مصير الشرق الأوسط، ودور مصر فيه، ذلك أن حركة التاريخ أشواق وضغوط، مصالح ومطالب، توفر لنفسها حق الاختيار إذا أحسنت التقدير!. نقلا عن صحيفة الأهرام