بدت تركيا في ثوبها ال أردوغان ي وكأنها تصارع طواحين الهواء، فطوال الأسبوعين الماضيين، وجدها المراقب وهي تزعق صارخة في وجوه أعداء الخارج وخونة الداخل، بحسب وسائل إعلامها، تؤكد بحدة دون أن يكون لديها معطيات لذلك أن اقتصادها قوي "وصامد متين رغم المؤمرات"، مشددة في الوقت نفسه على عزمها الذي لن يلين أو يرضخ بعدم مد يدها للمنظمات المالية الدولية للحصول على قروض، وفي خطاب وجهه لشعبه يوم الثالث عشر من أبريل المنصرم جدد أردوغان رفضه القاطع اللجوء إليها، وقال إن دولته "لن تنحني لبرنامج الصندوق النقد الدولي، أو أي استغلال من شأنه أن يدين بلادنا" على قوله!!. في المقابل ومن وراء الستار تصدر حكومته توجيهاتها التي هي في الحقيقة أوامر لا تصد ولا ترد لبنكها المركزي وهذا بدوره لبنوكه العامة، بضخ ملايين الدولارات في الأسواق لمنع انهيار الليرة وإنزلاقها نحو المجهول، ولا يهم تآكل احتياطات الدولة، بيد أن القصر الرئاسي قد تلبسته فوبيا الرقم 7، الأمر الذي تعني ترجمته: العمل بأي ثمن كي لا يكسر "الأخضر الأمريكاني" حاجز السبع ليرات، ولكن هيهات، فقد ذهبت كل جهوده أدراج الرياح، وها هو الأناضول الذي أراد له رئيس الجمهورية محاكاة ماضي غابر وتراث بليد، تقذفه الأنواء ولا يبدو له مرفأ آمن على الأقل في المستقبل المنظور!. ويصبح السؤال الذي طرحه الأكاديمي والمحلل البارز ذو الفقار دوغان، أين ستجد وريثة الإمبراطورية العثمانية المنقضية غير مأسوف عليها، العملات الصعبة لتمويل احتياجاتها ومشاريعها؟ فالخيارات أمامها تبدو شحيحة، فإجمالي ما يأتي إليها من النقد الأجنبي يبلغ 250.1 مليار دولار موزع بالمليارات كالتالي: الصادرات 171.6 والسياحة 34.5 والنقل البري اللوجستي الدولي 25 والمقاولات الخارجية 18، خصصت منها 85 بالمائة أي 202.7 مليار لتغطية الواردات لوحدها، وبما أن الصادرات ستنخفض وقد انخفضت فعليا 18 بالمائة في مارس هذا العام، ويتوقع أن تصل إلى 80 بالمائة بنهاية مايو الجاري خاصة بقطاعات السيارات والملابس والمنسوجات. وفي محاولات وصُفت بالعشوائية من قبل متخصصين لتجنب وقوع ضرر بالاحتياطيات، تحركت وكالة التنظيم والإشراف على البنوك لتنظيم تبادل العملات للمرة الخامسة منذ أزمة العملة الشهيرة في أغسطس 2018 مما أثار الجدل القائم بالفعل حول قابلية العملة المحلية للتحويل الدولي وفي 12 أبريل الفائت، قضت أن معاملات الصرف الأجنبي بالبنوك قد لا تتجاوز أكثر من 1 بالمائة من أسهمها، وهو انخفاض حاد عن نسبة 10 بالمائة التي تم إصدارها سابقًا!. ورغم ذلك واصلت الليرة تقهقرها محققة أرقاما قياسية، وبطبيعة الحال استمر المخزون الإستراتيجي من النقد الأجنبي ومعه احتياطيات الذهب في التناقص، ووفقا لبيانات رسمية فالخسائر تزداد بوتيرة متسارعة. واستنادا لما هو مُعلن انخفض صافي الاحتياطي والذي بلغ 64.8 مليار دولار في 27 مارس الماضي، بمقدار 5.8 مليار دولار في 3 أبريل أي خلال أسبوع واحد، واستمرت عمليات السحب من الودائع بالعملات الحرة بمعدل مرتفع بالأسابيع الأربعة الماضية، ما أدى إلى انخفاض إجمالي الأموال المحتفظ بها من 200 مليار دولار في 13 مارس إلى حوالي 194 مليار دولار في 3 أبريل. بالتوازي استمر عزوف المستثمرين الأجانب الذين باعوا ما قيمته 523 مليون دولار من ضمانات الأوراق المالية خلال الأسبوع الذي يبدأ اعتبارا من 3 أبريل، ويكفي الإشارة إلى أنه خلال الفترة من يناير حتى أبريل، وصل إجمالي الهروب الأجنبي من البلاد إلى 7 مليارات دولار. لكن لماذا الخوف من التقدم إلى الصندوق لطلب المساعدة أو الاقتراض العاجل؟ ويعود ذلك لسببين رئيسيين، أولهما أن أنقرة لا تريد أن تلتزم بالشروط الهيكلية التي تأتي كجزء من أي اتفاق يمكن إبرامه مع الصندوق، وثانيهما أنه لا يمكن للقائمين على تلك المؤسسة التغاضى عن العقوبات الأمريكية التي ستفرض يقينا ضد نظام أردوغان إذا لم يتخل عن أنظمة الدفاع الجوية "إس 400" الروسية. وتأسيسا على ذلك، فكافة المؤشرات تشير إلى أن أنقرة مهددة بفقد ثقة الأسواق الدولية، وهكذا تجد نفسها أمام فترة صعبة، يعزز ذلك أنها مطالبة بسداد أقساط الديون الخارجية الخاصة والعامة والبالغة 172 مليار دولار هذا العام، وبالتالي أصبحت تواجه "مستقبلاً قاتماً"، هذا ما تنبأ به خبراء المال والأعمال!!.