في واحدة من المشاهد العبثية التي لا يمكن أن توجد إلا بوريثة الإمبراطورية العثماينة صاحبة المجد الغابر، نفذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديده بمحاسبة " هؤلاء الذين يقومون بمد يد العون للمتضررين من فيروس كورونا بعيدا عن سلطاته وأجهزته فنظامه فقط هو المنوط بتلك الأمور". وبالفعل شرعت وزارة داخليته وبتعليمات منه، بفتح تحقيقات ضد رؤساء البلديات المنتخبين التي تسيطر عليها المعارضة ، والتهمة هي إطلاقهم حملة التبرعات بدون أذن لدعمهم مواطنيهم المحتاجين ، وبدأتها بأكرم إمام أوغلو ومنصور ياواش رئيسي بلديتي أكبر مدينيتين بعموم الاناضول ألا وهي إسطنبول وأنقرة. وتحت مزاعم وصُفت بالباهتة واللا معقولة بيد أن عنوانها العريض كان حتي "لا توجد دولة داخل الدولة"، تمت مصادرة الأموال التي تم جمعها وإيداعها في أحد البنوك دون أدني اعتبار لمن كانوا ينتظورنها وهم في أمس الحاجة إليها ، فليذهبوا جميعها إلى الجحيم طالما كانت تلك إرادة الزمرة الحاكمة. بدوره قال إمام أوغلو قوله "إن حجب أموال الراغبين بالمساعدة عن طريق بلدياتهم هو موقف ضعيف للغاية، يأتي بعد تدخّل من الأعلى إلى الأسفل وأشار إلى أنّ الذي أصدر تعليماته، هو جزء من هذا الضعف، ولا يمكن نعته إلا بالفظاظة في إشارة مبطنة إلى أردوغان ". وأضاف أن 900 ألف ليرة (75 الف دولار) ما زالت في أحد المصارف محجوز عليها دون سند أو مبرر قانوني وكان يجب صرفها لتسليمها للمواطنين. ومضي مستطردا "في الوقت الحالي، لا يزال هناك انسداد، لقد قدمنا طلب للمحكمة وعلينا الانتظار أسبوعين حتى يأتي الرد ثم اختتم حديثه بعبارة حزينة قائلا إن " المعاملة الخارجة عن القانون والمخيفة التي تجريها البنوك هي العلامة السوداء في تاريخها"!! ولأن منصات التواصل الاجتماعي ، التي كانت ولازالت من المنابر الفاعلة، حيث بثت عبرها عشرات الدعوات للتبرع ، فقد ناصبتها الحكومة التي يقودها أردوغان العداء وعلي الفور استحدثت مشروع قانون الهدف منه ليس فقط عقابها آنيا ، بل شلها عمليا في المستقبل حتى وأن بعد إنتهاء أزمة " الكوفيد 19 "، مضمونه، أن هذه المواقع الالكترونية إذا لم تقوم بتعيين ممثلين لها في البلاد، يتعاونون مع سلطاتها لمعالجة مخاوف متعلقة بما ينشر على منصاتها، فسوف تحجب، الأمر الذي يشير إلى سعي حزب العدالة والتنمية الحاكم لتحجيم الانتقادات التي توجه ضده وفي نفس الوقت فرض حصار على المعلومات غير المرغوب فيها على تلك الوسائل. وبحسب مراقبين فحسابات تويتر وفيسبوك وغيرها في تركيا والتي يصلها آلاف الاشخاص يوميا تخضع أصلا إلى رقابة مشددة، ويمكن أن تؤدي تغريدة بصاحبها إلى السجن بتهم مثل " الدعاية لمنظمة إرهابية" أو "إهانة الرئيس" أو " نشر الشائعات"؟ وتنص المسودة المنتظر تمريرها من البرلمان الأسبوع القادم بفضل أغلبية حزب العدالة مدعوما بالحركة القومية اليميني المتشدد على أن الشركات المالكة للمنصات التي لا تلتزم بالإجراءات الجديدة ستواجه بتقليص النطاق الترددي لها إلى النصف ثم خفضه بنسبة 95% إذا استمرت بتجاهل القانون. كذلك لابد وأن تلتزم تلك الكيانات بالرد على ملاحظات السلطات بشأن المحتوى الذي تبثه وذلك في غضون 72 ساعة، كما يتعين عليها أيضاً تخزين البيانات الخاصة بالمستخدمين الأتراك داخل الدولة. وفي حال عدم الاستجابة فستقع عليها غرامة مالية تصل إلى 148 ألف دولار، كما سيتم تغريم ممثليها المحليين الذين لا يقومون بتجميع المحتوى المحذوف أو المحظور، أو لا يخزنون البيانات داخل تركيا ، حوالي 5 ملايين ليرة أي ما يعادل 800 الف دولار . وخلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، ووفقا لبيانات الداخلية نفسها جري مراجعة أكثر من 3.500 حسابا ، وتم التعرف على 616 مشتبهاً به، واعتُقل 229 شخصاً بسبب منشوراتهم " الاستفزازية" على حد وصفها بتلك المواقع. هنا قال " يمان أك ددينيز "، خبير الإنترنت والمحاضر بجامعة " إسطنبول بيلجي" ، في تصريحات صحفية إن " يوتيوب " و"تويتر " ستتحولان تدريجيا نتيجة هذه الإجراءات إلى شركات محظورة في تركيا وفي حال التزمت بتعيين ممثلين فستتم مراقبة عمليات حظر الوصول وإغلاق الحسابات وإزالة المحتوى عن كثب" وهذا هو المطلوب!